(سِرّ حنظلة)

تابعنا على:   14:19 2014-05-27

حسام شحادة

أفقد الاحساس بالمحيط القريب، رويداً رويداً، انصهر قي تفاصيل الحكاية، أراني استدعي معطفي المُهمل لأتدثر به من وحشة، وقساوة العالم، على فنان يعرف اللغة الكونية، ويدرك المسافة بين السماء والأرض. على مهلٍ تمر الحكاية، في تواطؤ مقصود مع التاريخ، لا قفزات، لا شطحات، لا قصاصات ورق مهمل، بل لقطات تتهادى كموج يغازل قدمي أُنثى، محبوكة كمطرزة في ثوب عتيق، أنني منحاز لهذا الانتاج الفيلمي، عنصري اتجاه الابداع والمبدعين، أصابوا أم أخطأوا الهدف، ففي الحالتين سوف نتعرف من خلال أعمالهم على ذواتنا الناقدة، والمتحررة، فالصورة كموضوع تهبنا الحرية الأصيلة في التصرف، الفهم، التفسير، لموضوعها، فمن خلالها نمارس سلطتنا البصرية الطليقة الحرة، نتشوق كما نريد، نُجذب بإرادتنا وبتواطؤ مع الحدث، إلى التسلسل الكرونولوجي للأحداث، أو نختار الانسحاب الهادئ المهذب من قاعة المشاهدة، إلى حيز الحوار عن دواخلنا وأفكارنا، مع قليل من القهوة وكثيرٍ من الشعور بالعظمة الداخلية لقوتنا وتحليلنا، إن هذا أعلى مستوى من الحرية الذاتية في الفهم، التصرف، التفسير، دون خوف أو تردد، فمازل هناك متسعٌ، وتوافر في الواقع لأن نمارس قوتنا الداخلية، ونُسقط ما نريد على الصورة، نُحاكمها، نُقيدها، نَكسرها، نَطير بها فالمعنى بدواخلنا، وقدرة الصورة على تحرير كل تلك الطاقات، هو المعنى الحقيقي لنجاح المشهد، ونجاح استنطاق الحرية بدواخلنا.

لذلك كله أرى أنه من الوفاء، أن أشكر المخرج الفلسطيني، فايق جرادة، والأديب والناقد السينمائي د.الحبيب ناصري، على ما اتحفونا به اليوم من مشاهدة لـ فيلم " ناجي العلي في حضن حنظلة"، إن هذه المادة الفيلمية، بقدر ما تؤسس لفكرة الثقافة البصرية، وإعادة انتاج النضال الوطني الفلسطيني من خلال استخدام أدوات الفهم الحر والطليق، بقدر ما تمنحنا الفرصة لممارسة حقنا الطبيعي في نقد هذا الفن، ومحاولة إعادة إنتاجه بشكل يمكن توظيفة من جديد، ليجعلنا أقرب ما نكون من استيلاد علاقات تفاعل بين ما هو انساني، ووطني، لتطوير نموذج نضالي زاخر بتفاصيل الابداع الانساني، مكمل لمنطق البندقية، فهو مَنْ يقدم لها الشرعية، ويحميها من تقلبات الزمن، وكذبات التاريخ، فالقوى الناعمة أكثر إثارة للوجدان الانساني.

كما ويخبرنا الفيلم أن ناجي العلي لم يكُ رساماً، كاريكاتورياً، إصطناعياً، أو صنمياً، ولم يكُ راضٍ بحالة السكون، المهادنة، والخنوع، بقدر ما كان انساناً متمرداً بالفطرة على الظلم، وبطبيعته هذه حرك الكاريكاتور من حالته الصنمية، ليجعل منه لاعب رشيق في النادي الاجتماعي، الثقافي والسياسي، له وزنه، وقدرته الفذة في احراز الاهداف، وله جمهوره العريض، وعلى الرغم من أن الفيلم تناول ناجي العلي من جوانب متعددة إلا أنه لم يفلح في الإفلات من فخ التكرار في التعليق، والشهادات، على حد سواء، كما أن المادة المحكية في الفيلم لم تتعمق كثيراً في تفاصيل الإبداع الفني لفن الكاريكاتور عند ناجي، ولم تعالج هذا الفن في زمنه الحالي بقدر ما كانت موغلة في تفاصيل الأمس، مع أن بعض الشهادات كانت مدركة بشكل واعي لقوة الخط الزمني في رسومات ناجي، والحضور القوى لحنظلة في الحياة اليومية الحالية، ولكنها كانت اشارات سريعة في زمن الفيلم.

ففي الوقت الذي نحاول فيه التعرف على حنظلة ناجي، وتحليل رموزه المتنوعة، من خلال الصورة ،البحث، الفيلم، والنقد، لم نفطن إلى خدعة هذا السامق نصاً، رسماً، ورحاً، حين سافر مطمئننا بعد أن وضع لنا فخاً حنظلياً، يقول: " حنظلة لن يدير وجهه لنا إلا عندما تستعيد الأمة العربية كرامتها " فهل علينا سبر أغواره بمزيد من التحليل، أم علينا الإجابة عن المعنى الكامن في روح الرسام ألا وهو: متى يكشف حنظلة وجهه لنا ؟؟

اخر الأخبار