مكرم محمد احمد يكتب عن: جدوى المصالحة الفلسطينية

تابعنا على:   17:05 2014-05-01

أمد/ القاهرة – كتب مكرم محمد احمد: قد لا تكون المصالحة الوطنية الفلسطينية على ضروراتها الملحة فى الظروف الراهنة هدفاً سهل المنال، بعد سبع سنوات من الانفصال الجغرافى والعقائدى باعدت بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهدمت كل جسور الثقة المتبادلة بين فتح وحماس، ووسّعت فجوة الخلافات بين الجانبين حول معظم جوانب القضية الفلسطينية، ومكّنت كلاً منهما من بناء نظام حكم تختلف أهدافه ومؤسساته وتحالفاته عن الآخر، إضافة إلى أحداث الحرب الأهلية التى أراقت الكثير من دماء الجانبين، والفشل الذريع لكل محاولاتهما السابقة لإنجاز هدف المصالحة، الذى جعل غالبية الفلسطينيين والعرب يعتقدون أن المصالحة الفلسطينية على كثرة الحديث عن ضروراتها باتت مثل العنقاء والخل الوفى، أشياء يصعب، بل يستحيل وجودها!

صحيح أن التاريخ الإنسانى حافل بقصص شعوب كثيرة تجاوزت خلافات سياسية وعرقية وعقائدية ضخمة دفعت بها إلى حروب أهلية ضروس، لكنها عرفت الطريق الصحيح إلى المصالحة، وشرط التصالح الصحيح فى القضية الفلسطينية، أن تخرج كل من فتح وحماس من جلدهما القديم فى ولادة جديدة لحركة النضال الفلسطينى تتعلم من أخطائها السابقة، وتعرف جيداً أنها تواجه عدواً بالغ الشراسة والعناد، يملك قدرة التأثير على القرار الدولى، وتدرك ضرورة التوافق الوطنى على رؤية مشتركة لمستقبل القضية الفلسطينية تحفّز الجانبين على تجاوز خلافاتهما العميقة.

ومع الأسف فإن البيان المشترك الذى صدر عن اجتماع الجانبين، فتح وحماس، فى غزة، ووقعه عن حماس رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، كما وقعه عن فتح عزام الأحمد، لا يطمئننا إلى أن الجانبين نجحا خلال مباحثات غزة التى لم تستمر سوى بضع ساعات فى الاتفاق على رؤية مشتركة لمستقبل القضية الفلسطينية، يتوحّد خلالها الجانبان حول الهدف النهائى للنضال الفلسطينى، وهل يكون دولة مستقلة فى حدود الأرض الفلسطينية التى تم احتلالها بعد حرب 67، ينتهى بقيامها كل جوانب الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، أم أن المطلوب عودة كل فلسطين القديمة؟! ثم ما الأدوات والوسائل لتحقيق هذا الهدف؟ وهل تشمل ضمن ما تشمل المقاومة المسلحة، أم أن المقاومة المسلحة كما يعتقد الرئيس محمود عباس تمثل خطراً جسيماً يضر بمصالح الفلسطينيين، لأنك تحارب الإسرائيليين بالأدوات التى يتفوّقون فى استخدامها؟ وماذا يكون التصرّف حيال ما تم إنجازه حتى الآن، خصوصاً ما يتعلق بمصير السلطة الفلسطينية، واتفاقات أوسلو وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خصوصاً قرار قبول فلسطين دولة «مراقب»، الذى نقل القضية الفلسطينية من مجرد نزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أرض يختلفان حول ملكيتها، إلى قضية أرض تم احتلالها قهراً بقوة السلاح؟! وأخيراً هل يجوز البناء على هذه الإنجازات التى تم تحقيقها، أم أن ذلك يمثل إرثاً مشكوكاً فى جدواه يتحتم شطبه ومغادرته إلى خطة عمل جديدة؟! ومع الأسف لا يقول لنا بيان غزة أيضاً إن الجانبين، فتح وحماس، وجدا حلولاً مقبولة لكل هذه الأسئلة والمشكلات، رغم أن البيان يعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية خلال خمسة أسابيع، وإنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية فى غضون 6 أشهر.. والمدهش فى القضية أن مباحثات غزة جاءت فى أعقاب تصريحات خطيرة لأبومازن أعلن فيها، عزمه على حل السلطة الوطنية الفلسطينية وتسليم مفاتيحها إلى الإسرائيليين!، بعد أن أغلقت واشنطن وإسرائيل باب المفاوضات، ورفضتا الاستجابة إلى مطالب أبومازن فى الإفراج عن باقى المسجونين، ووقف عمليات الاستيطان بصورة نهائية فى الضفة الغربية، وتخصيص الأشهر الثلاثة الأولى بعد عودة المفاوضات للاتفاق على حدود الدولة الفلسطينية الجديدة، ثم وصل الأمر إلى حد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، تؤيده واشنطن، غلق باب التفاوض بصورة نهائية، لأن أبومازن لا يستطيع أن يجمع بين تصالحه مع حماس والسلام مع إسرائيل، فهل كان اللجوء إلى المصالحة الوطنية مجرد مخرج لأبومازن من إعلان عزمه حل السلطة الوطنية الفلسطينية الذى قُوبل برفض واسع من شخصيات فلسطينية كثيرة؟!

