مستقبل الانقسام، إلى متى والى أين؟!

تابعنا على:   21:08 2019-01-09

د. رياض عبدالكريم عواد

في الايام الأولى للانقلاب، الذي تسميه حماس حسم، سألني أحد الأصدقاء: هل يطول عمر هذا الانقسام؟ أجبته دون تردد: خمسين سنة!!. خمسون سنة على الاقل! كما سألني آخر: مستقبل غزة لمين؟! أجبته دون تردد ايضا: لحماس!

السؤال، بعد أن تواصل هذا الذي يسمى انقسام إلى أكثر من 12 سنة، ومرشح أن يتواصل الى مزيد من السنوات العجاف، ما الذي دفعني، ودفع غيري بالتأكيد، إلى هذه الاجابات وهذا الجزم بأن يطول عمر الانقلاب ويتواصل الانقسام، هل كنا ننجم ام نقرأ الودع؟!

لا علاقة للسياسة، لا بالتنجيم ولا بقراءة الودع، ولا ايضا بالرغبات الشخصية التي تحاول أن تهرب إلى الامام، وتقدم إجابات كاذبة حتى تستريح ولا تتحمل قسطا من مسؤوليتها عن هذا الذي حدث في يونيو 2007. 

ان استخدام الشماعات في واقعنا الفلسطيني عادة مستشرية، يمارسها الكثيرون، بصلافة وقلة حيا. أما استخدام الرئيس ابو مازن كشماعة، فهذه أصبحت عادة ومن أبجديات سياسي هذه الايام الجدد، من ثوريين ومؤمنين ومصلحين. 

أن الذي حدث في 2007 له علاقة جذرية برغبة أمريكيا تسليم الحكم للاخوان المسلمين في المنطقة العربية، هذا ما أكده ربيع العرب العبري، لذلك كانت غزة هي التجربة/الاختبار والمقدمة الاولى.

كما أن هذا كان ومازال له علاقة برغبة إسرائيل وسعيها الحثيث لإضعاف السلطة الوطنية، وتوجيه رسالة للعالم انه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام. ان اليمين الصهيوني الديني كان مرعوبا من حجم الاستحقاقات التي كان يجب عليه أن يقدمها للفلسطينين من أجل السلام، لذلك انقلب عليه واغتال رموزه، بالرصاص والسياسة. كما أن هذا اليمين الإسرائيلي مازال مرعوبا من حجم التأييد العالمي، الشعبي والرسمي، لسياسة السلطة والرئيس ابو مازن الوطنية والواقعية. 

ان اشغال الفلسطينيين بقضاياهم ومشاكلهم في غزة، كان هدفا اسرائيليا من أجل توسيع وتعميق الاستيطان، والانتصار في معركة إسرائيل الحقيقية في الضفة الغربية والقدس، وهذا ما حدث وما زال يحدث، لأن المعركة المصيرية هناك في القدس والضفة. من أجل ذلك شد ابو عمار الرحال إلى هناك، وحوصر وقاتل وصمد واستشهد في المقاطعة، وهذا ما يفعله خلفه الرئيس ابو مازن، الذي يعرف الأهداف الحقيقية لدعاة الرجوع إلى غزة، كما عرفها سلفه؟!

أن الانقلاب كان رغبة وعملا وتخطيطا لعدد من دول الاقليم، تركيا وقطر، كمقدمة لتمكين الاخوان من حكم المنطقة العربية، أما إيران فإنها عملت طويلا من أجل تحويل غزة إلى منصة لإطلاق القذائف والصواريخ، وفقا لتوقيتها وحاجاتها ورغباتها ومصالحها الاستراتيجية، وفي المقدمة من ذلك التنافس مع تركيا في نهب خيرات المنطقة.

ترافق هذا الانقلاب مع ضعف شديد اعترى، ومازال يعتري، النظام العربي جعل كثيرا من دوله لا تستطيع أن تعارض الموقف الأمريكي مباشرة، مما دفعها إلى ان تغض الطرف عن كثير من المواقف، رغم تناقضها مع مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي.

من أجل كل ذلك حدث وطال وسيطول هذا الانقسام ولن ينتهي الا بانتهاء الأسباب والعوامل التي أتت به.

