
اغتيال الشخص واغتيال الشخصية

أحمد الجمال
فى لمح البصر ألقيت من يدى ما كنت أقرأه وبحلقت مشدوها غير مصدق لما أسمع، وغير متخيل أن هذا الشخص يقول هذا الكلام وبإصرار عنيد!.. رأيت سيف عبدالفتاح بوجهه الذى طالما طالعته عشرات المرات فى الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والاجتماعات وعلى شاشة التليفزيون، وما أريده هو التساؤل الاستفهامى والاستنكارى معا عن كيف يمكن لأستاذ فى العلوم السياسية وفى أكبر وأهم جامعة مصرية، ولمثقف مدني، حسب نفسه وحسبه الناس على ما اصطلحت تسميته بتيار الإسلام المستنير الوسطي، ولواحد ممن دنت لهم ثمرة المشاركة فى حكم مصر من أعلى مستوى، أى فى الزمرة الرئاسية.. كيف يمكن أن يطالب علنا وبالفم المليان وبالنبرة الواثقة بأن يتم التخلص من شخص الرئيس المصري.. ولا يهتز له ضمير أو يطرف جفن، والمذيع يسأله المرة تلو المرة فى الأمر ذاته ليعود هو المرة تلو المرة أيضا ليؤكد أنه لابد من التخلص من الرئيس أولا لكى يتم إنقاذ البلاد وبغير التخلص منه فلن يتم شيء!
لأول وهلة لم أعقل ما سمعت.. وبعد سكرة الاندهاش جاءت فكرة التدبر، لأجد أن الدائرة اكتملت وما كنا نكتب فيه ونستميت فى أنه صحيح وكان غيرنا يتهمنا بالخلط والتخليط والمبالغة بل وبكل الأوصاف الرذيلة، تبين أنه صحيح، إذ كنا نقول ونكتب أن ما يسمى بتيار الإسلام المستنير ورموزه من مفكرين وكتاب وأساتذة جامعة ورجال قضاء سابقين هو جزء لا يتجزأ من التركيبة التى تستدعى لنفسها مهمة القوامة على دين الناس، والتى لا تسعى لنشر القيم العليا الدينية والإنسانية بقدر ما تسعى للسلطة والتحكم، وأن هذا التيار طالما خدع الخلق، وعندما جاءت السلطة لهم على صينية أضحى معلوما من صنعها ومن جهزها، انكشف المستور ووجدنا منطقا آخر!.
كان سيف عبد الفتاح ــ ومعه بعض زملائه وزميلاته فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ــ يسعون دوما لتأصيل وترويج ما تبين أنه أكذوبة كبرى، وهو أنه من الوارد والممكن أن يكون للتأسلم السياسى وجه مستنير تحديثى مؤمن بالمواطنة وبالديمقراطية. وكانت الشبكة تضم معهم آخرين لا أريد أن أذكر بعض أسمائهم بعد أن تواروا بعيدا عن هالات الضوء، ثم بعد أن وصل الإخوان للحكم صارت الاستنارة والتحديث والمواطنة والديمقراطية شعارات بالية، تقادمت ومضى عهد استخدامها. وفى الفكرة, فاء مفتوحة، التى جاءتنى بعد سكرة الاندهاش والبحلقة، أدركت بيقين كامل أن المخاوف التى طالما طوقتنا واعتصرت كياننا وظن البعض أنها انتهت، لم تنته بعد، وفى مقدمتها التآمر الإرهابى الدموى المسلح الذى يهدد حياة قائد ثورة يونيو ورئيس الجمهورية الذى لن أطنب فى مسوغات احترامى له وتقديرى الذى بلا حدود لما يؤديه لأجل هذا الوطن، رغم إدراكى لثغرات عديدة موجودة فى المسار الراهن، ويهدد معه كل من هم مصنفون عند الإخوان والسلفيين وتيار التأسلم المستنير إياه من الأعداء والخصوم، ذلك أن الأمر ليس شخص الرئيس وفقط، وإنما وبالمنطق سوف يتجه الاستهداف إلى كل من يعتقد أمثال سيف عبد الفتاح، وهو من هو، بما يفترض أنه عقل وثقافة وعلم ووعي، أستاذ علوم سياسية، أنهم خطر بأشخاصهم على المشروع الإخواني.
وكما هو معلوم فإن أولئك البغاة يجدون وبسهولة وعبر المسار التاريخى للتأسلم السياسى ما يرتكزون عليه من فقه فاسد الأصول معوج الأركان ليسوغوا لأنفسهم ولمن يصدقونهم قتل الآخرين، حتى لو وصل القتل كما قال مرسى فى خطاب علني: «إيه يعنى لو ضحينا بمليون شخص مقابل أن المجتمع يبقى كويس ويعيش»!. نحن مازلنا أمام خطر حقيقى لم ينته بعد، وإنما قد يتصاعد فى المرحلة المقبلة ويستهدف دوائر بعينها وشخصيات بذاتها، لأنهم فى ظنى يراهنون على أن المزيد من القتل والدم وترويع الناس وإرهابهم يمكن أن يدفع كثيرين إلى التسليم ورفع الذراعين والكفين لأعلى حتى لو كان الثمن هو عودة السيطرة والتسلط الإخوانى الغاشم على مقاليد الحكم ومصير الوطن.. وفى هذا السياق لا أظن أن التقية التى يحيط بها السلفيون أنفسهم وأفكارهم وتحركاتهم يمكن أن يستمر انطلاؤها على أحد، لأننى أعتقد أنهم عند أول منعطف سيشعرون فيه بإمكانية عودة الإخوان تحت شلالات الدم والعنف فسوف يفصحون عن أنهم مع الحكم الإسلامي، ولا سواه وسوف يجدون عشرات المبررات الفقهية أيضا لتفسير ما اتخذوه من مسلك بعد زوال حكم الإخوان. ومن سيف عبد الفتاح الذى بقى فى مصر يقيم فى منزله ومع أسرته بعد 30 يونيو، وأذكر أننى كلمته هاتفيا أطمئن عليه, فأجابنى أنه خرج من مصر ولم يسجن أو يقتل.. منه إلى آخرين أصادفهم على الفيس بوك وأعرف بعضهم معرفة قريبة وثيقة لم يكن من بينها أن لهم اهتمامات سياسية يومية بل وأحيانا لحظية، لأنك تجد الواحد منهم وقد اتخذ من اصطياد كلمة لرئيس الجمهورية أو حركة أو لمسئول آخر أو اصطياد واقعة بذاتها، سبيلا لكى يكتب ما يظن أنه سيجعله معارضا أشوس وبطلا من أبطال رص الحروف وتنميق العبارات وإطلاق الإفيهات التعبانة ثقيلة الظل.. ورغم تفاهة ما يكتبون ووضوح أنه اصطياد واستجلاب لإعجاب المعتوهين، إلا أنه هو الوجه المتمم لما أطلقه سيف عبد الفتاح، لنجد أنفسنا أمام سعى لاغتيال الشخص وسعى لاغتيال الشخصية. حفظ الله مصر.. وحمى مؤسساتها ومن يتحملون بصدق وإخلاص وتجرد مسئولية إنقاذ الوطن.
عن الأهرام