على هامش مؤتمر اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

تابعنا على:   22:17 2018-09-29

د. حسين المناصرة

العلم ماء الحياة، والثقافة، سواء أكانت رسمية أم شعبية، خبزها!! أما الإنسان فهو صانع العلم والثقافة، وهو وحده القادر على أن يجعل الحياة مشرقة بالخير والحق والجمال، وفي الوقت نفسه هو وحده من يجعل هذه الحياة تمتلئ بالجهل والفقر والمرض. ومهما تكن درجة الظروف الطبيعية والكونية قاسية، فإن السعادة تكون في اليد، والمهم كيف نعرفها، ومتى نجعل الواقع يخدمنا بحريتنا، لا أن نكون عبيدًا لمصالحنا الخاصة على حساب مصلحة الوطن والأمة.
من هذا الوعي جاءت انطلاقة اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب انطلاقة علمية حضارية، صحيح أنها انطلاقة متأخرة نسبيًا، لكنها جاءت على أية حال في وقتها المناسب؛ فأن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي أبدًا. الحاجة أم الاختراع؛ لذلك كانت حاجتنا إلى هذا الاتحاد تشبه الاختراع؛ فبارك الله في العقول التي فكرت بإنشائه، فأبدعت هذا الاتحاد الذي يمثل شريحة كبيرة جدًا في مجتمعاتنا، شريحة كانت تهمش في البنيات الاتحادية الماضية، لذلك تجد الأكاديميين والعلماء مشتتين، ينتمون إلى اتحادات ونقابات وروابط وأندية كثيرة، وربما يكون لهم دور جوهري في هذه الكيانات، لكنه لن يغني عن البنية الخاصة المستقلة. 
ثم جاء هذا اليوم ليضم الأكاديميين والعلماء في اتحادهم الخاص بهم، فنتعرف فيه الأكاديمي في مستوى معاييره الخاصة به، والعالم الذي لا بدّ أنه تجاوز الأكاديمي ليتمتع بخصوصية خاصة جدًا به، تميزه عن غيره من الأكاديميين، وتجعله يستحق أن يكون في مرتبة العالم.. وما أكثر علمائنا العرب الذين هجروا أوطانهم، وصاروا غربيين، يجدون الأماكن المناسبة لاختصاصاتهم في غير بلدانهم، وكانت هجرتهم بعد أن عينوا معلمين للفيزياء أو الكيمياء في مدارسنا الابتدائية والمتوسطة.
أذكر عندما كنا ستة طلاب في تمهيدي ماجستير بالجامعة الأردنية، وكان أحد أساتذتنا العالم الجليل الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد رحمه الله، فبعد أن اختبرنا الاختبار الأول، طرد أحد زملائنا من الجامعة الأردنية بسبب أنه يكتب النون بسنتين، وعنده أخطاء إملائية أخرى أيضًا، وقال له : إن عدت إلى الجامعة، سأعيدك إلى البكالوريوس!!
عشنا بعد طرد زميلنا بقية الفصل ونحن ننتظر أن يطرد الثاني ثم الثالث.. ولكننا عندما حصلنا على درجة جيد في مقرره " موضوع خاص في الأدب الجاهلي"، ودعنا مبتسمًا مرحًا، ثم أعطانا أرقام هواتفه للاتصال به في أي وقت نحتاج منه إلى مساعده...وأذكر أنه قال لنا : أنتم الآن في طريقكم إلى أن تكونوا علماء في العربية.

كانت هذه العبارة أعظم شهادة يمكن أن نعتز بها في حياتنا، لأنها أكدت لي شخصيًا أنني لن أقبل أن أكون عالمًا في أي يوم من الأيام ...فأنا طالب علم.. وكلنا كذلك. ولا أظن أن أحدًا منا الخمسة (عادل الأسطة، وإبراهيم أبو هشهش، وبسام قطوس، ومحمود السرطاوي، وحسين المناصرة) اتصل بأستاذنا الدكتور ناصر الدين الأسد، ربما رهبة منه، أو من علمه على وجه التحديد!!
أتمنى أن يسعى اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب – برعاية عربية مؤسسية رسمية أو أهلية- إلى تأليف معجم عربي شامل للعلماء العرب في العصر الحديث، الذين غادروا الحياة إلى الآخرة؛ كي تبقى أعمالهم متاحة لنا ولأجيالنا القادمة. ويمكن أن يكون المعجم سلسلة كتب، كل كتاب يضم مئة عالم عربي على سبيل المثال!!
تبدو شؤون الأكاديميين والعلماء العرب متعددة الجوانب، وهي تحتاج إلى تكاتف جهات مؤسسية كثيرة في رعايته، بدءًا من جامعة الدول العربية، ووزارات التعليم العربية، والجامعات والمعاهد العلمية، والمؤسسات التربوية والثقافية... إلخ. 
إن اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب لكل الأكاديميين والعلماء العرب... إنه بيتكم ولا بدّ أن تسكنوه، وتبنوا فيه منجزاته العلمية والمعرفية؛ لأنها منكم وإليكم في وطننا العربي موحدًا في رؤاه العلمية وأهدافه الأكاديمية.

اخر الأخبار