42 عامًا على رحيل "المضحك الحزين".. إسماعيل ياسين تربع على عرش الكوميديا ورحل مفلسًا

تابعنا على:   14:43 2014-05-24

فى مثل هذا اليوم قبل 42 عامًا، رحل الفنان إسماعيل ياسين الذي لا يزال الممثل الكوميدى رقم واحد بمعدلات المشاهدة السينمائية على شاشات الفضائيات، بعدما قدم تركيبات سينمائية لم تتح لممثل كوميدى مثله، حتى أنه كان النجم الكوميدى الوحيد الذى قدم سلسلة من الأفلام تحمل اسمه، وهى السلسلة التى ما زالت الأشهر، والأكثر انتشارًا، وتفضيلًا لدى الكبار والصغار.

واختصر النجم الكبير عادل إمام حب الناس لإسماعيل ياسين فى عبارة موجزة قالها العام قبل الماضى بعد انتهاء عرض مسلسله "فرقة ناجى عطالله " والذى كان قد استشهد به فى مواقف من الأحداث قال إمام: "تعمّدت ذكر إسماعيل ياسين داخل سيناريو حلقات مسلسل "فرقة ناجي عطالله"، لأن إسماعيل ياسين فنان كبير وصاحب مكانة كبيرة في قلوب الجماهير في الوطن العربى، فكلما ذهبت لدولة عربية أجدهم يحدثوننى عنه وكأنه ما زال بيننا".

وقال عنه الفنان الراحل أحمد رمزى، إنه عمل معه "ابن حميدو" فى العين السخنة والفيلم تكلف 18 ألف جنيه، وحقق 300 ألف فى فترة لم يكن فيها أى فيلم يحقق مثل هذه الأرقام، وأنه فنان لا يتكرر.

واجه فى مشواره انتقادات وهجومًا عنيفًا من قبل البعض، وصفه كثيرون بأنه ناتج عن غيرة كونه تصدر أفيشات السينما لسنوات، لكن كثيرون يعترفون بأهميته ودوره، حتى أن هناك من يرونه صانع البهجة فى السينما المصرية، وأن أفلامه كانت تعرض على شاشات فى الخلاء لشعوب عربية عانت من ويلات الحروب، وهو ما حدث فى اليمن، حيث كانت القوات المسلحة المصرية تفعل ذلك لليمنيين للترويح عنهم.

وقد واجه فى مشواره مواقف تشبه الكوميديا السوداء من شدة قسوتها، لكنه كان يواجهها بابتسامته الحزينة التى رحل وهى ترتسم على وجهه. ففى حوار كانت قد أجرته معه مجلة "الكواكب" فى عدد فبراير عام 1967 كان عنوانه "الحكم بالإعدام على إسماعيل يس"، وكان سبب العنوان هو رسالة قالها إسماعيل يس وفرقته بسبب توقفه عن العمل؟

وقال إسماعيل يس إنه كانت لديه مسئولية كبيرة، وهى إسعاد الناس، وفجأة تخلى عنهم للحظات، ولكن ليس هذا ذنبه؛ لأنه مرض بسبب الإرهاق فى العمل، وقال الأطباء إن مرضه عبارة عن "ماء على الرئة". ولكن الحقيقة غير ذلك، فعندما خرج من المستشفى وجد فرقته متوقفة، ولم تفكر الدولة فى مساعدة الفرقة ولو بمبلغ بسيط، واعتبر هذا منتهى الجفاء والقسوة.

لم يفاجأ إسماعيل بهذا فقط، وإنما وجد مصلحة الضرائب تطالبه بـ"21 ألف جنيه" تقريبًا قيمة ضرائب من عام 1950، وتم الحجز على بيته وسيارته.

أرسل إسماعيل يس خطابًا إلى الرئيس الراحل عبدالناصر شرح فيه ما يعاني، وأنه تعب من عدم العمل، وفى آخر كلامه قال "أرجو أن أعود للعمل.. فالعمل هو صحتى وحياتى، وألا يكون هناك حكم بالإعدام ضدى فأموت.. عاطلاً.. بائسًا.. تملأ الدموع عينى بعد أن ملأت قلوب الناس بالأفراح".

ويبدو أن هذا هو حال المضحكون فى الحياة، ومن يرسمون البهجة على وجوه البشر، أن ترد إليهم دموعًا وهمومًا وبكاء، إسماعيل ياسين ولد في محافظة السويس وهو الابن الوحيد لصائغ ميسور الحال في شارع عباس بمدينة السويس، وتوفيت والدته وهو لا يزال طفلًا.

التحق إسماعيل بأحد الكتاتيب، ثم تابع في مدرسة ابتدائية حتى الصف الرابع الابتدائي، عندما أفلس محل الصاغة الخاص بوالده نتيجة لسوء إنفاقه، ثم دخل والده السجن لتراكم الديون عليه، اضطر الفتى للعمل مناديًا أمام محل لبيع الأقمشة، فقد كان عليه أن يتحمل مسئولية نفسه منذ صغره، ثم اضطر إلى هجر المنزل خوفًا من بطش زوجة أبيه ليعمل مناديًا للسيارات بأحد المواقف بالسويس.

