
اعتراف الـ "لولوة"...جوهرة سياسية لحماس!

حسن عصفور
كتب حسن عصفور/ لا تحريم لعلاقة بين نظام عربي، واي من فصائل العمل الفلسطيني، في ظل الواقع العام منذ النكبة الفلسطينية الكبرى الأولى عام 1948، وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي تكفلت ان تعيد للقضية حضورا طاغيا، رسم مسار لشعب لن يستكين يوما، أي كانت الظروف.
لكن التعامل مع الدول العربية، وخاصة أنظمتها يجب ان يكون في سياق خدمة الهدف الوطني العام، وليس أن يكون أداة استخدام لتمرير مؤامرات مشبوهة، او خدمة لأهداف ليست من نسيج الانتماء، وتلك هي جوهر القيمة الفعلية لأي علاقة يتم اقامتها.
من هنا يجب التعامل مع الدور القطري، وفقا لما أعلنه رئيس وزرائها السابق والملياردير الحالي حمد بن جاسم، في التكليف الذي منح لقطر من الإدارة الأمريكية (لن نقف كثيرا من الإدارة ام المخابرات المركزية سي آي ايه)، لفتح الباب لحركة حماس، وترسيخ علاقة معها (من خلف منظمة التحرير والسلطة الوطنية في حينه).
وحاول البعض أن يشكك في رواية "مهندس الارتباط" بين الإدارة الأمريكية (وعبرها إسرائيل) مع حركة حماس، والأهداف المحددة لتلك العلاقة، والتي تتناقض جوهريا مع المسار الوطني الفلسطيني، فجاء اعتراف الناطقة باسم الخارجية القطرية لولوة خاطر، في مقابلة مطولة مع موقع أمريكي شهير، المونيتور في مارس 2019، أن "الولايات المتحدة هي من دفعت الدوحة إلى إقامة علاقات مع حركة "حماس".
ولفتت لولوة، إلى "أنه لم يكن هناك أي اتصالات تقريبا بينهما حتى تلقت قطر طلبا بهذا الخصوص من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن للتوسط في النزاع".
اعتراف من شخصية لا تزال في المؤسسة الرسمية، أي ليس من مسؤول سابق ليغمز البعض من قناته، كشكل من اشكال "تصفية حسابات خاصة"، وعل حديث خاطر يكتسب قيمة سياسية اعلى مما قاله بن جاسم، ليس فقط لكونها لا تزال ضمن دوائر الحكم القطري، بل لتوقيت "الأمر الأمريكي"، حيث بدأت واشنطن بالتنسيق مع دول الكيان وبعض "أدوات" محلية للخلاص من الزعيم الخالد الشهيد المؤسس ياسر عرفات بعد قمة كمب ديفيد، حيث رفض "مشروع تهويد البراق ساحة وحائط، باعتبار ذلك مقدمة عملية لوضع حجر أساس لبناء "هيكل على حساب المسجد الأقصى".
جورج بوش الابن، هو مهندس تصفية الخالد أبو عمار، ومن وضع الخطة العملية لذلك مستخدما أدوات إسرائيلية وبعض فلسطينية، وأعلن ذلك في خطابه الشهير يونيو 2002، عندما طالب صراحة بالتخلص من الشهيد المؤسس، باعتبار أن الشعب الفلسطيني "يستحق قيادة أفضل" وكرشوة سياسية لهدفه تقدم بمبدأ جديد أسماه "حل الدولتين"، ثمن مخادع لهدف حقيقي.
أمريكا، في حينه وضعت مسار التخلص من "أبو عمار" بالتوازي مع تدمير مقومات السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها حالة كيانية تعرقل المشروع التهويدي العام، فالمخطط عمل على هدفين بالتوازي، اغتيال الخالد ياسر عرفات، وتلك مكلفة بها إسرائيل وأدوات فلسطينية، والأخرى العمل على تدمير أول كيان فلسطيني في التاريخ.
