
صديقي الفلسطيني

حواس محمود
الفلسطينيون (تماما كما الكرد ) ، ارضهم مسلوبة بإرادة دولية ، والانسان الفلسطيني انسان يشعر بالغبن والظلم الذي لحق بوطنه الأم ، وهو يشعر انه ككائن متعثر في وجوده الإنساني يحتاج الى ان يكتمل لكنه لا يستطع الى ذلك سبيلا ، لأن القوة التي احتلت بلده اكبر من إمكاناته الفردية ، وبالتالي هو يبحث عن ملاذات أخرى تعوض عنه ما لحقته من معاناة حياة وتشرد وهجرات الى اكثر من بلد عربي ، وهو لا يجد الأمان في أي بلد عربي ، لأنها بلدان قامعة لشعوبها طبعا تحت أمرة حكامها المستبدين الذين تاجروا بفلسطين وشعبها فضيعوا شعوبهم وتحولت الجغرافية القطرية العربية الى ساحة للأجندات والمصالح الدولية والسبب هو غياب العدالة والديموقراطية والحط من كرامة المواطن ، وصدق واقعيا التساؤل المرير ان مواطنا مسحوقا في بلد عربي كيف له ان يحرر الأراضي المحتلة وهو لم يتحرر بعد من عبودية الحاكم ؟ !
مناسبة كلامي هذا هو الحديث عن تعرفي إلى صديق فلسطيني في الآونة الأخيرة ، وملامستي لطيبته وحنيته وتعامله الراقي خصوصا انا اتعامل اجتماعيا مع الأصدقاء المثقفين منهم بحكم اهتماماني ككاتب وباحث
هنا في أوسلو العاصمة النرويجية التي يشعر فيها المرء الشرقي بالغربة والعزلة والحاجة للتواصل الإنساني والاجتماعي التقيت في مناسبة عامة صديقا فلسطينيا (ن . ج ) وجدته هادئا ، اشعرني حدسي الذي غالبا لا يخيب انه الصديق الصدوق ، فتوثقت خلال فترة قصيرة العلاقة الصداقية بيننا نحن الاثنين ، عندما اشعر بالضيق اتصل به وهو يتصل بي وازوره ويزورني ونتبادل الأفكار والتعليق على الأحداث ومشاركة الهموم المتبادلة و كأننا نعرف بعضنا من زمن بعيد ، كما أنني هنا بالنرويج ما ان التقي بفلسطيني او فلسطينية أجده/ها طيبا / طيبة ، حنونا / حنونة ، اشعر ان حظي جميل كوني انسى همومي ككردي سوري يعيش بمنفى شردتني ظروف الاستبداد والقهر ، واعاني هنا صعوبات وتحديات جمة تضعني وجها لوجه امام بدايات كان من المفترض ان تكون لشباب لا لكهل يقترب من الستين ، فاشعر بفرح غامر انني على الأقل استطيع ان افضفض ما اشعر انه يخنقني في الداخل أقول افضفض معه مع صديقي الفلسطيني الذي عرفني هو الآخر على أصدقاء فلسطينيين اخرين ، وهذا اللقاء الصداقي الحميمي بيني وبينهم يعتبر شيئا نادرا في دول الغرب حيث اللاجئون أيضا يتعلمون الأساليب التي يتبعها السكان الاصليون او بالأحرى ينخرطون في طقوسهم الحياتية من ناحية ضعف التواصل الاجتماعي فكل يذهب لعمله ، وفي أيام العطل يذهبون للتنزه والرحلات والاهتمام بأبنائهم واطفالهم ، في الحاجة الى صديق يقول مؤلف كتاب الصداقة قيمة مركزية - عالم المعرفة 2017 ميشيل ميتياس " الصداقة الحقيقية مغروسة في المحبة المتبادلة والثقة والعطاء ومواصلة التحقق الذاتي ، ويمكن ان نغامر بالقول انها حاجة ميتافيزيقية وانها عامل جوهري في نمو الفرد وسعادته ، كما ان الحاجة الى صديق عكس الحاجة الى اشياء مادية ونفسية ، حاجة الى اكمال الذات ، فالذات الانسانية سوف تبقى ناقصة ومنعزلة ان لم تتحد برباط المحبة وتصبح كاملة مع ذات اخرى ، الصديق الحقيقي هو " الذات الاخرى " اي " صديقان بنفس واحدة " اذن لا يمكن تأمين حاجات الاصدقاء بواسطة ذات واحدة فقط ، ولكن والانسان اجتماعي بطبعه فهو يميل الى ان يكون مع اخوته في الانسانية أو الى ان يصادقهم ، اذ ان الحياة الانعزالية تتناقض مع طبيعة الانسان وقد يفضل الناس الاحتفاظ بكل الاشياء الجيدة التي يحصلون عليها في حياتهم ولكنهم في المقابل يرغبون في مشاركة اعمالهم الصالحة مع الآخرين ، لأنهم بالطبع يميلون الى الحياة الاجتماعية ، والحاجة الى الصداقة تنبثق عن حقيقة ان الصداقة علاقة نشطة ومثمرة ، فهي ليست مجرد عاطفة أو مجرد فعل ، بل عملية نمو مستمرة تتطور بالمشاركة والعطاء والسعي وراء الغايات القيمة "
ما امتع ان يجد المرء صديقا حميما في الغربة .