وبسبب هذا الغموض يتصوّر كثيرون أن عودة الجانبين فتح وحماس إلى مصالحة وطنية لا يخلو من أسباب عملية، فرضتها ضغوط قاهرة على الجانبين، تمثلت فى حاجة أبومازن إلى ورقة ضغط قوية على الأمريكيين والإسرائيليين تلزمهما بإسقاط بعض الشروط المتعسّفة التى يصر عليها رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، خصوصاً ما يتعلق منها بحق إسرائيل المطلق فى بناء المستوطنات على أرض الضفة، وضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية دولة إسرائيل، كما تمثلت فى وضع حماس القلق بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وحاجتها الملحة إلى نهج جديد يساعدها على مواجهة ضغوط مصر التى دمّرت معظم الأنفاق التى كانت تدر على حماس ما يزيد على 2 مليار دولار مكوثاً على البضائع والمواد التى يتم تهريبها عبر الأنفاق إلى القطاع على حساب اقتصاد مصر الوطنى، وتصرف رواتب وأجوراً على 46 ألفاً من أعضاء حماس يمثلون بيروقراطية حكومة غزة وجميع كوادر كتائب القسام، إضافة إلى إغراق أسواق غزة ببضائع مصرية مدعومة على حساب الشعب المصرى!

وما يؤكد جدية هذه الأسباب العملية التى دفعت الجانبين إلى العودة إلى مشروع المصالحة الوطنية، أن أبومازن لا يزال على استعداد لأن يستأنف مفاوضاته غداً مع الإسرائيليين إن خفف بنيامين نتنياهو بعض شروطه الصعبة، بينما تعرف حماس التى تعانى من أزمة مالية صعبة، أن مصداقيتها فى قطاع غزة على المحك، وربما تتعرّض للانهيار، وأن الغالبية العظمى من سكان القطاع تضيق ذرعاً من قبضتها الحديدية.

وأياً كان مصير المصالحة الفلسطينية، فالأمر المؤكد أن المصريين سوف يساندون أى جهد يُبذل لإنجاز مصالحة جادة لأنهم كانوا دائماً فى صف المصالحة الفلسطينية، ورغم الفشل المتكرر لم يفتر حماس المصريين لضرورة توحيد الموقف الفلسطينى، لكن ما ينبغى أن يكون واضحاً لحماس ولكل الفصائل الفلسطينية، أن القاهرة لن تقبل عودة الأمور على حدودها المشتركة مع غزة إلى ما كان عليه الحال قبل غلق الأنفاق، ولن تغير سياساتها تحت أى ظرف من الظروف، لأن الأنفاق تهدر أمن مصر الوطنى وتستنزف اقتصادها، كما أن القاهرة لن تسمح لأى فصيل فلسطينى بإنشاء تنظيمات موازية له داخل سيناء، تجنّد العملاء وترفع السلاح فى وجه السلطة المصرية وتعطى لنفسها الحق فى شن غاراتها على إسرائيل من الأرض المصرية دون موافقة المصريين وأظن أنه قد آن الأوان لأن يعرف الجميع أن ما لقيصر ينبغى أن يبقى لقيصر وما لله ينبغى أن يكون لله.

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار