الرجوع إلى البلاد، مراجعة وبرنامج

تابعنا على:   22:30 2019-03-28

د. رياض عبدالكريم عواد

بمناسبة مرور السنة الاولى على مسيرات السلك الكبرى، تتهاوى ادعاءات اصحاب مسيرة السلك، ادعاء تلو ادعاء، فبعد انكشاف ادعائهم، منذ الايام الاولى، أن هذه المسيرات لا علاقة لها بخيار عودة اللاجئين إلى وطنهم، ولا تستطيع هذه المسيرات أن تكسر ما يسمونه بالحصار على قطاع غزة، ولا يمكن أن تمنع انفجار الناس وصراخهم ومطالبتهم بحقهم في الحياة من خلال توجيه غضبهم وموتهم نحو الاحتلال، كما ولا يمكن من خلالها تقليل الخسائر في الأرواح والدماء ومنع الحروب، بل أصبحت اداة لجلب خطر الحرب والقصف المتكرر ونشر القلق والخوف واللايقين وعدم الاستقرار بين الناس.

ان فشل قادة هذه المسيرات في الالتزام بالسلمية وحماية المشاركين من عطش قناصي جيش الاحتلال الإسرائيلي للقتل والبطش بأقدام الشباب والاطفال، تحت ادعاء كاذب بأن القرار للميدان، أدى إلى سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والمعوقين بين المشاركين في هذه المسيرات.

ان اقصى ما حققته هذه المسيرات هو إدخال حقائب المال القطرية بطريقة مذلة لتوزيعها على الموظفين كجزء من مرتباتهم، وإدخال عربات السولار الصناعي لمحطة توليد الكهرباء في غزة تحت إشراف الأمم المتحدة، حتى لا يتم العبث فيها. ان هذه المسيرات أصبحت اداة للمساومة السياسية من أجل استدامة ما يسمى بالانقسام لتحسين شروط الحكم في قطاع غزة.

ان نتائج هذه المسيرات أصبحت تتبلور بوضوح وتتجه نحو إحدى هذين الخيارين البائسين: الاول، انفصال قطاع غزة عن مساره الوطني وحل القضية الفلسطينية من خلال خيار "دولة غزة"، او إغراق غزة في حرب مدمرة تؤدي نتائجها إلى تحقيق خيار دولة غزة، وتهجير جزء من سكانها جنوبا الى سيناء، وهذه هو النتيجة الممكنة الثانية.

ان التقرير المرعب الذي قدمته الدكتورة جوان ليو "Dr.joanne liu" رئيسة منظمة أطباء بلا حدود حول عدد ونوع، والوضع المزري للمصابين في العام 2018، حيث اصيب أكثر من 26 ألف مواطن، جروح كثير منهم خطيرة جدا، وتتطلب عناية صحية خاصة، وتحتاج الى متابعة من قبل جراحي العظام والجراحات التقويمية ومختصي الالتهابات البكتيرية. ان هذه الإصابات، كما تقول د. ليو يجب أن يتم علاجها بالسرعة القصوى حتى تتجنب الالتهابات وتعقيدات الإصابة، وصولا الى تفادي حالات البتر في الأطراف، التي وصل عددها إلى أكثر من 1200 حالة. ان خبرة وزارة الصحة من الحروب تقدر أن حوالي 10% من المصابين على الاقل يتعرضون إلى إعاقة دائمة. ان هناك حوالي 12 حالة من المصابين يعانون من الشلل الكامل. ان هذا الحجم من الألم والتضحيات العبثية لا يتناسب مع الأهداف الحقيقة البائسة لمنظمي هذه المسيرات.

أوقفوا هذا العبث؟!
ان أي مراجعة لهذه المسيرات يجب أن تتناول العديد من الأسئلة التي يطرحها الواقع، على ان تكون الإجابة عليها إجابة جمعية، لكي تتحول الدروس المستفادة إلى ثقافة مجتمعية.

1. هل الرجوع الى البلاد والارض ممكن وموضوعي وطرحه واقعي
2. ما هي الاسس التي سنرجع/سنعود وفقا لها
3. إلى أين سنرجع
4. ما هي أساليب النضال التي يجب أن ستتبع، وما هو فهمنا وتعريفنا لها
5. هل يجب أن يكون لهذا الحراك قيادة، ما هو شكلها
6. ما هو دور مختلف المكونات السياسية في هذا الحراك، م ت ف، السلطة، الفصائل، مؤسسات المجتمع المدني، المثقفين...
7. الأولويات، ما هي أولوية طرح النضال من أجل الرجوع في اللحظة السياسية الراهنة
8. هل نطرح الرجوع/العودة من أجل العودة ام من أجل أهداف اخرى، كسر الحصار، المناكفة، الصراع الإقليمي، تحسين شروط التفاوض.....
9. ما علاقة النضال من أجل العودة مع برنامج الدولة وتقرير المصير

