مجزرة مسجدي نيوزيلاندا ... أعمق من زخات الرصاص

تابعنا على:   16:07 2019-03-22

د. ياسر الشرافي

يوم الجمعة الماضية دخل إرهابي ذات أصول أُسترالية إلى أماكن عبادة للمسلمين و أطلق زخات من الرصاص على كل من يتواجد أمامه ، فأردى من كان هناك بين قتيل و جريح ، حيث هذا العمل الوحشي فتح شهية كثير من هم على شاكلة هذا الإرهابي تكرار لهذا الحدث في كثير من العواصم الغربية ، ان لم تكن عند صناع القرار في الغرب إرادة لصد حملة التشويه المقصودة ، التي يتعرض لها المسلمين في تلك الدول بسبب الحكم المسبق على هذا الدين الحنيف ، أو ما شاهده و يشاهده العالم من جماعات دينية في سوريا و العراق ، و التفجيرات التي تحدث في سيناء و بعض المساجد و الكنائس في الدولة المصرية ؛حيث تلك التفجيرات طالت عواصم أوروبية ذات سياسة متوازنة مع الشرق الأوسط مثل باريس و بروكسل ، رغم هذا العمل الإرهابي المحزن كان هناك وجه آخر مشرق ، متمثل برئيسة وزراء نيوزيلاندا و أركان حكومتها ، حيث أدانت هذا العمل الإرهابي قولاً و عملاً ، و فتحت أبواب نيوزيلاندا لدعم المسلمين معنوياً و مادياً و ثقافياً ، و العمل على سن قوانين بسرعة البرق لعدم تكرار هذا الحدث ، احدى تلك القوانين عدم اقتناء السلاح في بيت أي مواطن ، و مطاردة الأفكار العنصرية المحرضة على الآخر .يأتي هذا العمل الإرهابي المدان في سياقات كثيرة ، تمتد إلى العقلية البشرية الأمّارة بالسوء ، و عدم احترامنا لأنفسنا كبشر ، عندما يعتنقون الناس كانو مسيحيين أو مسلمين أو يهوداً أو بوذيين أو هندوساً أو ملحدين أفكاراً ملوثة ، يظن كل من هؤلاء أنهم من أهل الخير و الآخرين من أهل الشر و يجب تصفيتهم خارج الإطار الإنساني ؛ حيث هنا تكمن الفاجعة الكبرى في سكب المزيد من الزيت على نار الكراهية المشتعلة بين البشر ، التي تضر بالسلم العالمي لسكان تلك الكرة الأرضية ، فالحفاظ على السلم العالمي و الإحتفاظ بالقيمة الإنسانية لكل منا يتعدى الجهد الفردي الذي يبذل من محبة بعضاً بعضاً إلى جهد منظم من كل دول العالم ، خاصة الدول الكبرى التي تجاوزت أطماعها التفكير قط في مصالحها ، من أجل ذلك استغلت تلك الدول كل ما هو قانوني أو غير قانوني للوصول إلى ما تصبوا إليه ، لو تتطلب ذلك مزيداً من قتل الأبرياء هنا و هناك في هذ العالم ، حيث يسبق ذلك تشويه مدروس لثقافة و دين المُعتدى عليهم من أجل عدم التعاطف و لو مجازياً مع هؤلاء الأبرياء التي تسفك دمائهم بسيف الجشع و التسيّد ، حيث النماذج كثيرة في تاريخنا المعاصر و الحاضر ، الحروب الأهلية الأثنية التي حدثت في أوروبا و راح ضحاياها الملايين ، و المجازر التي حدثت بحق الهنود الحمر في أمريكا ، و القتل و السلب الممنهج في أفريقيا ، من كل هذه الأحداث كان لنا نصيب كعرب و مسلمين ، من استعمار للدول العربية من قبل النادي الإستعماري المتمثل بالدول الأوروبية في تلك الحقبة ، إلى إحتلال فلسطين لاحقاً من قِبل الكيان الصهيوني ، أما في حاضرنا هذا تُفرض الوصايا الأمريكية على كثير من دول الكرة الأرضية ، كل هذه الأحداث السالفة الذكر تأتي في سياق سلب خيرات الشعوب التي لا تستحق الحياة بالنسبة لشعوب تظن نفسها هي سيدة البشر ، أي بمعنى أدق نظرية السيد و العبد بمفهموها العنصري المنظم. هذا المفهوم الذي نعيشه كبشر فقير أو غني ، ضعيف أو قوي ، ظالم أو مظلوم ، يأتي من قراءاتنا الخاطئة لثقافتنا و ثقافة الآخرين ، و الإعتداء على نصوص الدين و قرصنتها حسب مصلحتنا الآنية ، فأنظر إلى المؤمنيين دينياً من أهل الكتب السماوية ، كل ينظر إلى الآخر بغير مؤمن أو كافر أو مرتد أو مغضوب عليه من رب العالمين، متناسيين قصداً أو جهلاً الهدف الأسمى لرسالات السماء ، الذي يتجلى في رفع منسوب أخلاق البشر و السلم الإنساني بمفهومه الحديث عندما تتدنى أخلاقهم عن المستوى الفطري الُمحدد لهم . لكي نحافظ على السلم العالمي ما بيننا ، يجب أن تكون مراجعات جدية لكل كتبنا الثقافية و الدينية ، و إعطاء التفسير الأصح و الأدق للنصوص الدينية ، ثم إعادة الحقوق للشعوب التي نُهِبت آخر مائتين عام من الدول المستعمرة ؛لأن العمل و القضاء على الفقر يهذب النفس البشرية و ينسى من هو مظلوم جزء كبير من معاناته في الماضي . تيسيير التواصل الثقافي بالمفهوم الحقيقي بين الشعوب من حيث التنوع الفكري و البشري و الديني ، الذي يصب في مصلحة البشر كقيمة إنسانية و العدل ما بينهم ، بعيداً عن التمترس وراء إدعائات التفوق العرقي أو الديني أو الثقافي ، حيث الدين لله و الأرض للعيش المشترك بين كل الطوائف و الأعراق و كل كائن حي ، حتى يتحقق العدل فيما بيننا و الذي هو أساس الُملك للبشر في هذا العالم .

اخر الأخبار