سقوط الملك

تابعنا على:   17:29 2019-06-03

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول

عادة يكون سقوط المشاهير من الساسة والفنانين ورجال المال والأعمال والدين سقوطا مدويا، تهتز من تداعياته قوى ونخب وأطر وقد تصيب المجتمع برمته. في مثل هذة السقطات لا يكون السقوط عابرا، ولا هامشيا، أو غير ذي شأن، بل العكس صحيح جدا. وكلما كان الإنسان الهاوي نحو القاع ذات شأن أكبر، واهم في مجتمع ما، كلما كانت الإهتزازات أعظم، وأكثر صخبا، وشظايا السقوط القنبلة تكون أكثر دويا وتاثيرا على المجتمع والقوى الفاعلة فيه. 

سقوط بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي (29 مايو / أيار 2019)، وإضطراره وحزبه التصويت على حل الكنيست ال21 بعد مضي شهر على أداء يمين القسم لنوابها، هو سقوط من العيار الثقيل، هز المجتمع الإسرائيلي عموما واليمين المتطرف خصوصا، ووصلت شظايا سقوطه للبيت الأبيض الأميركي، وطالت أركان الإدارة الترامبية وصفقة العار الملعونة. هوى من أعلى قمة الهرم السياسي الإسرائيلي متدحرجا، لم يجد يدا توقف سقوطه نحو المستنقع الآسن، حتى أقرب مريديه، وانصاره من القوي اليمينية المتطرفة ذهبت إلى مقصلة الإنتخابات القادمة على عيونها، مجبرة ومرغمة على ذلك، ولإعتقاد القائمين عليها، انها افضل الخيارات. 

كان نتنياهو يصارع حتى ربع الدقيقة الأخيرة ليحول دون الذهاب إلى الإنتخابات للكنيست ال22. لكنه فشل، وتمكن ليبرمان خصمه اللدود من تصفية حساب كبير وطويل بينهما، على ما يبدو له علاقة بما كان بينهما منذ عمل معه مديرا لمكتبه حتى إستقالته من وزارة الحرب في تشرين الثاني / نوفمبر 2018.  لم يرحم ليبرمان حليف الأمس، ولم يذرف الدموع على سقوطه، بل بكى فرحا. وبات حلم نتنياهو في البقاء على راس الحكومة، وتشكيل حكومته الخامسة، والهرب من دوامة قضايا الفساد، التي تطارده، والحؤول دون دخول السجن من نسج الخيال، وباء طموحه بالفشل والهزيمة المريعة. 

وهنا تبرز اسئلة عديدة في ظل الواقع الجديد، هل يبقى نتنياهو على رأس الليكود؟ هل يسمح أقرانه وخاصة خصومه له بالإستمرار على راس الحزب، أم يرفضوا ذلك؟ هل يبقى بيبي في الليكود، أم ينشق عنه؟ هل يتحالف مع سموتيرطش وأقرانه في اليمين الفاشي؟ هل تحول التطورات السياسية الجارية في إسرائيل والإقليم دون سقوطه؟ هل يذهب للحرب على قطاع غزة ليعيد الإعتبار لمجده في الوقت الضائع؟ أم يذهب للحرب مع حزب الله، او بإتجاه إيران؟ وهل إعلان اية حرب حاليا يخدم توجهه أم العكس؟ أم يلجأ للبحث عن فضائح لخصومه ومنافسيه؟ وفيما إذا بقي على راس الليكود، هل يبقى أقرانه أمثال ساعر خصمه الصعب ومن معه داخل الليكود، ام يذهبوا للإنشقاق عنه، ويتركوه وحيدا مع من هم على شاكلته؟ وما هو مصير الليكود والخارطة الحزبية في إسرائيل؟ 

