مؤشرات مقلقة على استقرار الأردن

تابعنا على:   17:42 2019-05-22

عوديد عيران

لم يسبق أن كانت مكانة الأسرة المالكة الهاشمية في الأردن موضع علامة استفهام منذ تأسيس المملكة. صحيح أنه في بداية هزة «الربيع العربي» انطلقت دعوات لتقليص صلاحيات الملك وإقامة مملكة دستورية، ولكن الملك عبد الله الثاني تمكن من امتصاص المطالب من خلال تبني جزء من هذه المطالب، ولا سيما من خلال تغيير طريقة الانتخابات. ومع ذلك، تعاظمت في السنتين الأخيرتين الانتقادات على سلوك الملك في معالجة المشاكل الأساس في المملكة، إضافة إلى الملك والملكة رانية نفسيهما بالنسبة لسلوكهما الشخصي. لعله ممكن أن نتعاطى بشك مع الشائعات والتقارير في الصحافة الأردنية عن تنظيم سري ضد الملك، يشارك فيه بعض من أصحاب المناصب في محيطه، غير أن الملك أعطى تأكيداً علنياً عن ذلك.

عندما عين في بداية أيار أحمد حسني مديراً جديداً لجهاز المخابرات العامة ـ وهو مؤسسة مركزية في أمن النظام ـ نشر كتاب الملك له في الصحافة الأردنية. فقد تباهى الملك بأجهزة الأمن، التي على حد قوله نجحت في العثور على المحاولات اليائسة ضد الأمة ولا سيما في الفترة الأخيرة، والتي تشير إلى أن عدداً من الأشخاص يستغلون الظروف الصعبة التي تقف أمامها الأردن. وعلى حد قول الملك، فإن هذه مرحلة معقدة للمنطقة تنطوي على تحديات، ويقف فيها الأردن أمام انعدام استقرار إقليمي ومناخ دولي متوتر. وإلى جانب تغيير رئيس المخابرات العامة تم تغيير مسؤولين آخرين في القصر أيضاً.

منذ تأسيس الأردن كدولة وهو يتصدى لمشاكل اقتصادية وجودية، تنبع من انعدام المقدرات الطبيعية ومصادر الدخل المحلية الأخرى، وكذا لكونه بلاداً استوعبت بضع موجات كبرى من المهاجرين بالنسبة لحجم سكانها. إن تصدي هذه المشاكل الأساس يجبر الحكومة الأردنية على الاعتماد على تجنيد منح وقروض من دول مانحة ومؤسسات دولية ـ وهو وضع تتعرض له دول أخرى أيضاً، ولكن بخلاف هذه لا يرتبط التغيير المتطرف في استقرارها أو نظامها باهتزاز استقرار إقليمي أو آثار دولية. قرابة مليون ونصف لاجئ سوري وجدوا منذ 2011 ملجأ لهم في الأردن، وينبغي الافتراض بأنه يوجد احتمال طفيف في أن قسماً منهم سيتمكن من العودة إلى بلاده.
صحيح أن الأسرة الدولية تساعد الأردن في تحمل العبء المالي الذي ينطوي على استضافة اللاجئين السوريين، ولكن الأردن سيواصل تحمل العبء الاقتصادي، القانوني والسياسي بعيد المدى، والذي ينطوي على واقع أقلية واسعة جداً، (نحو 15 في المئة من السكان) دون مكانة واضحة. من جهة أخرى، فإن الدول ألمانحة تقف أمام واقع اقتصادي ـ سياسي، داخلي ودولي، يضع علامة استفهام على قدرتها على المواظبة على مستويات مساعدة تستجيب حتى وإن كان جزئياً لاحتياجات الأردن.

