مكافحة الإرهاب بالإرهاب..!؟؟

تابعنا على:   23:41 2013-10-26

باقر الفضلي

لعل مصطلح "الإرهاب" هو السمة الفارقة التي إتسم بها القرن الحادي والعشرون، والسلاح الأكثر فعالية بيد قوى الرأسمال العالمي؛ فبقدر ما للكلمة من معنى ومدلول مرعب بالنسبة للمواطن العادي، فإن لها من المدلولات السياسية والقانونية، ما أصبح ينظر اليه، بكونه سلاح ذو حدين؛ ومن هذه الزاوية، إندفعت العديد من الدول المتطورة صناعياً بالتفنن في إبتكار الوسائل العديدة، من خلال إستخدام التطور العلمي والتكنلوجيا، وإخضاعها في مجال الإستخدام الى أدوات فعالة في مطاردة "الإرهاب"، في نفس الوقت الذي تحولت فيه تلك الأدوات نفسها، الى وسائل إرهابية جديدة، تستهدف المواطن العادي رغماً عن إرادته وبغفلة من علمه..؟؟! (1)

وما ظاهرة (الطائرة بدون طيار) إلا إحدى تلك المبتكرات الحديثة في تطور العلم والتكنلوجيا في المجال العسكري، والتي شاع إستخدامها في الفترة الأخيرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كسلاح فعال في مكافحة "الإرهاب" ، حيث بواسطتها وطبقاً لإدعاء مستخدميها، يمكن ملاحقة "المطلوبين للعدالة الأمريكية" من عناصر الإرهاب المتواجدين في أراضي البلدان الأخرى، والقصاص منهم مباشرة، دون أية مقدمات، أو مقاضاة، أو أي متعلقات أخرى ذات علاقة بالإتهام؛ فكل ما يدور في هذا السياق، يظل ضمن حالة هلامية إفتراضية، يشعر عدم القيام بها أو تنفيذها في حكم التقصير والمسؤولية الخاصة، على حد تقدير الرئيس الامريكي السيد أوباما..!؟

لقد أصبحت ظاهرة إستخدام تلك الطائرات في تعقب المشتبه بهم بجريرة الإرهاب، كابوساً مرعباً لجميع مواطني تلك الدول الموصوفة بأنها من حواضن الإرهاب، مثل باكستان وأفغانستان، الأمر الذي بسببه فقد الألوف من أبنائها الأبرياء، حياتهم بسبب تلك الجريرة، بل وغدا هذا الإستخدام بمثابة كارثة نفسية بات يعاني منها حتى أولئك الأشخاص المشرفين والقائمين على إستخدام تلك الطائرات في الحقل الميداني، لدرجة أفقدت بعضهم الإحساس بوجوده الإنساني، على حد تعبير براين برايت، وهو أحد هؤلاء..؟! (2)

فقيادة تلك الطائرات لن تخرج في الإستخدام عن مهمة ذلك القناص الذي يودي بحياة الكثير ممن تتوجه اليهم فوهة بندقيته، فيا ترى كم كان بين هؤلاء من الأبرياء التي حصدتهم تلك الفوهة خارج ساحات الحروب، وكم جرى إغتيال العديد من الأبرياء من الساسة والمثقفين والفنانين ورجال الدين ومن النساء والأطفال بتصويب فوهات القنص الى أجسادهم، فكيف الأمر مع إستخدام ذلك السلاح الأعمى المشحون بالصواريخ القاتلة، وهو يحوم كغراب البين فوق رؤوس الناس الآمنين في مدنهم وقراهم ومزارعهم، إذ يدار ويقاد عن بعد آلاف الأميال من الهدف، ولا يميز بين طفل أو شيخ أو إمرأة، أو بين متهم أو بريء..!؟

إن مجرد شهادة (براين برايت)، المحترف في إستخدام هذا السلاح، وحدها كافية لتعطي الدليل المقنع والوافي لعدم شرعية مثل هذا السلاح، ولا قانونيته، وإن مجرد إستخدامه يمثل إنتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، فطبقاً لمقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بن أميرسون " فإن هجمات الطائرات بدون طيار الأميركية ترتبط، وفق القانون الدولي، باستخدام القوة على أرض دولة أخرى بدون موافقة ومن ثم تعد انتهاكا لسيادة باكستان، طبقاً لما أوردت الأمم المتحدة." (3)

ومع أن أمريكا هي الدولة الأكثر تفرداً في إستخدامها للطائرات بدون طيار، ورغم الإنتقادات الكثيرة الموجهة لهذا الإستخدام ومنها الأمم المتحدة، نتيجة للنسبة الكبيرة لعدد الضحايا من المدنيين الأبرياء، ، فلا يألو الرئيس الأمريكي السيد أوباما جهداً في الدفاع عن إستخدام تلك الطائرات؛ " قائلا إنها أثبتت نجاحها، وكشف عن وثيقة توجيهات جديدة حول عملها مضيفا: "العمليات الإرهابية أوقعت خسائر أكثر بكثير من الطائرات العاملة دون طيار،" ردا منه على الانتقادات التي تشير إلى الخسائر البشرية الناتجة عن تلك الضربات الجوية."(4)

إن مجرد التنصل عن تحمل أي مسؤولية قانونية أوإخلاقية، عن تبعات إستخدام سلاح الطائرات بدون طيار، من قبل الدول المستخدمة لمثل هذا السلاح، إنما يضعها في مصافي تلك الدول التي تخرق القانون الدولي، فالقنص الذي تمارسه بواسطة تلك الطائرات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، إنما يعني من جانب آخر ومن جهة القانون الدولي وحقوق الإنسان، تجاوز على الحدود المنطقية والشرعية لمبدأ ( الدفاع الشرعي عن النفس)، وهو بمثابة إرهاب معاكس، مبطن بشرعية مفترضة لمكافحة الآرهاب، وفيه إنتهاك فض لسيادة الدول التي تنتهك سيادتها من قبل تلك الطائرات تحت تلك الذريعة، الأمر الذي يستوجب أن يؤخذ من قبل الأمم المتحدة على محمل الجد، خاصة وأن الأمثلة المشهودة على ذلك أصبحت في متناول المنظمة بشكل لا يمكن التهاون معه في وقت يسقط فيه الكثير والكثير من الضحايا الأبرياء بوابل صواريخ تلك الطائرات القاتلة، التي باتت ما توقعه من الضحايا بمثابة جرائم حرب تستوجب المقاضاة..!!؟؟(5)

باقر الفضلي _ 25/10/2013

اخر الأخبار