
اغلاق مؤسسات إعلامية وتسريح العشرات من موظفيها مظهر جديد لأزمة حماس المالية والسياسية!

أمد/ غزة- محمد عاطف المصري: هل هي سياسات داخلية حزبية أم قرصنة إسرائيلية إعلامية ؟ أزمة جديدة تضاف على الأزمات التي تلاحق مؤسسات حماس بسبب ضائقتها المالية والسياسية.
بلا شك يُحارب الإعلام الفلسطيني الذي يدافع عن الأرض والهوية والإنسان، والذي يرسّخ مبدأ التمسك بالحقوق والمحافظة على الثوابت الفلسطينية، من قبل الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يستطيع من قوة، سواء بقصف هذه المؤسسات باستخدام طائراته الحربية ، كما قُصفت قناة الأقصى الفضائية التابعة لحركة حماس في نوفمبر العام الماضي، حيث تكبدت خسائر فادحة ما اجبرها لإعلانها إغلاق القناة، ولكن رئيس المكتب السياسي لحركة ”حماس“، إسماعيل هنية، تدخل في اليوم التالي، وأمر باستمرار البث.
وللوقوف على أسباب اغلاق عدد من المؤسسات الاعلامية التابعة لحركة حماس كان لـ "أمد للإعلام" هذا التقرير:
قناة القدس
قال مدير قناة القدس في فلسطين عماد الإفرنجي في حوار مع أمد للإعلام:" قدمت القناة في البداية نموذجاً في الإعلام الوطني الفلسطيني، بعيداً عن الإثارة والفتنة فاعتمدت الإعلام المسؤول؛ في وقت كان المشهد الإعلامي يغص في الصورة الحزبية، وربما كان من سوء حظنا مع بدء انطلاقتنا كان هناك عدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة، والموازنات المالية الخاصة بالطوارئ أضعاف الحاجة المالية والكلفة المالية للتغطية العادية".
وأضاف الإفرنجي:" منذ اللحظات الأولى والسنة الأولى بدأت تظهر الأزمات، لكن لم تكن مستفشله، بدأنا في معالجتها ونحن نتلقى تمويل عادة تبرعات هنا وهناك من القائمين على المؤسسة من مجلس إدارتها من إعلاميين ورجال أعمال عرب وفلسطنيين، ولكن بعد حرب 2012 زادت الديون، فتم اتخاذ خطوات لترشيد النفقات ووصل الأمر إلى إنهاء عقد عدد من الموظفين في العديد من المناطق خاصة في بيروت وغيرها، لكن لم يتم مس أي موظف في الأراضي الفلسطينية" متابعاً "رغم ذلك أنّ هذا الأمر لم يجدي نفعاً حتى في عدوان 2014 زادت الديون، وفي 2012 تم استهداف مكاتبنا وكانت خسائرنا أكثر من150 الف دولار وأصيب 8 من الموظفين أحدهم بُترت قدمة، ولم تتقدم أي جهة لنا بنوع من المساعدات والتعويض وبذلك تفاقمت الأزمات، ولم يكن هناك رغم كل الإجراءات التي اتخذت للتخفيف من عدد الموظفين وترشيد النفقات، ووقف كثير من النشاطات الإخبارية والبرامجية كل ذلك للأسف لم يجدي نفعاً.
وتابع لـ "أمد للإعلام": لأن قناة القدس تختلف عن الوسائل الأخرى من حيث الكلفة المالية العالية وكلفة الإنتاج المرئي عالية فمثلاً نحتاج للبث الفضائي لشركة النايل سات ربما حوالي 100 الف دولار فقط شهرياً من أجل تردد، وهناك نوع من الإنتاجات القصيرة مدتها دقيقتين تكلف من 500 إلى 1000 دولار وهذا العمل يحتاج إلى كوادر وخبرات وأجهزة بث، وكان ضمن الحلول المطروحة أن تتحول قناة القدس إلى إعلام رقمي وهذا لم ينجح لأن التحديات كبيرة والديون التي تبلغ أكثر من 6 مليون دولار كانت أكبر من هذا التحول وزادت الديون فما كان في النهاية أنه قرار أتخد بالإغلاق من قبل مجلس الإدارة للأسف الشديد".
