"العشق الممنوع"

تابعنا على:   18:51 2019-05-25

يونس السيد

مهما تكن المحاولات؛ لتخفيف حدة التوتر بين واشنطن وموسكو، خصوصاً بعد تقرير موللر، وتبرئة روسيا من التدخل في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فإن حالة العداء الممتدة على مدار أكثر من قرن، وعلاقة الصراع بين الجانبين ستظل قائمة، رغم مقتضيات المصالح المتبادلة، التي قد ترفع وتيرة هذا الجانب أو تخفضها في الجانب الآخر.

هذه العلاقة الجدلية ليست مزاجية، ولا وليدة رغبة ترامب الشخصية، لإقامة علاقات وطيدة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وإنما تخضع لعوامل داخلية وخارجية، ففي الداخل هناك إرث من العداء التاريخي تتناقله الأجيال، وهو مغلف بثقافة أيديولوجية مختلفة، ومجموعة من القيم والمفاهيم الاستعلائية المحكومة، خصوصاً لدى اليمين الأمريكي، بحتمية التفوق على الشرق المتخلف، وما يمثله من خطر داهم تحت كل الظروف، وقد تعمقت هذه الثقافة في المجتمع الأمريكي، خصوصاً إبان الحقبة السوفييتية، ناهيك عن المؤسسات والأجهزة، التي تحرص على استثمار هذه الثقافة، وتكرّسها؛ لتبرير خططها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، التي يدفع بها المجمع الصناعي الحربي؛ للانفراد بقيادة الساحة الدولية، وفرض الهيمنة على العالم.

وبطبيعة الحال، لا يخلو الصراع الداخلي من مناكفات، كما هي الحال بين الديمقراطيين والجمهوريين؛ حيث يحاول ترامب مثلاً، بعد أن تحرر من تقرير موللر، أن يخفف التوترات مع موسكو من دون أن يشعر بالقلق، فيما يضمر الديمقراطيون كل ما يعدونه تحركات خاطئة في إدارة ترامب؛ لتوظيفها بهدف إسقاطه في الانتخابات المقبلة؛ لكن التحديات لا تقتصر على الداخل الأمريكي؛ إذ يبدو أن الأمر أكثر تعقيداً في الخارج، مع استفاقة الدب الروسي من كبوته؛ إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، وعودته القوية للمنافسة على قيادة الساحة الدولية؛ حيث تمكنت موسكو الصاعدة بقوة في عهد بوتين من كسر أحادية الهيمنة الأمريكية في أكثر من مكان، الشرق الأوسط وسوريا، على سبيل المثال، وأمريكا اللاتينية (فنزويلا ومنع انهيار مادورو)، وجنوب شرقي آسيا (كوريا الشمالية؛ حيث أصبح الآن بوتين مطالباً بالتوسط) وحتى في أوروبا الشرقية (أوكرانيا والعجز الواضح عن مجاراة موسكو)، وغيرها من الأزمات الدولية؛ حيث أصبحت الولايات المتحدة، ليست فقط مقيدة، وإنما مضطرة للتفاهم مع موسكو، وربما تكون مضطرة لعقد صفقات في نهاية المطاف، وهذه بحد ذاتها مؤشرات على تراجع مكانة الولايات المتحدة في الساحة الدولية. ناهيك عن الصين الصاعدة بقوة اقتصادية وعسكرية، والتي باتت تشكل من جانبها تهديداً إضافياً للفضاء الجيواستراتيجي الأمريكي، رغم الحرب التجارية التي أعلنها ترامب، خصوصاً بعدما فشلت واشنطن في دق إسفين العداء بين روسيا والصين، وحيث تصر الصين على استكمال بناء «طريق الحرير» الجديد، الذي سيشكل أكثر من 30% من الإنتاج السنوي العالمي، ويستفيد منه مباشرة نحو 40 % من سكان العالم، بما في ذلك القارة الأوروبية؛ لكنه يستثني الولايات المتحدة.

كل هذه التحديات، باتت تفرض نظرة أكثر واقعية على إدارة ترامب، ووضع حد لتفردها بحل الأزمات، والسعي لتخفيف حدة التوتر مع موسكو، وحتى إعادة الدفء ما أمكن لهذه العلاقات؛ سعياً لحل الكثير من الأزمات الدولية، وقد تكون زيارة بومبيو الأخيرة لموسكو، ولقاء ترامب - بوتين على هامش قمة العشرين في أوساكا نهاية يونيو/حزيران المقبل مؤشرات على ملامح سيرورة العلاقات بين الجانبين.

عن الخليج الإمارا تية

كلمات دلالية

اخر الأخبار