في منتصف شهر أيار 2019 نشر صندوق النقد الدولي تقريراً مفصلاً عن وضع الأردن الاقتصادي. ويشار إلى أن مطالب الصندوق من الأردن في 2016 لإجراء إصلاحات في منظومة الضرائب (ومنها في مجالات الرقابة، الانفاذ والجباية) كشرط لمنح القروض، إضافة إلى ذلك ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، أدى إلى تمرد البرلمان الأردني، الذي رفض تبنيها. فاضطر الملك إلى إقالة رئيس الوزراء هاني الملقي. والحكومة الجديدة، برئاسة عمر الرزاز، شرعت «بحوار وطني» في نهايته، في كانون الأول 2018 تبنى البرلمان جزءاً كبيراً من المطالب. في صياغة استنتاجات التقرير واضح بين السطور تردد كبير. إذ يشار فيها إلى أن النمو الاقتصادي كان في 2018 ضعيفاً، لأن البطالة بقيت بمعدل 18 في المئة (بين الشباب يبلغ معدل البطالة أكثر من 42 في المئة، وفي أوساط النساء أكثر من 23 في المئة). وارتفع العجز الحكومي مع نهاية 2018 فبلغ 2.4 في المئة من الناتج المحلي الخام في ظل شطب التقليص في العجز الذي سجل في وقت سابق من تلك السنة. وأمام تقليص في نفقات الحكومة في مواضيع الصحة يشير التقرير إلى ارتفاع العجز عقب تقليص تكلفة الكهرباء أمام ارتفاع أسعار الوقود، التي زادت نصيب شركة الكهرباء في العجز إلى 0.3 في المئة من الناتج المحلي الخام. لقد أدت العجوزات في شركة الكهرباء وشركة المياه بعجز القطاع الحكومي إلى الارتفاع إلى 4.3 في المئة من الناتج المحلي الحكومي بينما كان التوقع في 2016، حين صادق صندوق النقد على قرض بمبلغ 723 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، أن يرتفع العجز إلى 1.8 في المئة من الناتج المحلي الخام.

أسباب إقليمية ودولية تدعو إسرائيل لحوار شامل معه

ويشير التقرير إلى أن قرضاً بمبلغ 500 مليون دولار من البنك الدولي، وضمانات مساعدة بمبلغ 2.5 مليار دولار وإيداعات مالية من الكويت والسعودية واتحاد الإمارات بمبلغ 1.6 مليار دولار، إلى جانب رفع الفائدة المتواتر من البنك المركزي الأردني، كل هذه ساعدت على استقرار المنظومة النقدية. ومع ذلك، بقي حتى الآن تصنيف الأردن لدى شركة «ستاندرد آند فور»، الذي أنزل في تشرين الأول 2019 من BB إلى +B.

وتحت عنوان فرعي: «التوقع بقي مشروطاً بمخاطر كبيرة»، كتب التقرير أنه مع أن الوضع في سوريا استقر، إلا أنه بقي سائلاً ويتأثر بتطورات غير مرتقبة مثل ارتفاع أسعار النفط وتقليص مصادر الائتمان الدولية، ما من شأنه أن يمس باحتياطات العملة الصعبة لدى الأردن ويزيد من معدل التضخم المالي فيه. في الجانب الإيجابي، يسجل التقرير بأن ارتفاع أسعار النفط كفيل بأن يزيد التصدير الأردني إلى دول النفط الخليجية، وكذا التحويلات المالية من العمال الأردنيين في هذه الدول ويؤدي إلى نتائج إيجابية من بناء أنبوب النفط من العراق إلى العقبة. كل توقع سيكون متعلقاً بالطبع بالتنفيذ الدقيق لقانون ضريبة الدخل الجديد والالتزام بأهداف الجباية.
رغم أن قرارات الحكومة للإصلاحات في مجال الضريبة وإلغاء الدعم الحكومي أقرت في البرلمان، إلا أنها تواصل إثارة حفيظة أعضاء البرلمان ومظاهرات جماهيرية في مدن الأردن المركزية. في عمان العاصمة تثبتت المظاهرة الأسبوعية التي تعقد في الدوار الرابع.

