هذا هو المخرج من "الورطة التاريخية"

تابعنا على:   00:09 2019-03-22

صالح عوض

هل قدرنا ان نقف أمام احد الخيارين مضطرين الى انتخاب احدهما إما تنسيق امني وسلطة بلا سلطة وتجاوزات إدارية ومالية وضبابية في السياسة بحجة المحافظة على المكتسبات السياسية النظرية او حالة الانفصال والحصار وقمع الحريات وتضخم الضرائب وكتم الأفواه بحجة المقاومة التي أصبحت رهينة بالتهدئة واشتراطاتها.؟؟

 هل قدرنا ان نقف مع احدهما ضد الأخر..؟ لماذا أوصلونا الى هذا القاع من الانقسام والانفصال هل هم يدركون أن هذا أكبر خدمة للمشروع الصهيوني؟

 حتى لا يظل كلامنا كأنه يتناول الموضوع بلا تمييز نؤكد ان لا تنازل عن منظمة التحرير الفلسطينية مع كل ما يتم من تجاوزات باسمها.. وانه لابد من التأكيد دوما إنها أهم منجز فلسطيني عبر عشرات السنين وهو منجز استراتيجي وأساسي محرم الاقتراب من الإساءة اليه مهما كانت المبررات فهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.. وفي الوقت نفسه لابد من التأكيد على وحدة الشعب وحرمة الدم الفلسطيني مهما كانت الراية التي تغطيه وان المقاومة بشتى الوسائل هي حق أصيل للشعب في التصدي لظالميه ولكن أدواتها وأوقاتها لابد ان تخضع لتفاهمات عامة بين القوى الفلسطينية.. وانه لابد من التأكيد على حق كل فلسطيني في التعبير عن رأيه والتجمع والتنظيم والعمل السياسي بعيدا عن نهج الإقصاء والانقلاب.

 هذا خيار ثالث من الصعب ان يتبلور في واقعنا الفلسطيني اليوم.. ذلك لانه سيصطدم بأصحاب المنافع المادية الحرام.. ولكنه خيار يمتلك من الوجاهة واليقين ما يجعله قادرا على الصمود في انتظار مرحلة تاريخية لابد ان تأتي لكي يعبر عن نفسه بتيار سياسي اجتماعي حقيقي فاعل.

 من الضروري الانتباه الى ان الاختلاف هنا عن الخيارين المطروحين في الأداء ليس اختلافا شكليا او يمكن التعايش معه.. انه اختلاف جوهري في البرنامج والأهداف والروح .. لكنه يبني على كل المكتسبات الحقيقية التي أنجزها كفاح الشعب الفلسطيني عبر عشرات السنين.. ولعل اهم عناصر الاختلاف ان هذا الخيار لا يقبل تنازلا عن وحدة فلسطين الجغرافية ولا عن وحدتها السكانية.. ويصار على أرضية هذا المبدأ المقدس الى البحث عن حلول عملية وحقيقية لإنهاء العنصرية الصهيونية، وتحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين.. وانطلاقا من هذا المبدأ المقدس وتقيدا به ينبغي ان يتحرك العقل للإبداع في مجالات العمل المتنوعة لجعله خيارا وحيدا في ساحة الفعل الفلسطيني مع تنوع الأداءات.

ليس مطلوبا من كبار الموظفين الفلسطينيين المتشبثين بمواقعهم وليس بمصلحة وطنهم ان يفكروا بالخيار الآخر، فكما قال أبو السعيد خالد الحسن أحد اهم قيادات حركة فتح في الرد على منتقدي العملية السياسية وذلك في مؤتمر المجلس الوطني في نهايات الثمانينات، هل انتم مستعدون للعمل تحت الأرض والعودة للنضال السري؟! ولم يأت رد من المستمعين.. فكان ذلك إشارة بأن المرحلة اختلفت وان المناضلين قد أصاب كثير منهم الوهن والضعف والأمراض والحاجة والعجز واليأس.. واخطر من كل ذلك فقدان الرؤية الواضحة، فلقد خاضوا حروبهم العديدة وتقلبوا على انواع الابتلاءات العنيفة، ولم تقف معهم أمتهم كما ينبغي، بل تركتهم وحيدين في مواجهة المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب بلا حدود، بل اكثر من ذلك طاردهم النظام العربي في الأردن وسوريا والعراق بالاغتيالات والسجون والحرب والتضييق عليهم.. انتهاء باتفاقيات كامبديفد سيئة السمعة والصيت.