من المؤكد، ان الملك نتنياهو سقط، وكنت قبل ايام اشرت، إلى ان نجمه آيل للسقوط، وأنه يمضي بخطى حثيثة نحو الأفول، ويسير دون تردد إلى أقبية زنازين السجن ليمضي بقية حياته هناك كعقاب على قضايا الفساد الأربعة، التي تلاحقه على مدار الساعة. ومهما إدعى بعض اقرانه ومريديه في الليكود من "الجزم" انه باق على راس الحزب، فهو إدعاء لحظي ووهمي وإنفعالي، مرتبط باللحظة الأولى للهزيمة المدوية. لكن مع برود الجرح، وتصاعد حدة الآلام، سيصحوا زعماء وكوادر وقواعد الليكود على المصيبة، التي سببها لهم وجود نتنياهو على رأس الليكود، ومحاولاته البائسة والمسعورة لسن قانون الحصانة الفرنسي، لحماية ذاته من السجن، أضف إلى انه ضاعف من حدة ازمة الحزب، ومن ردود الفعل الحزبية والإجتماعية والقضائية ضده، وضد من يقف معه في الشارع الإسرائيلي. وذات الشيء ينطبق على إستطلاعات الرأي الراهنة، والتي لا تفصل بين فوز اليمين، وبين بقاء نتنياهو، وهو خلط متعمد لطمأنة نتنياهو وأقرانه، أنه الملك المتوج إلى ما شاء الله. نعم اليمين هو صاحب حصة الأسد في الإنتخابات القادمة، لكن من دون بيبي.

من البديهي وشبه المؤكد، ان يجري الليكود تغييرا في مركبات قائمته الإنتخابية القادمة، والإحتمال ان يطاح بنتنياهو من رأس القائمة لإفساح المجال أمام الحزب لينجو من تبعات قضايا الفساد، التي تطارد زعيمهم. وفي حال تشبث بالبقاء، ووقف معه مريدوه، إن كانوا يشكلوا الأغلبية داخل الليكود، فهذا قد يدفع بالآخرين امثال جدعون ساعر، والمستائين من وجود بيبي إلى شق الحزب، أو دفع الزعيم الساقط للخروج من دائرته. وقد يستبق نتنياهو اية خطوات دراماتيكية داخلية للجوء لخيار إفتعال حرب على جبهة المحافظات الجنوبية (غزة)، أو مع حزب الله، أو حتى توجيه ضربة لإيران مستفيدا من المناخ الإقليمي والدولي ليخلط الأوراق، ويحتفظ بمكانتة الزعاماتيه، غير ان هكذا خطوة لا تنقذه، وقد يكون لها إنعكاسات أخطر عليه وعلى إسرائيل. إلآ ان المؤكد أن رئيس الحزب المهزوم لن يترك سيناريوا أو بابا دون ان يطرقه، ويضعه على طاولة حسابات الربح والخسارة، لانه مسكون بكرسي الحكم أكثر من اي شيء آخر. وسيعمل مع حليفه المسيحي الأفنجليكاني المتصهين، ترامب وفريقه الصهيوني الإستعماري على تجاوز المحنة لتمرير صفقة القرن الفضيحة. لن يستسلم بيبي بسهولة لإشتراطات الهزيمة المرة. 

غير أن كل ما تقدم لن يمنح زعيم الليكود الساقط حبل النجاة، وأعتقد انه في الإنتخابات القادمة حتى لو بقي على رأس الليكود، وبقيت الأمور على حالها، ولم يحدث اية تطورات دراماتيكية داخل الليكود، فلن يحصد الأغلبية، رغم أن الشارع الإسرائيلي شكل نسبيا حماية له خلال الإنتخابات الماضية، لإنه لم يجد زعيما وملكا بديلا له. لكنه في الإنتخابات القادمة، على ما يبدو لن يحظى بالحماية، وسيكون مآله التراجع، والإنكفاء ثم السجن، ولن يحصل الليكود على الأغلبية. مئة يوم باقية للإنتخابات القادمة، ستمضي سريعا، وتحمل في ثناياها العديد من السيناريوهات، التي تم طرحها، أو ما لم يخطر لنا على بال، وتجيب على اسئلة التحدي النتنياهوية، الملك الساقط. 

كلمات دلالية

اخر الأخبار