مهمة الخلاص الجسدي من أبو عمار تم تحقيقها عمليا في 11 نوفمبر 2004، فيما المهمة الأخرى، بدأت مع اعلان شارون خروج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، دون تنسيق مع "القيادة المسؤولة الجديدة" التي دعا اليها بوش الابن، بانتخاب محمود عباس رئيسا، ولم يكن الموقف الإسرائيلي رفضا لموقف عباس، خاصة وان شارون اعتبر فوزه "نصر تاريخي"، لكن الرفض كان رسالة علنية، ان عهد السلطة الوطنية التي تأسست عام 1994، انتهى سياسيا، كما انتهى أصحاب الاتفاق الذي أنجبها، باغتيال رابين وأبو عمار فكانت الضرورة ان تغتال السلطة الوطنية. (عباس تخلص لاحقا من كل فريق أوسلو)
وبعد أسابيع من الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة، أعلن عباس عن إجراء انتخابات تشريعية، في يناير 2006، وكانت المفاجأة السياسية الكبرى، بأن قررت حركة حماس المشاركة في تلك الانتخابات، وهي التي تعتبر السلطة ومكوناتها من نتائج "اتفاق أوسلو الخياني"، ورفضت أن تشارك في أول انتخابات عام 1996 وهددت بالتصفية أي من أعضائها المشاركة فيها، لكنها وبلا أي تقديم أو توضيح او تبرير لخطوتها وافقت على المشاركة 2006.
ولم يضع عباس أي شرط بأن تلتزم حماس بالقانون الأساسي للسلطة الوطنية، وما ينتج عنه من التزامات سياسية – قانونية، وجاءت التسهيلات الأمريكية – الإسرائيلية لدفع حماس المشاركة، لتكشف أول خيوط تنفيذ المؤامرة الخاصة بتدمير السلطة الوطنية، وكان عراب تلك العملية رئيس وزراء قطر في حينه حمد بن جاسم، بتكليف "أمني" امريكي وتعاون إسرائيلي وموافقة عباسية.
لم تكن المفاجأة فوز حماس بأغلبية، بل كانت حجم الفوز الكبير الذي كان ضعف مقاعد فتح تقريبا، وشكلت حماس الحكومة وعرضت برنامجا سياسيا نقيضا لبرنامج محمود عباس، الذي أنتخب وفقا له يناير 2005، ولم يقف الرئيس ليضع "فيتو" على ذلك الخرق الكبير للقانون (دستور مؤقت)، ومن هنا بدأت شرارة الانقسام القادم، الذي تم ترتيبه بين أطراف ثلاثة (واشنطن، تل أبيب والدوحة)، وكان لهم ما أرادوا في يونيو 2007.
لذا كانت قطر أحد أدوات الانقسام التنفيذية، واستخدمت حماس في ذلك بناء على طلب أمريكي، كما استغلت "ظرف عباس الخاص" معها لتمنعه من أي اتخاذ خطوة فاعلة ضد انقلاب حماس 2007.
والآن، ليس مطلوبا من حماس أن تقطع علاقاتها بقطر، لكن مطلوب منها أن تتوقف عن تقديم شهادات "براءة ذمة وطنية" للدور القطري...وقريبا جدا ستعرف حماس تلك الحقيقة، بعد أن ينتهي الدور المرسوم لقطر، في ظل ترسيخ "كيانية غزة"، وملامحه بدت عمليا بمنع أي قيادي حمساوي من الحديث السياسي من الدوحة، التي باتت للإقامة فقط.
الرؤية السياسية للحقيقة مقدمة لحماية الموقف السياسي وليس العكس...فليس مطلوبا حربا على الدوحة ودورها التخريبي في الجسد الفلسطيني، بل صمتا أو شكرا إنسانيا لا أكثر، فهل تستطيع قيادة حماس على ذلك...تلك هي المسألة!
ملاحظة وتنويه: احياء "يوم الأرض" يستحق من أرسى حجره الأساس تحية ورفع قبضة لهم...أهلنا في الداخل 48 وللشاعر الراحل توفيق زياد وحزبه الشيوعي ولجنه المتابعة السياسية، كان يوما لوحدة الشعب الفلسطيني الوطنية...فهل بات ذلك هدفا مستعصيا مع واقعنا الراهن...الاحتفال في ظل نكبة الانقسام خدعة!