في البداية، لابد من ملاحظة! أن معظم هذه الاسئلة والاستنتاجات كانت واضحة ومعروفة، وحذر الكثيرون من خطورة تجاوزها، وتم طرحها بوضوح على معظم فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وكُتب الكثير حولها بصيغ متعددة وبتكرار ممل، ولكن للاسف اصر منظمو هذه المسيرات على وجهات نظرهم، وكان ما كان. لقد تركز النقاش تحديدا على ثلاثة مفاهيم: الشعار/الهدف، السلمية وفهمنا لها، دور الفصائل في قيادة هذا الحراك.

1. الشعار/الهدف
من الواضح أن دوافع القائمين على هذه المسيرات، لم تكن يوما ولن تكون من أجل العودة، بل كانت من أجل مواجهة الظروف الإنسانية المتفاقمة داخل قطاع غزة، ومنع انفجارها وتوجيهها لتنفجر بعيدا عنهم، في وجه إسرائيل، كما يقول العديد من النشطاء الان. ان هذا يمثل استخداما فظا لحق العودة من أجل أهداف لا تستحق هذه التضحية وهذه الدماء.

ان حق العودة ليس بحاجة لمثل هذه التضحيات من أجل أن نحافظ عليه، فالعالم يحافظ عليه وقد أصدر قراره الشهير رقم 194، فهو حق حصري لا يمكن التصرف به، وأنشأ العالم لجنة دولية معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وحق العودة واحدة من هذه الحقوق.

كما اننا لسنا بحاجة ان نذكر العالم بأن الفلسطينيين متمسكين بحقهم في العودة، لان هناك آلاف المراكز المتخصصة في الداخل والخارج ما تفتأ تمارس هذه المهمة وتعقد من أجلها المؤتمرات والنشاطات.

كذلك ليس مهمتنا التلويح بحق العودة في وجه إسرائيل، أو وجه دول الاقليم، من أجل تحقيق مكاسب، مهما كانت شرعية وضرورية. ان هدفنا هو ان نخرج هذا الحق من أدراج المكاتب والمؤتمرات إلى أرض الواقع، نريد أن نحول أمنيات الفلسطينيين وتمنياتهم إلى نضال يومي يمارسونه على الارض وصولا إلى يوم الرجوع إلى ديارهم واراضيهم.

ان اي اهداف أخرى تستخدم حق العودة هو تعمية للشعب، لا تستحق أن يضحي الشعب بأرواح ابنائه من أجلها. لذلك كان شعارنا "لا لاستخدام حق العودة من أجل اهداف لا علاقة لها برجوع اللاجئين إلى بلادهم وارضهم".

2. القيادة
لقد أصبح واضحا للجميع حزبية القيادة وتفردها والسيطرة عليها بعيدا عن اللجان المسماة أو الفصائل المشاركة.

ان سيطرة فصيل/الفصائل على هذا النضال، يعيدنا للدرس الذي حذرنا منه مرارا وهو درس ثورة 1936، الذي يقول أنه من السهل الضغط على القيادة السياسية لأي حراك شعبي لذلك كان من وجهة نظرنا، لهذا السبب الجوهري ولاسباب اخرى، أهمية أبعاد الفصائل عن قيادة هذا الحراك.

ان هذه الفصائل العسكرية لا تؤمن بالنضال السلمي مما يعرض الجماهير المشاركة إلى مزيد من بطش الجيش الاسرائيلي، بسبب هذه الذريعة خاصة في ظل التصريحات المتتالية حول ان شهداء هذه المسيرة كانوا من الأجنحة العسكرية لهذه الفصائل، إضافة إلى تشكيل وحدات ما يسمى بالكاوتشوك والارباك الليلي ووو. ان هذا حراك شعبي يجب أن يقاد شعبيا بعيدا عن أجندات الفصائل وأهدافها الخاصة.

أن الشرط الاهم لبدء هذا النضال وتوجيهه والحفاظ على استمراريته كان يجب أن يبدأ بتشكيل حاضنة وطنية اجتماعية وسياسية لهذا الحراك، توجهه ولا تقوده، تدعمه ولا تسيطر عليه، هذه الحاضنة يجب أن تشكل من كل المكونات السياسية للمجتمع الفلسطيني، م ت ف السلطة الوطنية، الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني. كما أنه لا يمكن البدء في هذا النضال دون إعادة الوحدة الوطنية في الساحة، والتي لن تتحقق إلا بعودة غزة لتكون جزءا أصيلا في النظام السياسي الفلسطيني الموحد.

