الشعب يريد...لنعود له ونساله عن مستوى رضاه

تابعنا على:   18:42 2014-05-22

فضل سليمان

 خلال اجتماع ضم مجموعة من موظفي احدى الوزارات بوجود وكيل الوزارة، وخلال نقاش حول مستوى الانتماء للعمل والفكرة، طلبت الاذن بالحديث وقلت، هل سبق لهذه الوزارة او اي من الوزارات الاخرى، ان رجعت للموظفين والعاملين فيها باستبانة لتقيس مدى الرضى لديهم؟

 او هل قامت اي من الجهات الرسمية بجهد يهدف لمعرفة مستوى رضى الناس والفئات المستهدفة والمتلقية للقرارات والخدمات التي تقدمها، على الاصعدة المختلفة، اكانت سياسية او تنموية او خدماتية او مالية او غيره؟ .... ورايت اثناء حديثي ايماءات من الحضور توافقني الراي ، وبدأ الموظفون يحاولون الحديث بما يؤكد ما قيل ومدى اهميته، الا ان وكيل الوزارة اصر على ان يكون الحديث اولا له من اجل تبرير موقف الوزارة.

لماذا لا يعود القادة السياسيون للناس لسؤالهم عن رايهم بكيف تدار شؤون السياسة، او قادة (NGOs) ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاهلية القاعدية لمن يقدمون لهم المشاريع ليسالونهم عن رضاهم عن مستوى العدالة في توزيع المشاريع والفرص، ولماذا لا تعمل المجالس المحلية والبلدية والقروية على تاسيس ثقافة قياس مدى رضى المواطنين عن نزاهة تقديم الخدمات وجودتها ، من خلال ما يسمى ببطاقة راي المواطن مثلا؟

 ولم نسمع ايضا من الامناء العامين للاحزاب السياسية والفصائل ومكاتبها، ولا من الامناء العامين للنقابات والاتحادات النقابية، ان قاموا بسؤال من هم في قاع السلم عن ارائهم ومواقفهم من مستوى الانجازات او الاخفاقات، او مستوى الديمقراطية او الدكتاتورية باتخاذ القرارات، والطريقة سهلة جدا تكمن في البدء بتوزيع ما يسمى ب(بطاقات راي المواطن)

لقد تطورت بطاقة راي الموطن من خلال تجربة بنغلور في الهند وانتقلت إلى عدة بلدان مثل فيتنام والفلبين وأوكرانيا وطاجاكستان وإثيوبيا. وتعتبر البطاقة من أهم الوسائل العالمية المتاحة من أجل تحسين القيادة والادارة وعمليات تقديم الخدمات. فهي توفر التغذية الراجعة من خلال نماذج مسوح حول جودة القرارات والخدمات كما يفهمها المستفيد منها، كما أنها تساعد الهيئات الرسمية على التعرف على نقاط الضعف والقوة في عملهم. وتعمل هذه البطاقات كنوعٍ من المسوح العشوائية لآراء العامة حول القرارات والخدمات والمساعدات والفرص المختلفة المقدمة لهم، لتكون حصيلة خبرات العامة بمثابة أساس لتقييم تلك القرارات والخدمات.

وتساعد البطاقات في رسم وتحديد أولويات الإصلاح والتعديلات المنوي إجراؤها، من خلال تسليط الأضواء على المشاكل الأبرز، ويمكن للبطاقات أن توفر قاعدة دقيقة وأجندة عمل مفيدة تمكّن وحدات الحكم والمواطنين من إطلاق حوار ونقاش يهدف إلى تطوير القرارات والخدمات العامة.

فالبطاقات ترصد أراء المواطنين بأسلوب واضح وبسيط وخال من الغموض وقادر على التعرف على مواطن رضا الناس وعدم رضاهم، وعندما تتم دراسة أراء الناس من حيث درجة الرضا أو عدم الرضا بصورة مقارنة، يتوفر لنا معلومات هامة لتصحيح ترتيب أولويات العمل. مثلا، يمكن أن يعطي مواطن رأيه في خدمات الكهرباء ويصفها بأنها غير مرضية على الاطلاق. وللتعامل بأفضل الطرق مع مثل هذا الرأي ينبغي مقارنته مع التقييم الذي أعطاه نفس الشخص للخدمات الأخرى- أي يمكن أن يكون هذا الشخص قد أعطى تقييما أسوأ لخدمات المياه من ذلك الذي وصف به خدمات الكهرباء. وعندما نقارن هاتين المعلومتين- يمكننا رغم إدراكنا لعدم الرضا عن خدمات الكهرباء أن نمنح الأولوية في التصحيح لخدمات الماء.

