زواج "المال والإعلام"

تابعنا على:   13:40 2019-06-08

د. محمود خليل

فى بداية معرفة مصر للصحافة أوائل القرن التاسع عشر لم يكن من يعمل فى هذه المهنة يحصل منها إلا على الفتات، وكان رزقه باليوم، وكله حسب التساهيل، عاش أغلب من احترفوا مهنة الصحافة خلال القرن التاسع عشر فى ظروف اقتصادية بالغة القسوة والتعقيد، الأمر الذى جعل هذه المهنة تستقطب فقط المغرمين بها ومن لديهم القدرة على الإنفاق عليها إذا تطلب الأمر ذلك، حتى يحققوا طموحهم فيها، وقد ظهرت العديد من الأسماء للصحفيين من هذا النوع مع مطلع القرن العشرين، مثل الصحفى أمين الرافعى، والصحفى أحمد حلمى المسمى باسمه أشهر ميادين شبرا، وهو بالمناسبة جد المبدع الراحل صلاح جاهين، وغيرهما.

بدأت أحوال الصحفيين الاقتصادية فى التحول بعد ثورة 1919، حين وصلت أقدامهم إلى قصور الباشوات والبكوات ورجال السياسة والأحزاب، ومع اشتعال الصراعات السياسية بين أحزاب ما بعد عام 1919، تعاظمت أدوار الصحفيين فى خدمة رجال السياسة، ورجال المال والأعمال، ومع دخول الإعلانات كمصدر تمويل للصحف بدأت أوضاع الصحفيين تنتعش أكثر وأكثر، وعندما وصل قطار تجربة الصحافة إلى الأعوام التى سبقت قيام ثورة يوليو 1952 تمكن الكثير من الصحفيين الكبار من مراكمة ثروات وأصبحوا جزءاً من الطبقة المخملية داخل المجتمع، يرتدون أفخم الأزياء ويدخنون أفخم أنواع السيجار، لم تكن حكومات ما قبل 52 تبخل على الصحفيين من أجل شراء ولائهم، وكانت تخصص لذلك ما أطلق عليه «المصروفات السرية» التى كانت تدفع للصحفيين لينفقوا منها أنى يشاءون، وبإمكانك أن تقرأ عن تجارب قريبة من الواقع لأمثال هؤلاء الصحفيين فى رواية «زينب والعرش» لفتحى غانم ورواية «دموع صاحبة الجلالة» لموسى صبرى.

انضبطت الأوضاع المالية للصحفيين بعض الشىء خلال فترة الستينات وما تلاها من عقود حتى نهاية القرن العشرين. ومع مطلع الألفية الجديدة ومع انتعاش سوق القنوات الفضائية والصحف الخاصة، بدأت الأمور فى الاختلاف، حيث أصبحت مرتبات الصحفيين تعد بالملايين فى الشهر الواحد، وهذه الظاهرة لم تبدأ مع ثورة 25 يناير 2011 كما يظن البعض بل ارتبطت بأواخر عهد حسنى مبارك، ولا خلاف على أن الزواج بين المال والسياسة الذى حدث فى عصر مبارك لعب نجوم الصحافة فيه دور «المأذون» الذى تتحدد أجرته تبعاً لمؤخر الصداق، وبعد ثورة يناير 2011 تضخمت ثروات العديد من نجوم الصحافة حتى أصبحت تعد بالمليار وليس بالمليون.

رغم تراكم ثروات كبيرة لدى العديد من الصحفيين إلا أننا لم نجد اسماً منهم فكر فى الاستثمار فى مجال الإعلام، فقد كانت المعادلة الأكثر تفضيلاً بالنسبة لهم تتمثل فى استثمار رؤوسهم وألسنتهم وأقلامهم فى إطار معادلات توافقية مع رجال المال أو رجال السياسة، يتحقق من خلالها مجموعة من المصالح المشتركة. مؤكد أن الإبداع على السوشيال ميديا يحقق هو الآخر أرباحاً كبيرة، ومن المعلوم أن نجوم التواصل الاجتماعى، خصوصاً أصحاب الإبداعات الخاصة على يوتيوب، أو من يطلق عليهم «اليوتيوبرز»، يحصدون سنوياً عشرات الألوف من الدولارات، يحدث ذلك فى وقت تحول فيه نجوم الإعلام القديم، خصوصاً نجوم الصحافة المطبوعة، إلى الاستثمار فى أعمال أخرى أبعد ما تكون عن الإعلام.

عن الوطن المصرية

كلمات دلالية

اخر الأخبار