وكموضوع اعتيادي، يواصل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني العصف بالرأي العام في الأردن وإشغال بال الملك عبد الله الثاني. وتضاف إلى هذا عناصر تفاقم آثار النزاع على علاقات الأردن مع إسرائيل. فقد تصاعد في الأشهر الأخيرة التوتر في الحرم عقب صراعات السيطرة بين محافل إسلامية، فلسطينية وأجنبية (تركيا مثلاً)، تسعى لتعزيز سيطرتها على ما يجري داخل النطاق، وبين إسرائيل التي من جانبها تسعى لأن تحقق سيادتها في الموقع. الأردن، الذي وسع بشكل أحادي الجانب معنى البند في اتفاق السلام الذي اعترفت إسرائيل في إطاره بالدور الأردني الخاص في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس إلى الوصاية على الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة، جعل الموضوع أداة لتعزيز مكانته الدولية بل ربما إلى توجيه النقد الداخلي على سلوك النظام إلى احتجاج جماهيري ضد إسرائيل وإلى دعم للملك وتصنيفه كالحامي الرئيس للمقدسات الإسلامية في القدس.

إذا سمحت حكومة إسرائيل الجديدة باتخاذ خطوات في الكنيست لتحقيق مطالب ضم أجزاء من الضفة لإسرائيل و/أو إحلال القانون الإسرائيلي عليها، سيقف الأردن على رأس المعسكر العربي الذي يدعو الأسرة الدولية إلى عدم الاعتراف بهذه الخطوات، شجب إسرائيل بل وربما فرض عقوبات عليها إذا لم تمتنع عن هذه الخطوة.
ولاستكمال تقويم الوضع السلبي، ينبغي أن تضاف المضاعفات المتوقعة لخطة الرئيس ترامب التي تسمى صفقة القرن لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. الملك عبد الله، الذي يكرر في لقاءاته مع زعماء المنطقة والأسرة الدولية بأنه لا يوجد حل غير حل الدولتين على أساس خطوط 67 والقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، يجد صعوبة في إخفاء معارضته لكل حل آخر. بمعنى أنه رغم أن الملك عبد الله يدعي بأن الإدارة الأمريكية لم توضح له تفاصيل الخطة، فإنها عندما ستنشر سيضطر لأن يعرب عن معارضته لها على رؤوس الأشهاد وبلغة واضحة. وذلك كي يسكت كل أولئك الذين يهمسون في الخفاء بعمان بأن مساعدة أمريكية سخية ستلطف حدة رد فعله. إن العلاقات الفاترة على أي حال بين إسرائيل والأردن، ولا سيما بين الملك ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستقف في الأشهر القادمة أمام عوامل توتر عديدة.

فإضافة إلى الجمود في المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية والتوتر المتواصل في الحرم في القدس سيتعين على إسرائيل والأردن أن يواجها بيان الأردن بأن التسويات بين الدولتين حول نهرايم وتسوفر لن تستأنف، ومحاولات في إسرائيل لضم مناطق في الضفة، وعدم التوافق على قناة البحرين بين البحر الأحمر والبحر الميت، وانتقاد متواصل في الأردن على الصفقة لبيع الغاز من إسرائيل إلى الأردن وبالطبع صفقة القرن الأمريكية، هذه قائمة كل بند فيها يهدد جوهر ومضمون العلاقات.

لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على استقرار الأردن، والتطورات في الشرق الأوسط في العقد الأخير عززت هذه المصلحة.
فضلاً عن ذلك، لإسرائيل تأثير لا بأس به على قدرة الأردن على التصدي لجزء من التحديات التي يقف أمامها، ولهذا السبب يفترض وجود تفكير استراتيجي إسرائيلي، إلى جانب استعداد أردني وإسرائيلي للامتناع عن خطوات استفزازية ـ رغم الضغوط الداخلية في الدولتين. كما يستوجب حواراً شاملاً بينهما على أعلى المستويات غايته هي الترتيب الكامل للعلاقات.

كلمات دلالية

اخر الأخبار