وربط الإفرنجي أنّ سبب إغلاق قناة القدس يعود لأسباب سياسية أدت إلى تقليص الموازنات المالية بشكل كبير، حيث أكد أنّ الإعلام الذي يدعم الحقوق والثوابت الوطنية ويدعم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، هو إعلام يتم محاربته من قبل الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية مشيراً أنّ المحاصرون للشعب الفلسطيني لا يريدون إعلاماً يذكر الفلسطيني بحقوقه ووطنه وقضيته، منوها أنّ البعض أراد أن يختصر مساحة فلسطين بدلاً من رفح لرأس الناقورة أصبح من رفح لبيت لاهيا. متابعاً بدأ يختصر فلسطين في عدد من المناطق، هذا الإعلام تم محاربته وملاحقة كل من يستطيع مد يد العون للمساعدة.
وتابع: ومن ضمن الأسباب التي حالت دون استمرار القناة، أن الإعلانات التي كانت تساعد في تمويل القناة توقفت ،حيث كان يتم توجيه الشركات الكبرى بضرورة عدم البث فيها، وعدم نشر أي إعلانات فيها حتى لا يتم كسب أي دخل مالي لها، بالإضافة إلى حالة الفوضى والصرعات والحروب في عدد من الدول العربية، أدى إلى صرف كثير من التبرعات إلى مصارف أخرى بعيداً عن الإعلام، فكانت توجه الأموال لانقاد حياة المتضررين في اليمن أو سورية أو في ليبيا أو في العراق أو ما شابة من هذه الدول العربية التي تئن تحت وطأة الصراع، لذلك تم توجيه هذه الأموال إلى هذه المصارف.
وأضاف: " أن الإعلام الفلسطيني هو إعلام فقير يحتاج إلى من يدعمه ومن يقف إلى جانبه، وخاصة الإعلام الذي يؤكد على ضرورة الحفاظ على الثوابت ضد التطبيع،
وأشار الإفرنجي إلى نقطة مهمة عملت ساعدت بث على عدم استمرار القناة: "عندما يكون هناك مشاريع سياسية وقبل تمريرها فهي تحتاج إلى إسكات أصوات الإعلام الحقيقي والإعلام الذي يقف في وجه هذه المشاريع، ونحن جميعاً ندرك أنّ هناك مشروع تصفوي قادم على القضية الفلسطينية، وقد بدأت في تطبيق بعض معالمه من قبل الإدارة الأمريكية وما عرف بـ"صفقة القرن"، بالإضافة إلى عدم الفهم الكبير في معركة الرواية، حرب الكلمة والصورة في الرواية والحرب على الذاكرة والوعي ما بيننا وبين الاحتلال الإسرائيلي".
وختم الإفرنجي حديثه:" أنّ المسؤولية تقع على من يملك القرار، ومن يملك ويتحكم في أموال الشعب الفلسطيني ومن تصل إلية، ويتم توجيه من خلاله، والمسؤولية تقع على عاتق كل قادة الفصائل وتقع على الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي، وتقع على كل رؤوس الأموال الفلسطينية والعربية والإسلامية بضرورة دعم المؤسسات الإعلامية والوقوف إلى جانبها، متابعا: وأخشى ما أخشاه أن تغلق مؤسسات إعلامية، وتقف ويحول موظفوها إلى جيش البطالة ، ونخسر منبراً إعلامياً جديداً في حرباً مع الاحتلال".
"الرسالة " والمرحلة الانتقالية !
من جانبه قال رئيس تحرير صحيفة الرسالة نت سابقا وسام عفيفة لـ "أمد للإعلام": أن سبب الأزمة المالية في المؤسسات الإعلامية تعود إلى اتجاهين، أولاً اتجاه المؤسسات نفسها والموازنات والقدرة على استمرار التمويل، خصوصاً كما يعلم الجميع أنّ الإعلام يحتاج دائماً إلى دعم وإسناد وموازنات عالية، خاصة عندما نتحدث عن الإعلام الفضائي والحجز الفضائي والإستديوهات والإنتاج بشكل عام مكلف جداً، بالإضافة إلى ارتباط الوضع الاقتصادي العام في الحالة الفلسطينية وقطاع غزة على وجه التحديد، وفي المنطقة هناك معاناة لكثير من وسائل الإعلام فهناك بعضها يتحول أخرى تندمج أو تغلق.
