تحت تصرف الرئيس

تابعنا على:   16:03 2019-01-29

خالد صادق

حكومة رامي الحمد الله وضعت نفسها تحت تصرف الرئيس, وقطاع غزة وضع نفسه تحت تصرف الرئيس, والضفة الغربية تحت تصرف الرئيس, ومشروع السلام كله تحت تصرف الرئيس, ورواتب الموظفين الفلسطينيين تحت تصرف الرئيس, والقدس عاصمة فلسطين الأبدية تحت تصرف الرئيس, والقضية الفلسطينية كلها بحلوها ومرها تحت تصرف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, فكيف يمكن للرئيس ان يتصرف في كل هذه الملفات الهامة التي توضع تحت تصرفه؟, هل ستبقى حبيسة الأدراج المغلقة ويتم تسكينها لأنها تحمل ألغاما متفجرة في داخلها, أم ستبدأ المغامرة بتحريك هذه الملفات وإخراجها إلى النور, ومن ثم البحث عن حلول لكل هذه الملفات التي تعاني من أزمات كبيرة, وتحتاج لجهود مضنية لإيجاد حلول لها؟

الرئيس محمود عباس يتمتع بشرعية غير منقوصة على المستوى الرسمي العربي والإسلامي, بدليل انه يتحكم في المسار السياسي للقضية الفلسطينية دون الرجوع إلى احد, فهو الذي يملك حق التوقيع على الاتفاقيات, وهو الذي يملك حق التحكم في المعابر حتى تلك المحيطة بغزة, وهو الذي يجبي أموال الضرائب ويتحكم بالمال العام ورواتب الموظفين, وهو الذي يحدد موعد الانتخابات, وموعد صرف شيكات الشؤون الاجتماعية للفقراء, ويمنح جوازات السفر وشهادات الميلاد, حتى انه يتحكم في حركة الأسواق في غزة, فإذا أعطى تحركت الأسواق ونشطت حركة البيع والشراء, وإذا منع أصابها الركود والشلل التام, فكل شيء يضع نفسه تحت تصرف الرئيس, وعليه فقط ان يحدد موقفه من كل التكليفات المناطه بسيادته.

أكثر كلمة يبحث عنها الرئيس وينتظر ان يسمعها من غزة تحديدا هي كلمة «الاستسلام», فان قالتها غزة لا سمح الله فان هذا يعني نهاية المشروع الوطني الفلسطيني, واختفاء القضية الفلسطينية عن الوجود لسنوات وسنوات, فاستسلام غزة لا سمح الله يمثل نهاية للسلطة الفلسطينية, وبالتالي هي المعركة التي على الرئيس محمود عباس ان يتمنى خسارتها, لأن غزة بمقاومتها للاحتلال, واستبسالها في وجه الإدارة الأمريكية وصفقة القرن, ونضالها من اجل الحضور الدائم للقضية الفلسطينية على مستوى العالم, وتضحياتها من اجل الصراع على البقاء وفضح الأعداء, هي التي تعزز من وجود السلطة وتضفي شرعية على الرئيس لولاها لانتهت شرعيته تماما ومنذ أمد بعيد, لان هذا العالم لا يحترم الضعفاء ولا يتعامل معهم وينظر إليهم باستخفاف وتحقير, هكذا يتعامل العالم مع الضعفاء, وسنوات طويلة من حوار السلطة مع العالم لأجل استجلاب حقوق الفلسطينيين انتهت بصفر كبير, لان السلطة كانت تحاور من مربع «الاستسلام», وهو الأضعف على الإطلاق. 

كل شيء موضوع تحت تصرف الرئيس, وهذا يحمله المزيد من المسؤولية وحسن الاختيار ما بين السيء والجيد, والتجارب أمام رئيس السلطة الفلسطينية حاضرة, والخبرة السياسة على مدار عشرات السنين حاضرة, والإخفاقات أيضا حاضرة, والانجازات ان وجدت حاضرة, فماذا لو أعاد رئيس السلطة الفلسطينية تقييم سياساته من جديد, وحساب الانجازات والإخفاقات طوال مرحلة السلام الممتدة منذ أكثر من 25 عاما, ماذا لو أعاد قراء كل مواقفه السياسية بشكل مسموع بالتشاور مع الفصائل الفلسطينية, ماذا لو أعاد تقييم مرحلة رئاسته للسلطة الفلسطينية بشرط ان يكون ذلك بعيدا عن بطانة السوء التي تحيط به من كل جانب, ماذا لو توقف قليلا للتفكير والتمعن في تلك السياسات التي أوصلت قضيتنا الفلسطينية إلى هذه الحالة التي يرثى لها, فكل إنسان يصيب ويخطئ ويحتاج من يراقب سلوكياته ويصحح مساراته, لا عصمة إلا للأنبياء فقط, وابسط حقوق المواطن على من يحكمه ان يستمع لانجازاته وما حققه من نجاحات ثم يقيم هذا الأداء فإما ان يقبله أو لا يقبله, أما ان يقوم الرئيس بتعيين حكومة, ثم يقوم بحلها, ويعمل على تشكيل حكومة جديدة وربما غدا يقوم بحلها, ويبقى القرار فرديا وبعيدا عن الإجماع الوطني, فهذا يعني أننا سنبقى في دائرة الإخفاق إلى ما لا نهاية, ولن نخرج منها أبدا, فالمطلوب ليس تغيير وجوه وأشخاص, إنما تغيير مواقف وسياسات وفق رؤية جامعة يشارك فيها كل الفصائل الفلسطينية وبما يخدم مصلحة شعبنا الفلسطيني, لذلك ننصح بأن تشكل الحكومة القادمة إذا اتخذ قرار بتشكيلها برؤية ومشاركة فصائل العمل الوطني, بعيدا عن القرار الفردي الذي اتخذته اللجنة المركزية لحركة فتح, وذلك لضمان استمراريتها, والتوافق على برنامج وطني جامع يحكم سياساتها, ويؤدي في النهاية إلى تلبية متطلبات شعبنا, فهل انتم فاعلون؟!.

اخر الأخبار