الفخر بالمأزق!

تابعنا على:   17:47 2013-10-25

بكر أبو بكر

إن فضيلة الاعتراف يجب أن تكون سمة السياسي كما هي سمة الإنسان الصالح عامة ، ففي الاعتراف اكتساب للمصداقية كما هو تحقيق لعملية التنقية الذاتية والتطهير، أو ما تسميها الجماعات والأحزاب المراجعات حين ارتكاب الأخطاء، والنقد الذاتي.
تميزت حركة فتح بفضيلة الاعتراف إلى الحد الذي لم يعد السر سرا داخل الحركة ، ما هو سياق ديمقراطي (سكّر زيادة) كما كان يقول الراحل ياسر عرفات، و لأن حركة فتح إطار رحب منفتح يشمل كل فئات الشعب باختلافاته بل وتناقضاته فهي لا تمسك عصا أو لا تتعامل بيد من حديد مع أصحاب الرأي داخل الحركة أبدا، بل وخارجها.
تقرأ اليوم للنائب عن حركة فتح جمال حويل وعلى فضائية القدس رفضه للمفاوضات والاعتقالات وللتنسيق الأمني ويخرج نبيل عمرو على فضائية معا ليقرر إن في حركة فتح صراع داخلي كبير ، ويشير لوجود تذمر قيادي وقاعدي منفصلا ، و تقرأ سوى ذلك من الآراء المعارضة في إطار الرحابة والاحترام.
وإن كنا نود إن تتحلى "حماس" بفضيلة النقد الذاتي والمراجعات إلا أن ضعف أو العدد القليل لمثل هذه الأصوات النقدية، يشير إلى صلابة الفكرانية (الايدولوجية) اليابسة التي يتم تعبئة الكوادر بها منذ الصغر، واليكم اعتراف صريح من صلاح البردويل الذي يقول على قناة الأقصى في 22/10/2013 إن حماس (عنيدة جدا) وعندما يشير إلى خطاب هنية من أيام يقوم بتنزيهه فهو (لا ثغرة به) ويعمد لشتم المخالف له أي حركة فتح بالقول إنها ( بلا برنامج ولا رؤية وبلا رصيد شعبي وبلا مستقبل) و كأنه يضرب بالودع مضيفا أن (ليس أمامها إلا أن تخربش حماس وتشوه صورتها).
في السياق كان كل من هنية ومشعل في خطابيهما يوم 19/10/2013 قد أكدا التفوق وأن لا أزمات في حماس أو مآزق أبدا (فالقسام صانعة النصر التي هزت نظرية الأمن الصهيوني وأنجزت نصرا تاريخيا ) بحيث أنهم في حماس حققوا أيضا (نصرا في التفاوض وفرض شروط المقاومة على العدو).
وإذ يثق هنية بوعد الله بالنصر ونشاطره هذه الثقة للمؤمنين الموحَّدين (بفتح الحاء) فيقرر أنه (يخرج من كل محنة أشد عودا و أقوى شكيمة ) و (الحركة موحدة في مواقفها و قراراتها القيادية و في رؤيتها وسياساتها تجاه مختلف القضايا والأحداث في الساحة الفلسطينية وفي المنطقة ) مضيفا (ولم تكن الحركة موحدة على هذه الدرجة كما هي اليوم) ما أكده مشعل أيضا قائلا إنهم لا يعتذرون لأنهم لم يخطئوا، ويضيف هنية بثقة و كبرياء إن حماس (فخورة بما أخذته من مواقف سياسات طوال السنوات الماضية ) لذا فهي (لا تغازل و لا تستجدي ولا تندم ولا تعتذر.....) بل (لا تشعر أنها في مأزق) كما يقول، وهذه الطامة الكبرى أن تعتقد أنك نور كامل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه.
إلا أن هول الأحداث جعلت ناطقا باسم حماس في 23/10/2013 على قناة الأقصى التابعة لحماس في غزة يقرر أن (كل المنطقة تمر بحالة أزمة ولا يوجد طرف لا يمر بهذه الأزمة ) مكذبا كل من هنية ومشعل اللذان رفضا أن يشملا بالأزمات أو المآزق كليا.
ورغم ذلك فان ما قاله أبو زهري مؤشر ديمقراطي جيد يتم فيه تجاوز علوّ الصوت في الخطابات الحاشدة التي تبغى تسويق الأمل أكثر من ذكر الحقائق.
ويضيف أبو زهري مخالفا المكتب السياسي لحماس أيضا ربما دون أن يدرك إذ يقول ( إننا بحاجة إلى إعادة تقييم موقف ، والتوصل إلى صيغة ....لمواجهة التحديات ) ما يعني اعترافا بالأزمة وممارسة خجولة لفضيلة الاعتراف والنقد.
وإننا إذ نتفهم كبرياء حماس الجريحة من خلال خطابي مشعل وهنية رغم أن الخطاب الأول لم يحظى بالتغطية كما الثاني فان ياسر الزعاترة من حماس في الأردن قد خالفهما كما فعل أبو زهري موضحا أن حماس في مأزق حقيقي من عنوان مقاله الذي حمل عنوان (خطاب هنية في ظل مأزق حماس) ثم يطرح حلا تحت عنوان (كيف يمكن لحماس أن تخرج من مأزقها... ) في سياق شتائم للأطراف المخالفة، إلا أن ما نحب الإشارة له من كل ذلك انه لا عيب مطلقا بالاعتراف بالمأزق والصراعات والخلافات والأزمات وإنما العيب هو التمادي في الانكار والباطل.
إن كانت حماس تعيش أزمة كما كل المنطقة كما يقول أبو زهري و إن كانت تعيش مأزقا كما يقول الزعاترة، فان (فخر) هنية (بجميع) مواقف وسياسات حركته طوال السنوات الماضية كما قال هو يصبح فخرا بالمآزق والأزمات التي كان من المتوجب عليه أن يستجدي الشعب ليسامحه عليها، وأن يندم على ما فعله في غزة، وأن يعتذر للشعب والأمة لا أن يبيع الأحلام والأوهام والكِبر.
من المهم أن تكون المصداقية والاعتراف بالحقائق للجماهير وحسن التواصل معها، ونقد الذات وتطهير الجسد، واللسان وتطهير الأفعال من المثالب، سمات لأزمة للسياسي وللتنظيم كما هي مطلوبة من الإنسان أو المواطن غير المسيس.

 

اخر الأخبار