لقد فشل الربيع العربي وتحطم على صخرة الصمود السوري، وفشل الاخوان في الحكم وسقطوا سقوطا مدويا، كان للجيش المصري والدولة العميقة في مصر الفضل الاكبر في إنقاذ مصر والمنطقة من هذا الحكم.

لقد تفتت الدول التي وصل فيها الاخوان إلى الحكم، وأصبحت الفوضى والقبلية والعصابات المسلحة هي التي تتحكم في حياة الناس في دولة مثل ليبيا، التي يتوق شعبها للخلاص من هذا الكابوس. لقد انتفى وسقط إمكانية تقديم نموذج مقبول لحكم الاخوان في المنطقة، فالحروب والدمار والفقر والهجرة كانت من نصيب الشعوب التي ابتليت بهذا الحكم؟!

أن سياسة أوباما قد فشلت، وها هو ترامب يحاول أن يخرج من المنطقة تاركا حلفائه من خلفه عرايا. كما أن إيران تعاني من مشاكل مع العالم ومع الإقليم، إضافة إلى مشاكلها الداخلية المتراكمة.

ان مشروع الانقسام لن يستمر لانه إضافة إلى ضعف وانتهاء الأسباب الخارجية التي حملته واتت به، يحمل عوامل فشله في داخله، وذلك للاسباب الاتية:

أن القضية الفلسطينية قضية سياسية وطنية، لا يمكن لأي حلول إنسانية أن تنسي الفلسطينيين، كل الفلسطينيين بغض النظر عن خلافاتهم السياسية والايدولوجية، هذه البديهية، رغم مظاهر الإعياء واليأس التي تظهر بادية للعيان احيانا.

ان دول الإقليم وخاصة مصر لن تقبل بمواصلة حكم حماس لغزة لانها تعتبره حكما للاخوان المسلمين، الذين ترى فيهم خطرا استراتيجيا على أمنها القومي. كما لن تسمح مصر لقطر بمواصلة عبثها في قطاع غزة، حديقتها الخلفية؟!

أن موقف اليمين الإسرائيلي المتخبط في التعامل مع حماس والذي ينتهج سياسة الحلول الإنسانية مقابل الهدوء، ان هذه السياسة لن تنجح وستفشل على صخرة الطلبات الاسرائيلية الكثيرة والمتزايدة والتي لا تنتهي، وهي كفيلة بتعرية أي جهة تتعامل معها وتنزع عنها ورقة التوت. خاصة وأن المجتمع الإسرائيلي ونخبه السياسية يشهد ميلا شديدا نحو التطرف الديني والعسكرة والعنصرية والكراهية القومية وسيطرة واسعة من المستوطنين وقادة الجيش على مختلف مفاصل الحياة. هنا لابد أن يحدث الاصطدام بين الرغبة الإسرائيلية واستحالة الاستجابة لشروطها غير العقلانية، وبين الكل الفلسطيني.

أن حماس مهما فعلت لن تستطيع ان تقدم حلولا لمشاكل قطاع غزة الإنسانية والمعيشية. ان الفتات المشروط الذي تقدمه دولة قطر وغيرها لن يقدم حلولا حقيقية لمشاكل غزة الإنسانية.

أن المخزون الوطني الشعبي الهائل في قطاع غزة، رغم كل ما يعتريه من ضعف واعياء، لن يقبل بحلول غير وطنية لقضيته السياسية، وهو قادر في أي لحظة على الوقوف في وجه أي محاولات لفصل غزة عن الوطن، أو استبدال الحل الوطني بحلول إنسانية.

أن استمرار السلطة الوطنية وتعزيزها وتقويتها واتباعها سياسة وطنية واقعية، هو ضرورة وشرط هام، لتفعيل كل العوامل التي ستعجل في إنهاء الانقسام وانهيار مشروع الفصل.

لكل هذه العوامل فإن مشروع الانقسام والفصل لن يستمر وسيسقط أمام الوطنية الفلسطينية العميقة والمتجذرة، وتوق الشعب الفلسطيني الى الحرية والاستقلال والدولة. لا حل لغزة دون الوطن، ولا وطن دون غزة، والحل الأمثل انتخابات فلسطينية شاملة، لغزة والضفة والقدس، وتجديد كل الشرعيات، فهل من مستمع؟!

اخر الأخبار