تصريحات عباس والسخط الشعبي

تابعنا على:   05:42 2014-06-20

شجاع الصفدي

دأب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على إطلاق تصريحات تتنافى مع المزاج الشعبي العام ، وتعرّض للكثير من الانتقادات جراء ذلك ، لكنه لم يأبه أو يكترث بالأمر ، فهو على قناعة أنه يصدّر الرؤية الرسمية الفلسطينية للعالم ، ولا يوجه الخطاب لشعبه بقدر ما هو موجه للأسرة الدولية ، ويمكن تماما تفهم موقف الرئيس عباس في هذا الجانب ، واعتبار أنه من المطلوب تصدير خطاب سياسي معيّن للعالم حتى وإن كان تمثيليا أو غير حقيقي ولا ينم عن الواقع الفلسطيني بشيء ، ومواقف عباس لا تعني البتة أن يتم تخوينه أو اعتباره بائعا للوطن وكل هذه المصطلحات الرديئة، لأن لغة التخوين لغة فاشلة وعفنة ، قد يكون أبو مازن مبالغا جدا في دبلوماسيته وتستفزنا جميعا ، لكنه لو كان خائنا فعلا لوقع اتفاقية مع الاحتلال وتحمل المسؤولية التاريخية وانسحب ، فالخائن مجنّد لمهمة ما أن ينتهي منهما تحترق ورقته ، ولتحرق روما بعد ذلك، لذلك فمسألة اتهام عباس بالخيانة أمر غير أخلاقي ، ومهما كانت دبلوماسيته المفرطة تستفزنا ونلعنها جدا إلا أن ذلك لا يعني أنه بائع للوطن طالما لم يوقع تنازلا عن أي من الثوابت الفلسطينية حتى لو صرّح بغير ذلك لإرضاء الرأي العام .

المشكلة الرئيسية تكمن في طريقة تعاطي الرئيس عباس مع شعبه ، حيث يعطي للناس انطباعا أن رأيهم لا يعنيه ، وأنه يقوم بواجبه حسبما يراه مناسبا ، وطالما هو الرئيس إذن ليس مهما أن يلتفت لما يريده الشعب في المصلحة السياسية ، فتجده تارة يعلن أنه لا يريد العودة لصفد ، بينما كل من هاجر وجذوره ممتدة في صفد لن يتخلى عن حلم العودة إليها وإن مات سيزرع ذلك في أبنائه أن لهم حق في صفد ، وتارة أخرى تجد الرئيس يقول أن التنسيق الأمني مقدس ، وحسب وجهة نظره أن التنسيق يأتي لحماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات !! ، رؤية جيدة لكن الواقع يقول أن التنسيق الأمني يأتي فقط لخدمة مصالح الاحتلال وتجيير أجهزة الأمن الفلسطينية في خدمته وتصويرها أنها أجهزة لحدية لا وطنية.

كثير من التصريحات المستفزة لمشاعر وكيان الناس ، وآخرها مسألة " البشر" المستوطنين ، وفي حال بصفتنا الإنسانية كفلسطينيين قلنا أنهم بشر فعلا ولا نريد ذبحهم ، لكن أليس هؤلاء من يذبحوننا ؟ أليس أسرانا في السجون وشهداء شعبنا بالآلاف هؤلاء المستوطنون هم من قتلهم ؟

هؤلاء البشر المزعومون هم أكثر الناس حرصا على ذبحنا ، والرئيس يدرك ذلك ويعلم ذلك ، لكن إرضاء العالم والرأي العام والخصوم سياسيا لا يعني البتة جلب السخط من طرف شعبه ، وهذه المشكلة لدى الرئيس منبعها أنه لم يكن يوما بالقرب ، بمعنى أنه لم يحتك جيدا بالناس ، لم يعرف المزاج الشعبي الفلسطيني ، الشعب الذي يحتاج " بطل خيالي من " باب الحارة " يحمل البندقية ويحمل مكبر الصوت ويهتف وسط الناس ، يشفي جروحهم ، ويداوي أحزانهم، وفي فلسطين خلق رجل واحد كان قادرا على ذلك وهو ياسر عرفات ، وقد رحل وفقدناه ، ومشكلة الرئيس عباس أن الشعب ينتظر منه أن يكون عرفات جديد ، وهذا مستحيل تماما ، فعرفات نسخة واحدة لا تتكرر ومطالبة عباس بأن يكون مثله غير جائزة وغير منطقية .

كل ما على شعبنا أن يوصل رسالته للرئيس بطريقة أخرى، فإما أن تكون هنالك وسائل ضغط شعبية بعيدة عن التخوين والاتهامات والتقزيم والإهانات ، أو الانتظار المنطقي لصندوق الاقتراع ، ومن يعجبه عباس فلينتخبه ، ومن لا يعجبه لينتخب الأفضل لمصلحة الوطن أولا وأخيرا ، أما الدخول في مهاترات وشتائم وقذف وتخوين ، فذلك لا يجدي نفعا ولا يعود على الوطن بالخير مطلقا .

إذن خلاصة الأمر أن الرئيس محمود عباس يريد خدمة وطنه ويجد بصفته قائدا أن عليه أن يختار الأسلوب المناسب ، حتى لو كان ذلك لا يعجب شعبه ، قد نتقبل هذه الفكرة، لكن عدم الاكتراث التام برأي الشعب يجلب سخطا يفسد كل ما يفعله حتى ولو كان صائبا ، لذا فاعتدال الرئيس وتوازن خطاباته ما بين الرأي العام العالمي والرأي الشعبي هو الأمر الصواب الذي يبدو أن الرئيس يحيد عنه تماما ولا يريد أن يرى غير ذلك .

لربما هو يتجنب تجسيد الزعامة ، ولا يريد تقمص شخصية تغاير شخصيته ، وهذا غالبا حقيقة ، لذلك هو يصر أن هذا أسلوبه ، ولكن ذلك أدخل الناس في دوامة لا مبررة يتحمل مسؤوليتها الرئيس فعليا ، وعلى الأقل مراعاة لمشاعر الناس يجب أن يكون هنالك خطاب موجه لمواطنيه وأبناء شعبه يوازي الخطابات الأخرى أو أبسط منها بكثير ، أما سياسة التعامل بترفع عن هذه الأمور واعتبارها صغائر هو معضلة حقيقية وخطأ كبير لن تكون عواقبه جيدة ليس على صعيد الرئيس شخصيا فحسب وإنما على الصعيد التنظيمي واستغلال الخصوم السياسيين لكل سقطة من هذا النوع ، ويتفاعل الجمهور الفلسطيني مع تلك الأفكار والرؤى والاتهامات بشكل سلبي يعكس حالة الاحباط العامة التي تتسبب بها تصريحات الرئيس من وقت لآخر .

نأمل حقا أن يتم تصحيح هذا المسار ، ويصبح للشعب قيمة وكلمة لدى الرئيس عباس ، وأن لا يبقى رأي الشعب تحصيلا حاصلا ، لا يكترث له أحد، لأن الشعب هو سيد القرار أولا وأخيرا وهو من يضع الرؤساء ويخلعهم ، وحتى لا نتحول يوما لوضع دول عربية أخرى ساءت أحوالها تماما حين لم يكترث زعماؤها بشعبهم لسنوات طويلة .

اخر الأخبار