 

فالبطاقات تستفسر عن مسائل محددة تتعلق بالتداخل بين هيئات تزويد الخدمات والمساعدات والمواطنين، وتسعى إلى تحديد القضايا التي يواجهها الجمهور من خلال تعامله مع ما يقدم له، وبشكل اكثر بساطة، فإن البطاقات تشير إلى أن عدم الرضا له أسبابه التي يمكن أن تكون مرتبطة بجودة القرار او الخدمة المقدمة للمواطن (مثل قرار العودة للمفاوضات مع الاسرائيليين او الثقة بخدمات الكهرباء أو بتوفر الدواء في المستشفيات العامة او ضعف الخدمات الطبية لضعف الرقابة عليها)، أو حتى بالصعوبات التي يواجهها المواطن مع المؤسسات عندما يطرح مشاكله المتعلقة بتلك الخدمات ويحاول حلها – مثل استلام ودفع الفواتير أو الشكوى من انقطاع الخدمة او المساعدة، او المطالبة بنتائج تحقيق اللجان المشكلة بعد الاخطاء والاهمال الطبي.

رغم انتشار الفساد وصعوبة السيطرة عليه غالبا ما يكون الحديث عنه على هيئة أقاويل وقصص دون توفر أية بيانات محددة، الأمر الذي يجعل عمليات الإصلاح والتدخل الجماعي صعبة وغير فاعلة، وهنا ايضا توفر بطاقات رأي المواطنين معلومات موضوعية حول طبيعة الفساد وحجم انتشاره، إلى جانب التكاليف الغير ظاهرة، وهي ربما تكون أداة لاختبار النشاطات المتعددة التي يرغب المواطنون بتجربتها- إما بصورة منفردة أو جماعية للوصول إلى حلول للمشاكل التي تواجههم. فمثلا، يمكن للبطاقات أن توفر معلومات حول ما إذا كان المواطن مستعد لدفع مبالغ أكبر لقاء تحسين مستوى الخدمات، أو إذا كان مستعدا للاشتراك في مجموعات ضغط من اجل تغيير ايجابي في الحياة وجودتها.

واذا كانت الحكومات تحتاج الى معلومات كمية ونوعية خاصة بالمعايير السائدة وبالفجوات في الخدمات العامة المقدمة، فالبطاقة تساعد بذلك كما يمكنها قياس مستوى الوعي الجماهيري حول حقوق المواطن وواجباته، وهذا ما يجعلها أداة فاعلة عندما تكون عملية مراقبة مستوى الاداء ضعيفة لسبب قلة موارد الاجهزة الرقابية كما يحصل في المجالس المحلية والبلدية ، حيث توفر البطاقات صورة مقارنة حول مستوى الاداء من حيث الانصاف والعدالة في التوزيع وتمكننا من مقارنة المعطيات في المواقع المختلفة / التجمعات السكانية، لتحديد البؤر التي تعاني من فقر شديد في مستوى الخدمات العامة المقدمة.

وتكشف البطاقات عن المناطق التي لم توف فيها المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات بتعهداتها المقررة أو أنها لم تلتزم بالمعايير المحددة لمستوى الخدمات. ويمكن للنتائج أن تستخدم لتحديد مناطق التطوير الضرورية وإلزام الجهات المعنية بتطبيقها، كما تحفز المسئولين على العمل لتحقيق قضايا مطلبيه بعينها.

إذا ما انتظمت عمليات جمع البطاقات بصورة دورية، يمكن للمعلومات الواردة فيها أن ترصد التغيرات الحاصلة في الخدمات المقدمة بين فترة وأخرى، فمقارنة نتائج البطاقات عبر المراحل المختلفة من شانه أن يكشف عن التطورات أو التراجعات في تقديم الخدمات، وبنفس الطريقة، فإن العمل بالبطاقات قبل وبعد البدء ببرنامج جديد أو سياسة جديدة، يمكّن من قياس أثر ذلك البرنامج أو السياسة بصورة دقيقة.

وللكشف عن التكاليف غير الظاهرة يمكن للمعلومات الراجعة من المواطنين أن تكشف عن نفقات أو أثمان تفرض على المواطن إضافة للرسوم القانونية لتمكينه من الاستفادة من الخدمات العامة، وبذلك يمكن للبطاقات أن تكشف معلومات عن حجم السكان الذين يدفعون رشاوى ( إما مفروضة عليهم أو يدفعونها من تلقاء أنفسهم)، وحجم هذه الدفعات، وتقدير الموارد الخاصة التي تنفق لتغطية العجز في خدمات القطاع العام.

ولكن يبقى ان نشير الى انه من أجل القيام بتنفيذ بطاقات راي المواطن، من اجل دراسة مواقف وتوجهات ومستوى رضى الناس، ينبغي للجهة المنفذه ان تتحلى بثقة المدينة أو المنطقة أو القطاع الذي تنوي العمل معه، وان تتمتع بالحياد السياسي، وان تكون ايضا مستعدة للكشف عن المعطيات السلبية والايجابية.

اخر الأخبار