المصالحة الفلسطينية الهشة

تابعنا على:   12:21 2014-04-29

د.رحيل محمد غرايبة

الفلسطينيون مُضطرون إلى المصالحة الوطنية، رغم ما بينهم من تباينات واختلافات أيديولوجية وسياسية،  و ما جري بين الفصائل من نزاعات دمويّة وتصفوية، حيث لم تعد المصالحة ترفاً ونافلة، ولا يملكون مزيداً من الوقت ليهدر على عتبة الانتظار والتوسل لقادة الاحتلال.
«الإسرائيليون» المحتلون وغيرهم من اللاعبين في ميدان السياسة، لا يعيرون بالاً إلّا للأقوياء، ويكون الاهتمام والاحترام للأصدقاء والخصوم لديهم بما يملكون من أوراق القوة، وقاموس السياسة لا يقيم وزناً للضعفاء ولا يأبه بدموعهم وبكائهم وتوسلاتهم الذليلة، لذلك ليس أمام الفلسطينيين أفق في مواجهتهم مع عدوّهم سواء عبر القتال أو عبر المفاوضات السلمية، إلّا من خلال السعي نحو امتلاك أوراق القوة التي تجعله يمتلك مقعداً على طاولة المفاوضات، أو دوراً على مسرح الأحداث، أو يحتل مساحة منظورة في الفضاء الإعلامي.
في هذا السياق يعمل « الإسرائيليون» بوضوح على فرض معادلة سياسية دائمة تضمن لهم التفوق الواضح على مجموع الخصوم من خلال امتلاك المزيد من أوراق القوة واحتكارها، ومن خلال المسارعة إلى الاستثمار في الأحداث الإقليمية والعالمية، وفي مقابل ذلك تسعى بكل وضوح ايضاً إلى تجريد خصومها من أوراق القوة، وإضعافها وشل فاعليتها، وتظهر المشكلة بوضوح عندما يستجيب الخصوم.
ضريبة المصالحة على حماس باهظة جداً، وربما تدفع السلطة وفتح وعباس بعض الثمن بالتأكيد ولكن أقل بكثير مما تدفعه حماس، ويعود ذلك إلى أن المصالحة تأتي في سياقين
1- السياق الأول أن حماس تعرَّضت لجملة من الخسائر، فقد خسرت سوريا وإيران، وخسرت مصر، وخسرت معظم دول الخليج، وتتعرض لضغوط فيما يتعلق بقطر (الحصن العربي الأخير). بالإضافة إلى ما يلحقها من أذى نتيجة ما يتعرض له الإخوان  المسلمون ومجمل الحركة الإسلامية على الصعيد الإقليمي والعالمي من حصار ومطاردة، ما يجعلها تفكر بالبحث عن مخارج من هذا الحصار، والقفز فوق الحواجز، وربمّا يكون الذهاب إلى توحيد الصف الفلسطيني وتوحيد المؤسسة القيادية الفلسطينية عبر السلطة هو أحد المخارج الضرورية.

2-السياق الثاني: أن السلطة بصدد إعادة ترميم صورتها أمام العالم، خاصة أمام الطرف الأمريكي والاتحاد الأوروبي وبقية الأطراف الدولية الأخرى، بحيث تبدو السلطة أنها تمثل الشعب الفلسطيني كله، وهي الممثل الشرعي له أمام المحافل الدولية، وفقاً للأسس التي قامت عليها اتفاقية (أوسلو) وماتبعها من اتفاقات ومواثيق وتعهدات وأهمها على الإطلاق الاعتراف بالدولة العبريّة، ونبذ العنف.
في مجمل التقويم العام تبدو السلطة هي الرابح من المصالحة، باعتبار أنها لن تخسر كثيراً، سوى الغضب (الإسرائيلي)  والعتب الأمريكي من التقارب الظاهري مع حماس، والذي تم التعبير عنه صراحة.
أراد محمود عباس أن يخفف حدة الغضب من خلال الاعتراف «بالهلوكوست» و وصف ذلك بأبشع مجزرة في تاريخ البشرية، ولكن- للأسف- لم يلق ذلك قبولاً عند «نتنياهو»
على كل الاحتمالات لا بد من المضي قدماً في توحيد الصف الفلسطيني لأن الانقسام أضرَّ بالسلطة، وأضرَّ بحماس وأضرَّ بالشعب الفلسطيني وأضرَّ بالقضية الفلسطينية برمتها، وأصبح سؤالاً مؤرقاً ومحرجاً للطرفين، بالإضافة إلى أن توحيد الصف الفلسطيني وإيجاد مؤسسة قيادية واحدة يمثلان ورقة قوة بمواجهة دولة الاحتلال، فيما لو تماسكت المصالحة، ودخلت مرحلة اخراجها إلى حيّز الوجود، عبر تنازلات مؤلمة من الطرفين، تجعل الطرفين قادرين على انتاج إطار سياسي جديد يستوعب الخلافات والتباينات مهما كانت عميقة وكبيرة، وينبغي أن تعلم كل الأطراف الفلسطينية أنه لن يستطيع واحد منها الانفراد بقيادة الشعب الفلسطيني والاستفراد بتقرير مصير القضية الفلسطينية، مهما امتلك من شعبية ومهما امتلك من نفوذ وعلاقات.

عن الدستور الاردنية

اخر الأخبار