وأشار عفيفة أن هناك وسائل إعلام تبدأ بموازنات سنة وسنتين أو ثلاثة، لكن بعد فترة لا تستطيع أن تستمر سواء مؤسسات حزبية أو حصلت على موازنة لمرة واحدة أو لعدة سنوات، لاحقاً يصبح التحدي هل تستمر هل يتواصل الدعم هل تجد سبل تمويل ذاتي؟ في المحصلة النهائية أن سبب الإغلاق المباشر هو سبب اقتصادي، والوضع العام يتأثر فلا تستطيع أن تحصل على إعلانات ونقص السيولة ينعكس على كافة القطاعات بما فيها قطاع الإعلام.
وأضاف: " لا شك أن القائمين على الإعلام مطالبين بالبحث عن حلول في ظل الأزمات التي يتعرض لها الإعلام بشكل عام، والان جزء من ضريبة الإعلام وتحديداً الإعلام الحزبي أنّه صعب أن يجد تمويل، فمثلاً أن أحد أبرز تمويله يعتمد على الإعلانات التجارية أو على رجال الأعمال، حيث أن سوق الإعلانات ضعيف ومتواضع ولا يشكل فرق كبير بالإضافة أن الإعلام الرقمي ونظام السوشيال ميديا غير المكلف وانتشار صحافة المواطن وانتشار مبادرات شبابية، كلها فتحت أفاق واسعة في مجال الإعلام وجعلنا في مرحلة انتقالية.
وأكد رئيس تحرير الرسالة ، أن جزء من أضرار هذه المرحلة على بعض وسائل الإعلام أنه تأثرت بشكل سلبي ولم تستطيع أنه تشكل كما كان سابقاً، الإعلام التقليدي كالفضائيات ، الراديو، الصحف، كله أصبح يواجه تحديات من الإعلام الرقمي، وهذا أنعكس عليه وأصبح من الصعب أنه يبحث كمان عن مصادر تمويل ذاتي، وهذا له علاقة بأفضليات المعلنة في سوق الإعلانات، فبدلاً من دفع 10 ألاف دولار في الإعلان، ممكن بألف دولار تمويل في مجال السوشيال ميديا كمعلن أصل لعد هائل من الجمهور.
وتابع: " رجال الاعمال والسياسيين اقتصر استثمارهم من خلال الصفحة على تويتر أو الفيس بوك ، بالتالي اعتمادهم بشكل كبير على وسائل الإعلام التقليدية ربما تراجع، فيجب البحث عن وسائل وعن مصادر للتمويل لأن المشهد الإعلامي لا يرحم ودائماً نقول أن البقاء للأفضل والأقوى هذه معادلة تفرض نفسها في النهاية".
وعن التحول الكبير في صحيفة الرسالة من ورقية إلى رقمية وصفها عفيفة بالمخضرمة في سياساتها التحريرية، حيث نالت أوصافاً ولعبت أدواراً عديدة، فكانت صحيفة المعارضة وصحيفة الحزب وصحيفة "المقاومة" وصحيفة السلطة، كذلك كانت صحيفة إسلامية وصحيفة وطنية، رزينة أحياناً ومشاكسة أحياناً أخرى، واليوم تسلم الرسالة الورقية الأمانة للرسالة الرقمية، و توصيها خيراً بالمواطن الفلسطيني.
الأزمة سياسية وليست مالية
ومن جانبه قال الإعلامي المصري عرفة البنداري المختص في الشؤون العبرية: لا اعتقد أن الأزمة المالية يمكن أن تكون السبب الرئيسي في غلق تلك المؤسسات، فهناك إجراءات إدارية وتنظيمية يمكن اتخاذها لتقليص النفقات والتغلب على الأزمة المالية كإعادة الهيكلة أو اندماجات مع كيانات أخرى.
وأضاف البنداري: اعتقد أن حماس تعمل عن قصد لغلق المؤسسات الإعلامية من أجل المزيد من إحكام السيطرة على القطاع، لتحجيم الدور ودمجه في صوت واحد فقط لضمان مزيد من السيطرة عليه.
وأردف: كما ذكرت سابقا الموضوع كله لضمان السيطرة على الإعلام في القطاع وضمان خروج صوت واحد يعبر عن آراء حماس الرسمية فقط ولا يتطرق لمعاناة المواطنين في الشارع.
التمويل غير ذاتي
من جانبه أرجع رئيس كتلة الصحفي الفلسطيني أحمد زغبر لــ "أمد للإعلام": أن أزمة المؤسسات المالية في قطاع غزة، وفي المقدمة منها الإعلامية سببها الحصار الخانق، وتكلفة الانتاج الاعلامي العالية، وهذا الامر أدّى لتراكم الديون على مدار سنوات طويلة من الحصار، وندرة التمويل أو الرعاية المالية، فهذا هو السبب الرئيسي المباشر لتعطيل بعض الوسائل الاعلامية وانتقالها من صفة لصفة اخرى، كما جرى مؤخراً مع صحيفة الرسالة التي أعلنت تحولها للإعلام الرقمي.
