النقد والأخلاق؟!

تابعنا على:   17:08 2019-05-11

د. رياض عبدالكريم عواد

د. رياض عبدالكريم عواد

يجب، اولا، تعريف معنى النقد، والتفريق بين النقد والمناكفة وشعر النقائض، حيث لا يكون الهدف هو الحقيقية بل تبخيس الخصم وتمجيد الذات.

غاية كل نقد هي الحقيقة، ومجرد قبول النقاش هو تنسيب للحقيقة، واحتمال ان يكون الاخر هو الذي يدل عليها.... دون ان يدعي احتكارها، لان الحقيققة ملك للعقل وللعلم وللتاريخ وليست ملكا لفرد او تنظيم أو مؤسسة.

الذي يقبل النقاش يجب ان يكون مستعدا للاعتراف بأخطائه ...و هكذا فقبل الحديث عن اخلاقيات النقد يجب الحديث عن اخلاقيات النقاش ... و قبل الحديث عن النقاش يجب الحديث عن اخلاقيات الحوار ... و لهذا فالنقد محاط بالاخلاق من كل جانب ...

يقال العقول البسيطة تناقش الاشخاص
والعقول المتوسطة تناقش الاحداث
والعقول العظيمة تناقش الافكار ..
وتختلف مستويات النقد باختلاف مستويات الوعي.

وهنا من الهام طرح سؤال: هل للنقد محتوى اخلاقي؟! أم أن من يضعون تلك القوالب والتابوهات يريدون قمع محاولات النقد بمختلف الطرق؟!

اذكر من سنوات طويلة أن الحزب الشيوعي الفرنسي وضع ملصق جداري كدعاية انتخابية صورة..... طويل يمثل الحزب الحاكم وهو يدخل في...... الشعب!!!

طبعا انا لا ادعو إلى مثل هذه الممارسة، ولا اروج لها، ولا اعتقد ان وضعنا يحتمل مثل هذا الأسلوب الفج والمباشر، لكني سُقت هذا المثل لنرى إلى أي مدى وصل النقد في هذه المجتمعات الحضارية المتطورة في مختلف المجالات؟!

قد لا يكون للنقد شروط أخلاقية، ولكن من الهام الالتزام ببعض المحددات مثل عدم شخصنة النقد، وابتعاده عن القذف والشتائم الشخصية.....

حتى دون ذلك، وبكل هذه التي قد تكون سلبيات، فإن فتح كل النوافذ والطاقات واستخدام كل سبل ووسائل النقد مفيد وهام في كل المجتمعات وفي كل الظروف والأزمنة، خاصة في البلاد الراكدة التي تتطلع للخلف وتقدس الماضي أضعاف نظرتها إلى الامام والمستقبل؟!

النقد حوار و الحوار أخلاق، النقد هو ارقى و اعلى اشكال التواصل .. لكن الظلامية تفسد كل شيء ...حيث الغاية تبرر الوسيلة...... يقنعون الاتباع انه في سبيل ما يسمى نصرة الدين ...كل الوسائل مشروعة.... لا يهم الكذب والقتل والسرقة والمغالطة...... ولا يتساءلون اي دين هذا الذي سننصره بالرذيلة؟

النقد، نصيحة.... ان كان من حقي تقديم نصيحة لابناء الاحزاب والتنظيمات فسأنصحهم بأن يفتحوا أذنيهم ويسمعوا بإيجابية لكل ما يقال عن احزابهم وقياداتهم!!!

ليس شرطا أن تصدق كل ما تسمع ويقال
لس شرطا أن تسخف كل ما تسمع ويقال
ليس من مهمتك أن تتصدى لكل ما يقال وتخضعه للسجال والمناكفة وتحمله ما يحتمل وما لا يحتمل!
ليس من الفائدة أن تخسر أصدقائك أو اهلك أو الناس من أجل كلمات....

وكذلك من الهبل أن تقفل اذنيك عما يقوله الناس
ومن الخطر وصف كل كلمة أو همسه تقال من هنا او هناك بأن ورائها أجندة مشبوهة، وأطراف خارجية تتربص بنا الدوائر!