3. الآلية
باختصار شديد لا يمكن الدفع بشعب يقدس الكفاح المسلح إلى السلك ليواجه فوهات بنادق جيش الذبح الاسرائيلي. ان هذه مغامرة غير محسوبة أدت الى سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى.

أن النضال السلمي من أجل الرجوع بحاجة إلى إعداد طويل قبل التوجه بالجماهير نحو السلك الفاصل، يرتكز هذا النضال على خلق حالة ثقافية مجتمعية تؤمن بحق وامكانية وموضوعية الرجوع إلى الوطن من خلال النضال السلمي. يجب تعليم المجتمع اسس وجدوى واولوية النضال السلمي وأهمية النظام والصبر وطول النفس لكي يحقق هذا النضال أهدافه المرجوة بأقل الخسائر الممكنة.

إن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى مزيد من الدم والتضحيات ليثبت لنفسه أو يذكر العالم: أنه شعب مناضل وجاهز للعطاء والتضحية. لقد وصلت قضيتنا العادلة ورسالتنا الوطنية، منذ زمن طويل، إلى كل العالم. إن العالم يعرف جيدا أن عدونا الاسرائيلي عدو مجرم قاتل. إنه من البديهي، اننا لم نعد بحاجة الى أن نثبت هذه البديهيات، بمزيد من الدم والأرواح، لقد دفعنا ثمنها مسبقا ومنذ زمن طويل، يجب وقف هدر الدم المجاني؟

4. الدوافع الحقيقية
أن الأهداف الحقيقية لهذا الحراك لم تكن العودة، ويزداد وضوح الأمر بعد بداية ظهور قوى خارجية تحاول أن تعمل على استدامة حالة عدم الاستقرار من خلال استمرار هذا النزف لأهداف بعيدة عن العودة وحتى عن ما يسمى كسر الحصار، لان الجميع يعرف أن هذا الحصار هو حصار سياسي دولي بدأ منذ لحظة وصول حركة حماس إلى الحكم، وتفاقم بعد سلخ غزة عن السلطة الوطنية في 2007 مما فاقم الاوضاع الحياتية والانسانية داخل القطاع.

ان الهدف الحقيقي لاستمرار حالة عدم الاستقرار instability داخل القطاع هي من أجل لفت الانتباه وإبعاد الناس عن مطالبتها بحل قضاياها الأساسية وتغيير أولوياتها، التي يجب أن تركز على اعادة وحدة النظام السياسي.

أن استمرار حالة النزف وعدم الاستقرار داخل قطاع غزة هو هدف تعمل على استدامته بعض الدول ذات المصلحة لاستمرار الصراع الإقليمي على أرضنا بفتورة دم مقبولة وغير منفرة للشعب، بعيدا عن مصالح الشعب الفلسطيني الوطنية أو مصالح اهل غزة الحياتية، وصولا الى الهدف الاستراتيجي من هذه الحالة، وهو حل القضية الفلسطينية من خلال فصل غزة وإقامة كيان مستقل فيها.

يجب أن يناضل الكل الوطني لنزع غزة وقضاياها من يد أي طرف إقليمي يحاول أن يعبث بها ويستخدمها ويتدخل في شؤوننا ويغير أولوياتنا مستغلا أوضاعنا الصعبة والمعقدة، السياسية والحياتية.

5. البرنامج المقترح

علينا أن نؤكد أن الأولوية في اللحظة السياسية الراهنة يجب أن تركز على أن يتكاتف الكل من أجل إعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، وعودة غزة لتكون جزءا أصيلا منه، لوقف حالة عدم الاستقرار، ولحل مشاكل الناس الحياتية، ولوقف تدخل أطراف إقليمية في أوضاعنا واتخاذ القرارات بعيدا عن مصلحتنا.

أن الوحدة الوطنية هي الأولوية وهي الطريق والحاضنة لكل نضال سياسي، وفي مقدمة ذلك المحافظة على بقاء الشعب صامدا فوق أرضه وعدم تهجيره، والنضال من أجل رجوع اللاجئين الفلسطينيين سلميا الى ديارهم.

نظرة مستقبلية

لا يجب أن نكل أو نمل من تكرار حقنا في الرجوع إلى بلادنا وارضنا، ومن التأكيد أن النضال السلمي هو الوسيلة الرئيسية، الممكنة، التي من خلالها نستطيع أن نحقق هذا الحلم الطبيعي والموضوعي، بعيدا عن الأهداف الموهمة لكثير من الباحثين عن البطولات الفردية والمصالح الخاصة، وادعاءات آخرين بالملكية الحصرية لفكرة العودة، وكذلك بعيدا عن محبي الاستعراض وعاشقي السلفي والتصوير بالفيديو لاثبات مشاركتهم الاسبوعية.

