الحراك الشعبي الغزاوي.. "بدنا نعيش"

تابعنا على:   15:56 2019-03-20

د.باسم عثمان

إن "توارد الخواطر" في علم السيكولوجيا الجماعية لدى القيادات المتنفذة في غزة والضفة, في المعالجات السياسية والمجتمعية الشعبية للموضوع الفلسطيني, يحمل ذات المضمون والشكل, في الحلول والادوات, وان اختلف الموقع الايديولوجي لطرفي النقيض, و هذا ليس مستهجناً عن مفهوم " الفضيلة" في علم الفلسفة, حيث تعرف "الفضيلة "عند اليونانيين بانها (حد متوسط بين طرفين كلاهما رذيلة), كما قال ارسطو, و (حد وسط بين افراط و تفريط) و كلاهما رذيلة، كما قال الفارابي و ابن سينا. 

بعيداً عن " الافراط و التفريط" للرذيلة السياسية و الاخلاقية والاستثمار السياسي لما يجري في قطاع غزة من حراك شعبي يرفع شعاراً مطلبياً، ألا وهو "بدنا نعيش"، لأن الجماهير التي تقود هذا الحراك، هي ذات الجماهير المناضلة و التي قدمت العديد من الشهداء والجرحى في مسيرات العودة و الحركة الوطنية الفلسطينية و راكمت منجزاتها الوطنية , للذي يحاول "الاجتهاد السياسي" في ان يصور هذه المظاهرات السلمية الشعبية حول قضايا مطلبية لها "اجندات سياسية"؟!!، هذا "التبرير السياسي الفئوي و الضيق" للاحتجاجات المطلبية في غزة و الضفة الغربية في وقت سابق, ترفعه دوما "السلطة السياسية المتنفذة" لدى "معاول الهدم الفلسطيني " في وجه المتظاهرين المطالبين بتحسين ظروف معيشتهم ضد غلاء الاسعار و زيادة الضرائب وفي اكثر من قضية مطلبية وسياسية تظاهرت الجماهير من اجلها و مورس بحقها كل اشكال القمع والتنكيل والإهانات والضرب والاعتقال وتشويه السمعة الوطنية والأخلاقية.
ان جذر الوضع الكارثي في غزة يحمل المعنى السياسي للمشكلة : (طرفي الحصار, والانقسام السياسي المشرعن وقيام حماس بسلسلة من الإجراءات والتشريعات فاقمت من ازمة الوضع الاقتصادي والمعيشي للسكان الغزيين).
المواطن الغزاوي الذي تحمل مشاكل الكهرباء والماء وتدني الخدمات الصحية والطبية وفقدان الأدوية و هشاشة البنية التحتية للاقتصاد المحلي, رفض ان يقايض حقوقه الوطنية والسياسية بمشاريع و تسهيلات اقتصادية , وتزداد حياته صعوبة بعد سلسلة الإجراءات العقابية المالية والإدارية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في الضفة بحق شعبنا وأهلنا في القطاع، تحت شعار اعادة قطاع غزة لحضن "الشرعية الفلسطينية".
هذا الحراك الشعبي والذي يرفع شعارات مطلبية "بدنا نعيش" غير مرتبط بأجندة سياسية " فصائلية" الا من اجندته الوطنية بإنهاء الانقسام والوحدة الوطنية الفلسطينية, لذلك لا يجوز "استثمار" هذا الحراك وقمعه و التحريض عليه, بل العمل على الاستجابة الى مطالبه عبر الحوار والتفاوض وبمشاركة كافة القوى السياسية والمجتمعية في القطاع، وان توضع المصالح العليا للوطن فوق المصالح الفئوية و الفصائلية و "المزايدات السياسية" من هو احرص من غيره على القضية الوطنية!!, هذه القضية التي تمر الان في اخطر مراحلها من خلال الهجمة الامريكية الشرسة بتطبيقات "صفقة القرن" على الواقع و سياسات الاحتلال الاسرائيلي الاستيطانية و التهويدية للأراضي الفلسطينية و الضغوط الامريكية و الاوروبية الغربية على اطراف عربية لمواصلة الضغط على القيادة الفلسطينية للاستجابة لمشاريعها السياسية وتمويل الجانب الاقتصادي منها.
في ظل هذه المخاطر و ما يصرح به نتنياهو علناً : ( لا للدولة فلسطينية , و أن حق تقرير المصير فقط لليهود، وبان إسرائيل وطن قومي لليهود) ، دون أي اعتبار لحقوق شعبنا الوطنية و المشروعة, و تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بنزع صفة الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري، كل هذا يعني أن أمريكا مصممة على المضي قدماً في عدوانها على شعبنا الفلسطيني، و تصفية قضيته وتفكيك مشروعه الوطني.
اننا ندعو" سلطة غزة" ان تُراجع سياساتها ومواقفها من الحراك الشعبي، والاستجابة الى نبض الشارع وهموم الناس وقضاياه المطلبية، بعيداً عن لغة التخوين والاتهامات السياسية المزيفة و الفئوية , فبدلا من قمع الجائعين و العاطلين على العمل, يجب اتخاذ الاجراءات الكفيلة بوقف التلاعب بقوت الشعب و وقف الضرائب الجائرة و تنظيم السوق التجارية الاستهلاكية بما ينسجم مع واقع الحصار الذي يتعرض له القطاع و بما يخدم الفئات الاوسع من ابناء شعبنا.
ان ما يعانيه القطاع هو من النتائج المدمرة للانقسام الكارثي بين فتح و حماس, و على الطرفان تحمل كامل المسؤولية الوطنية و الأخلاقية و السياسية في انهاء الانقسام و توحيد المؤسسة الوطنية اداريا و ماليا و سياسيا.
ان وجهي ”الكارثة الانقسامية" للنظام السياسي الفلسطيني, يبحث عن مجده في "انتصارات وهمية" و على حساب الوطني العام , و بدل ان تقوم القيادة الرسمية الفلسطينية في رفع الحصار و العقوبات عن اهلنا في غزة , بدأت السياسات الانتهازية و "المزايدات الفصائلية" في استثمار جوع الناس و مطالبهم في غزة, حين اتحفنا البعض من قيادة فتح بانهم القوة الرئيسية للحراك الشعبي في غزة ؟؟!!, وفي ذات الوقت طالبت فيه شبيبتها الطلابية في جامعة النجاح الى حظر نشاط كتلة حماس الطلابية ؟؟!! و هذا لم يحصل في تاريخ الحركات الطلابية في العالم وهي تتصارع مع الاحتلال في مرحلة تحرر وطني.
الخطورة, ان يصبح منهجا يسود النظام السياسي الفلسطيني بدءا بالجامعات وينتهي بالشأن الوطني العام. و هنا ستلوح في الافق معارك "اعلامية فصائلية", على شاكلة "ارحل يا عباس و اخترناك يا عباس" وسيسعى الاحتلال الاسرائيلي الى "صب الزيت على النار" باعتباره مقدمة لصراع غير سياسي بين طرفي الانقسام الفلسطيني.

اخر الأخبار