هذا الوهم الذي يعشعش في نفوخك، سببه التضليل الذي تعيشه، والتعبئة الطويلة التي تواصل الزن فوق رأسك، وانعزالك في جزيرة حزبك بعيدا عن شعبك، والظن الخاطئء أنك ابن الأكرمين، صاحب الأفضلية والخيرية، والآخرين اما مندسين أو منافقين؟!

هذا النهج الضار سيخلق من ابن الحزب حائط صد صلد، للتصدي لكل كلمة تقال من هنا أو هناك
أو قد تدفعه، حتى أن ينغر بفائض القوة التي يمتلكها حزبه من أجل قمع والتنكيل بأبناء شعبه؟!

طبعا من المعروف أن كل تجارب الدنيا أثبتت ان القمع لا يمنع الناس من مواصلة نقدهم، وأن مصير اعداء الناس معروف، هكذا تقول آخر تجربة مازالت ماثلة امامنا، هل استطاع البطش والقمع والتنكيل أن يمنع اهل السودان من التعبير عن آرائهم، لم يستطع ولن يستطع....

النقد فيه مصلحة للجميع
ليس هناك قيود على النقد، من وضع مثل هذه القيود كان يهدف الى منع النقد!
ليس هناك شروط للنقد
ليس هناك نقد وانتقاد
ليس هناك نقد من أجل المصلحة، ما هي المصلحة، مصلحة الجندي دجاجة عيانة بثلاث رجلين ليتغدى بها مع عائلته يوم الجمعة، تتناقض وتختلف مع مصلحة القائد والمسؤول الذي يتغدى سمك لكس طازج، مع شوية جمبري وقليل من الغريدس؟!

ليس هناك نقد إيجابي ونقد سلبي!
ليس هناك نقد بناء ونقد هدام!
كل عملية بناء تسبقها بالضرورة عملية هدم، الهدم جزء اصيل وطبيعي من الحياة والتطور
النقد كالشمس والهواء
البيوت المغلقة تتعفن، وتنبعث منها الروائح الكريهة، وكذلك الحركات المغلقة تتحجر وينتج عنها أفكار وأفعال وجماعات متطرفة

الشمس والهواء اهم وسيلة ربانية لمنع تعفن البيوت، والنقد اهم وسيلة إنسانية لمنع تعفن وتحجر وموت الاحزاب والمؤسسات والسلطات

افتحوا نوافذ وأبواب بيوتكم للشمس والهواء
وشرعوا ابواب احزابكم لسماع الناس، لتحسس الامهم وانينهم
لا تتعاملوا مع الناس على قاعدة "هم العدو فاحذرهم"
هؤلاء اهلك، شعبك

المنتقدون والمثقفون هم بعض من افضل ما في هذا الشعب
هم قرروا أن يتركوا الارائك والكنبة، تخلوا عن راحتهم وسكينتهم، يحاولون أن يقتربوا ويقاربوا مشاكل المجتمع لتكون أوضح وأقرب لاذن وعقل المتنفذ وصاحب القرار
هم يحاولون أن يستخدموا قوة المجتمع الناعمة من أجل مصلحة الجميع
هم ضعفاء واقوياء، ضعفاء ان حاولنا أن نحطمهم، فهذا من السهل فعله، ولكن سيتحطم معهم المجتمع واماله ومستقبله
هم أقوياء عندما يتشرب الشعب أفكارهم ويحولها إلى فعل لكنس العفن والتحجر والتخلف

الحزب اداة لا يتسع للجميع
لكن الوطن أوسع وأرحب، فإن لم تسعنا الاحزاب سيسعنا الوطن بالتأكيد

انحازوا لاوطانكم
لأهلكم
سخروا الحزب لمصلحة الناس
الحزب فردة حذاء قديمة ننتعلها في اقدامنا ولا نتشرف بوضعها فوق رؤوسنا
أحذية نخوض بها المستنقعات العفنة لنعبر، بها ومنها، بسلام إلى السهول الرحبة، إلى الأرض المقدسة إلى الوطن....

شرعوا ابواب ونوافذ احزابكم للشمس والحرية
لن تخسروا الا جهلكم وتحجركم وتخلفكم

لن تخسروا شيئا وستربحون الشعب والوطن؟!

كلمات دلالية

اخر الأخبار