ان احد اهم اهداف النضال من اجل العودة هو انقاذ ابنائنا شعبنا من خطر الهجرة والتهجير، الذي أصبح واقعا ويتزايد يوما بعد يوم، إلى مختلف أصقاع العالم، ومن الموت غرقا في البحار والمحيطات أو عطشا في فيافي الصحراء الشاسعة والمترامية الأطراف.

دعونا نفحص مختلف الآليات المطروحة لتحقيق هذه العودة/الرجوع، وواقعية تطبيقها على الأرض، خاصة بعد انهيار العمل العسكري ونتائجه السلبية، وانكشاف مسيرات السلك واهدافها، واصطدام حل الدولتين بالرفض والتعنت الاسرائيلي:

1. العودة كمكون رئيسي لحل الدولتين: من الواضح أن كل مكونات حل الدولتين من خلال المفاوضات يلاقي رفضا اسرائيليا كبيرا خاصة من قبل اليمين اليهودي والمستوطنين الذين يسيطرون على المجتمع والحكم. وبالرغم من ذلك يجب أن نبقى متمسكين بهذا البرنامج، لوجود بقايا تأييد دولي واقليمي له، وكبرنامج نضالي تحمله السلطة الوطنية في المؤسسات الدولية.

2. العودة من خلال المقاومة الشعبية
أثبتت مسيرات ما يسمى بالعودة أن إسرائيل ستتصدى بكل ما لديها من جبروت وقوة لمنع هذه العودة، خاصة في ظل عدم تضامن ووقوف العالم إلى جانب هذه المسيرات.

3. الرجوع إلى البلاد والارض
ان كل الظروف الإنسانية والمعيشية والسياسية تدفع بأهل قطاع غزة إلى الهجرة خارج قطاع غزة. ان رفع هذا الشعار غير السياسي "شعار بدنا نعيش" والهجرة والرجوع إلى البلاد والارض في إسرائيل، وفقا لقوانين الأمم المتحدة وتقاريرها حول انعدام سبل الحياة في قطاع غزة. ان هذه محاولة لإنقاذ جزء من شعبنا من خطر الهجرة بعيدا إلى أوروبا أو التهجير وفقا لمخطط سياسي إلى سيناء.

أن اختيار قطاع غزة لهذا الحراك، الإنساني في شكله، السياسي في جوهره، لا يمنع من محاولة باقي التجمعات الفلسطينية في مختلف أماكن الوجود الفلسطيني من محاولة تطبيق الفكرة، خاصة أن كتب لها النجاح.

أن شروط تحقق هذا الحراك ونجاحه يتركز في:

1. وجود نظام سياسي موحد يؤمن بالنضال الشعبي السلمي.

2. أن تعلن الفصائل هدنة من جانب واحد لمدة عشرة سنوات على الأقل تتوقف فيها عن جميع الأعمال العسكرية والعنفية

3. خلق حاضنة وطنية، سياسية واجتماعية، تشرف على هذا الحراك وتدعمه وتوجهه لا أن تقوده

4. المجتمع المدني المؤمن بالنضال السلمي هو القيادة الفعلية التي تسير هذا الحراك

5. تعليم الشعب واقناعه وتدريبه على أن النضال السلمي هو الوسيلة الوحيدة لهذا الحراك

6. الحفاظ على دم وأرواح الناس هدف لا يمكن التضحية به أو التنازل عنه في مقابل كل الأهداف الاخرى، لذلك يجب التأكد من توفر كل الآليات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

في الختام، يجب التأكيد أن رجوعنا السلمي إلى البلاد والارض هو عمل سلمي يتم تحت راية الأمم المتحدة وقوانينها، التي تتيح لكل الشعوب البحث عن أماكن آمنة تتوفر فيها سبل الأمن والحياة.

وأن السكان الراجعين إلى الأرض والبلاد في إسرائيل سيعيشون في ظل قوانين وتشريعات الدولة ويحترمونها ويناضلون مع مختلف المكونات المجتمعية من أجل الإخاء والمساواة والسلام، ويعملون سويا ضد حل المشاكل من خلال العدوان والحروب والاحتلال. كما سيناضلون من أجل تخليص المجتمع من التطرف والإرهاب والعنصرية والأحزاب الفاشية والدينية.

وأن هذا الرجوع سيكون في مصلحة مختلف المكونات الاجتماعية لهذه الدولة التي تعاني من مظاهر التطرف الديني والقومي اضافة الى العسكرة والعنصرية واحتلال الشعوب الأخرى.

اخر الأخبار