 المشهد اليوم ليس فقط من هؤلاء المناضلين المتعبين المكلومين رفاق الشهداء والأسرى.. ففي المشهد اليوم صنف آخر من البشر يغطي وجه الشمس.. أناس لم يغبروا يوما حذاءهم بتراب خنادق القتال، ولم يتعبوا أنفسهم بحمل صندوق ذخيرة او بيات ليلة على ثغور فلسطين او في بياراتها ووديانها وسهولها وجبالها يعدون لعملية او يقومون برصد دورية.. أناس تمتعوا بالامتيازات والأموال والمناصب والمواقع بطريقة واحدة هي الوصولية والتزلف والدخول من الشقوق كما الصراصير.. كل رصيدهم انهم كانوا شهود مرحلة يتعيشون على سقط موائدها.. هؤلاء النفر لا يفكرون بقضية ولا يتحملون مسئولية ولا تغلي دماؤهم حتى لو رأوا الأقصى قد تحول الى ماخور فساد للصهاينة.. المهم عندهم فواتير آخر الشهر ونثرياتهم وآلاف الدولارات بدل السكن والخدم والموائد وسرقة عرق العمال والمستخدمين واللف والدوران بحيل على الجهات الإدارية.. هؤلاء كثيرون منتشرون في السفارات ومؤسسات كثيرة تمتص كقراد الخيل قوت الشعب واموال تدفع السلطة ثمنها من مواقف تمس الكرامة والسيادة.. هؤلاء لن يفكروا الا بمزيد من الصلاحيات والامتيازات.. هؤلاء ضد اي تغيير للنهج والمسلكية والمعايير، لأنهم سيكونوا أول الساقطين من شجرة الثورة غير مأسوف عليهم.. وسيعرف الأحرار في الشعب كيف يجردونهم مما اكتسبوا بالباطل.

رغم ذلك كله، هناك الخيار الآخر .. المتفاعل في صدور رجال  آخرين موجودين في كل مكان في السلطة وخارجها، في التنظيمات وخارجها.. رجال صدقوا ما عاهدوا عليه الوطن والشعب فرأوا أن كل مكسب يهون أمام القضية المقدسة فلسطين الواحدة وشعبها الواحد وأيقنوا ان في مثل هذه المرحلة لا تجتمع الدنيا لأحدهم مع الواجب نحو فلسطين فأبدوا الاستعداد الكامل للتضحية.. رجال لا يزال الإيمان الكبير بعودتهم الى فلسطين يسكن أرواحهم ويضيء لهم درب الخلاص من  العنصرية الصهيونية

الخيار الآخر بوضوح يستدعي ان تستأنف طلائع الشعب الفلسطيني كفاحها بعيدا عن أوهام المحاصصات والمكاسب الأنانية، وبعيدا عن التلهي بما لا فائدة فيه أو منه.. تستأنف طلائع الشعب الفلسطيني المنتشرة في الجامعات والمدارس الكفاح على أرضية مبدأية صارمة لا تلعثم فيها لقيادة الشعب في كل أماكن تواجده نحو مواطن الكرامة والعزة على طريق فلسطين الكاملة الواحدة من أجل شعبها كله.. وهذا الخيار وأهله هم الحقيقة الوحيدة المنتظرة، وسواه هباء.

 

اخر الأخبار