فى بداية الثلاثينيات، وكان عمره 17 عامًا انتقل الى القاهرة حيث عمل صبيًا في أحد المقاهي بشارع محمد على وأقام بالفنادق الصغيرة الشعبية.

ثم التحق بالعمل مع الأسطى "نوسة"، والتي كانت أشهر راقصات الأفراح الشعبية في ذلك الوقت، ولأنه لم يجد ما يكفيه من المال تركها ليعمل وكيلاً في مكتب أحد المحامين للبحث عن لقمة العيش أولاً، ثم عاد يفكر مرة ثانية في تحقيق حلمه الفني فذهب إلى بديعة مصابني، بعد أن اكتشفه توأمه الفني وصديق عمره وشريك رحلة كفاحه الفنية المؤلف الكوميدي الكبير أبوالسعود الإبياري، والذي كون معه ثنائيًا فنيًا شهيرًا، وكان شريكًا له في ملهى بديعة مصابني، ثم في السينما والمسرح، وهو الذي رشحه لبديعة مصابني لتقوم بتعيينه بفرقتها، وبالفعل انضم إلى فرقتها ليلقي المونولوجات في ملهى بديعة مصابني.

استطاع إسماعيل يس أن ينجح في فن المونولوج، وظل عشر سنوات من عام 1935- 1945 متألقًا في هذا المجال حتى أصبح يلقى المونولوج في الإذاعة نظير أربعة جنيهات عن المونولوج الواحد شاملاً أجر التأليف والتلحين، والذي كان يقوم بتأليفه دائمًا توأمه الفني أبوالسعود الإبياري.

وفى عام 1939 كان بداية دخوله السينما، عندما اختاره فؤاد الجزايرلى ليشترك في فيلم (خلف الحبايب). وقدم العديد من الأفلام لعب فيها الدور الثاني من أشهرها في تلك الفترة (علي بابا والأربعين حرامي)، و(نور الدين والبحارة الثلاثة)، و(القلب له واحد)، وقدم إسماعيل ياسين أكثر من 166 فيلم في حياته.

ومع بداية عام 1955 كون هو وتوأمه الفني أبوالسعود الإبياري مع المخرج فطين عبدالوهاب ثلاثيًا من أهم الثلاثيات في تاريخ السينما المصرية، وتاريخ إسماعيل ياسين وأبوالسعود الإبياري أيضًا فقد عملوا معًا في أفلام عديدة.

ويذكر أن 30% من الأفلام التي قدمها نجم الكوميديا كان وراءها المخرج فطين عبدالوهاب، وكانت تحمل أغلبها اسم إسماعيل ياسين، حيث أنتجت له الأفلام باسمه بعد ليلى مراد، ومن هذه الأفلام إسماعيل ياسين في متحف الشمع- إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة- إسماعيل ياسين في الجيش- إسماعيل ياسين في البوليس– إسماعيل ياسين في الطيران– إسماعيل ياسين في البحرية– إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين– إسماعيل ياسين طرزان- إسماعيل ياسين للبيع، والتي كان معظمها من تأليف أبوالسعود الإبياري.

ولازمه في هذه الأفلام الممثل رياض القصبجى الشهير بالشاويش عطية، حيث كانت مشاهدهما– ولا تزال إلى الآن- محطة مهمة في تاريخ الكوميديا والتي يستمتع بها الجمهور حتى الآن بسبب المفارقات العجيبة والمواقف الطبيعية والمقالب التي يدبراها لبعضهما البعض، كما شاركهما التمثيل في بعض هذه الأفلام عبدالسلام النابلسي.

ولأن إسماعيل ياسين لم يكن من المقربين من المسئولين في الحكومة، فقد فوجئ بتراكم الضرائب عليه، وأصبح بين عشية وضحاها مطاردًا بالديون وحجز علي العمارة التي بناها بكفاح عمرة؛ لتباع أمام عينه، ويخرج من رحلة كفاحه الطويلة خالي الوفاض، فاضطر إلى حل فرقته المسرحية عام 1966.

سافر ياسين إلى لبنان وعمل في بعض الأفلام القصيرة منها (فرسان الغرام، وكرم الهوى، ولقاء الغرباء، وعصابة النساء)، وعمل مرة أخرى كمطرب للمنولوج، كما بدأ ثم عاد إلى مصر محطمًا كسيرًا، وعمل في أدوار صغيرة لا تتناسب مع تاريخه الحافل، ولم يرحمه أحد أو يقدره أحد.

وبينما كان الرئيس السادات يفكر في تكريم هذه القيمة الفنية غير المسبوقة في تاريخ الفن المصري الشريف، فقد وافته المنية في 24 مايو 1972 إثر أزمة قلبية حادة قبل أن يستكمل تمثيل دوره الأخير والصغير في فيلم بطولة نور الشريف؛ ولذلك كان يسمى (بالمضحك الحزين).

اخر الأخبار