وأضاف زغبر :"كما أن الأمر ذاته ينطبق على مؤسسات إعلامية فلسطينية أخرى، حيث أنها تعاني من ازمات مالية خانقة لم تستطع أن تتكيف معها، خاصة أن صنعة الإعلام مكلفة وباهظة الثمن والحصار الصهيوني والأمريكي للإعلام المقاومة شديد جدا"
فيما يتعلق بالتمويل الذاتي أكد زغب: " أنه توجد العديد من المؤسسات التي تمول ذاتها، لكن حجم إيراداتها ومصروفاتها بسيط جداً مقارنة مع مؤسسات مرتبطة بالبث الفضائي ومرتبطة بالمطابع، فهذا الأمر لم يعد يطاق في ظل اشتداد الحصار، وبالتالي الأزمة تطال أيضاً المؤسسات أو الشركات التي كانت ترعى بعض الجوانب أو ترعى بعض البرامج سابقاً".
وأضاف: "أما اليوم فالحصار أثر عليها سلباً، بالتالي قضية التمويل الذاتي لم تعد تكفي لكن بالتأكيد مازالت المحاولات حثيثة والبحث عن المخارج لا ينتهي.
وأكد على أنّ المسؤولية تقع على الجميع في الحفاظ على بقاء المؤسسات الإعلامية التي تمثل المرآة الحقيقية للمجتمع الفلسطيني.
من جانبه قال الصحفي الاستقصائي في صحيفة الرسالة نت محمود هنية لـ "أمد للإعلام"، أن سبب إغلاق المؤسسات الإعلامية هو نتيجة الازمة المالية الخانقة التي بدأت في اغلب المؤسسات في قطاع غزة.
وعن تحول الرسالة من ورقية إلى رقمية أكد هنية أن الصحافة الالكترونية ومنصات الاعلام الرقمي باتت تفرض نفسها بقوة مقابل الاعلام الورقي الذي بات يتراجع الاهتمام به خلال السنوات الأخيرة، ما يفرض على الصحيفة ان تعزز من قدراتها لصالح هذا التطور التكنولوجي وتجعل من محنتها في إغلاق المطبوعة إلى محنة حقيقية.
وأكد أن الصحيفة وبما مثلته من نهج إعلامي تارة صحيفة المعارضة والمقاومة، ثم الحزب الحاكم المحاصر جعلت منها عنواناً مربكاً للبعض الذي عزف عملياً عن الإعلان فيها.
وأضاف :" ليس سراً أنّ كبرى الشركات أحجمت الإعلان فيها، نتيجة لقرارات متعلقة بمواجهة نهج الصحيفة، لذا كانت بعيدة عن الاعلانات أسوة باي صحيفة لا تحمد وتسبح بأمر الرئيس ومنظومته الموجهة لتلك الشركات"
وأشار أن الأزمة المالية باتت تنعكس على كل مجالات المجتمع في القطاع، وليست حماس وحدها وجميع الوسائل الإعلامية على مقصلة التهديد؛ فالحرب المالية التي تتعرض لها فصائل المقاومة واضحة وكبيرة ولذا فان الأزمة متعلقة بحرب غير أخلاقية وغير إنسانية نتعرض لها.
وبيّن أنّ قرار إغلاق المطبوعة مؤقتا وليس حل المؤسسة، وصحافيوها موجودون ولم يتعرضوا بسوء، وسنظل سنداً لهذا الاعلام المقاوم لا نقيل ولا نستقيل.
ولم تكن قناة الأقصى وحدها تواجه الإغلاق بسبب تدميرها، فهناك مؤسسات أخرى لها وزن إعلامي مقربة من حركة حماس تم إغلاقها بالفعل لأسباب مالية وتراكم الديون، مثل قناة القدس الفضائية، والمركز الفلسطيني للإعلام، وقناة الكتاب التي أغلقت في وقت سابق، بالإضافة إلى قرار صحيفة الرسالة نت وقف الطباعة الورقية والتحول ومواكبة الإعلام الرقمي الذي أصبح أكثر انتشارا وتأثيراً.