جدلية العلاقة بين المصالحة والإنقسام

تابعنا على:   23:24 2014-04-27

د. ناجى صادق شراب

لقد أثار إتفاق غزة للمصالحة الفلسطينية أكثر من تساؤل، أهمها هل من مستقبل للمصالحة في ظل خيار التفاوض؟ وهنا ما ينبغى التاكيد عليه منذ البداية أن ألأولوية هى للمصالحة على أى خيار آخر ، لأن كل الخيارات الفلسطينية لإنها الإحتلال ستسقط وتفقد قوة دفعها بما فيها المقاومة في ظل الإنقسام. وثانيا أن الإنقسام ليس خيارا فلسطينيا ، بل يعتبر خيارا مجهضا لأى خيار فلسطينى ، ولذلك لا مجال للقوة او التمدد الفلسطينى في ظل الإنقسام ، وهذا ينطبق على حماس بالذات ، بمعنى ماذا بعد الإنقسام؟ وكيف ترى حماس نفسها ؟ وهل يمكن أن تحقق رؤيتها الإستراتيجية العليا بالإنقسام؟ وكما أكدنا دائما لا يمكن تحرير الضفة من غزة ، ولا يمكن تحريرأى أرض فلسطينية من غزة فقط. فكيف يمكن إذن للإنقسام أن ينمو ويكبر. هذا هو الحد الأعلى للإنقسام الذي يصطدم بالرؤية الفلسطينية العليا، وبعبارة أخرى لا يمكن لحماس ولا لحركة فتح أن تحقق ذاتها إلا من خلال الكل الفلسطينى ،ومن خلال الخيارات الفلسطينية المتفق عليها.وهذا ما أثبتته سنوات الإنقسام العجاف، تراجع واضح في كل مسارات القضية الفلسطينية ، وتراجع واضح في دور وقوة الحركتين ، ولعل من أهم الدروس التي يمكن إستخلاصها من سنوات ألإنقسام أن قوة حماس او فتح تستمد من القضية الفلسطينية التي تمثلها ، فلا تأثير ولا أهمية لأى منهما بدون القضية الفلسطينية ، وتراجع القضية تراجع لهما ، وفقدانهما الكثير من عناصر قوتهما ، وهذا ما حدث فعلا . هذا هو المدخل الرئيس لإتفاق المصالحة ألأخير، فهو يمثل طوق النجاة أولا على مستوى حركتى فتح وحماس، فقوة حركة حماس مثلا ليس بإرتباطها فقط بحركة ألأخوان المسلمين ككل ، فكل منهما له منطلقات قد تصطدم في الحالة الفلسطينية ، وحركة فتح قوتها ليس بإرتباطها حتى بالولايات المتحدة أو أى دولة اخرى ،او إرتباطها بالمفاوضات ، قوتها وشرعيتها من قوة وشرعية الشعب الفلسطينى . فأساس الشرعية هو للقضية والشعب الفلسطينى ذاته وليس للحركة أو التنظيم . هذه الشرعية هى التي قد اضفت الشرعية على فتح او حماس أو على مؤسسات السلطة الفلسطينية ، ومنظمة لتحرير تستمد شرعية التمثيل الوحيد من هذه الشرعية الكلية ، ولذلك البعد عن هذه الشرعية سيفقد أى حركةأو تنظيم قوته الشرعية . وهذا هو الدرس المهم الذي ينبغى إستنباطه وفهمه من الإنقسام وهو نقيض تماما للشرعية الفلسطينية الكلية ، وهذا ما فسر لنا حالة التنازع والصراع عى الشرعية ، ومن المفارقات الغريبة في حالة الإنقسام أنه كان في حاجة لحماية من الشرعية الفلسطينية ألأساس التي يجسدها الشعب الفلسطينى ، وهذا ما حدث فعلا فكلا من حركتى فتح وحماس عملتا تحت مسمى السلطة الوطنية الفلسطينية ، فلم تستطع حماس أن تذهب بعيدا أكثر من ذلك ، وفتح في الضفة الغربية كانت تعمل من خلال نفس السلطة التي تحتمى من خلالها السلطة ، وحتى عندما فقدت مؤسسات السلطة الفلسطينية أسس شرعيتها بسبب الإنقسام، وعدم إجراء الإنتخابات الفلسطينية بقيت منظمة التحرير ومؤسساتها ملاذ الشرعية الفلسطينية التي تحتمى من خلاله كل القوى والتنظيمات الفلسطينية . فلا شرعية مع الإنقسام ، وهذا الإدراك السياسى هو الذي أوصل الجميع إلى قناعة سياسية أنه لا قدرة على الإستمرار مع الإنقسام ، لأن السؤال الذي قد واجه الجميع ماذا بعد الإنقسام؟ والأمر الآخر الذي أوصل الجميع إلى المصالحة ، إن هذا الإنقسام السياسى وحتى يستمر ، وينمو ويكبر كان لا بد له من حاضنات خارجية ، وهو ما أخضع الحالة الفلسطينية إلى الإرتهان الخارجى ، مما يعنى فقدان الهوية الفلسطينية الداخلية لأى تنظيم ، فالهوية الفلسطينية وهى أساس الشرعية تحكمها وتتوالد بفعل قوى ومكونات فلسطينية داخلية وليس خارجية ، هذه الحالة من الإستقطاب الإقليمى والدولى ، والتلاعب بالقضية الفسطينية أشعرت الجميع أنهم يدورون في دائرة غير دائرتهم ، وان آليات دفع هذه الدائرة ليست فلسطينية ، وكاننا هنا أصبحنا آدوات في يد الغير ، ولسنا قوى مؤثرة ومحركة لهذه الدائرة. فإذا كانت القضية الفلسطينية أحد أهم المفاتيح والمداخل لقوى المنطقة كلها للبحث عن دور إقليمى ودولى ،فما بالنا بالقوى الفلسطينية الفاعلة مثل حركة حماس وفتح. ففى النهاية القضية الفلسطينية ليست مجرد مساعدات إقتصادية ومالية ، بل هى دور ومكانة وشرعية إنتزاعها يعنى إنتزاع الشرعية من فواعلها.هذا هو الإعتقاد السياسى الذي في النهاية فرض نفسه عى من يصنع القرار الفلسطينى ،إأن المستقبل مع الشرعية الفلسطينية ، وهى الشرعية الحاضنة لكل القوى الفلسطينية ، فالاخرين لا يمنحون الشرعية ، قد يمنحون دورا معينا ، وقد يقدمون قنوات للتنفس الإصطناعى الذي يعنى ان مصدر البقاء والحياة السياسية بيد هذه القوى الخارجية . في هذا السياق يمكن أن نفهم ماذا يعنى الإنقسام؟ وماذا تعنى المصالحة ؟ ففى الحالة الفلسطينية وهى حالة تخضع للإحتلال الإسرائيلى ، وهى حالة نضال من اجل الحرية والإستقلال ، وقيام الدولة ، وإدراك أن هناك شعب فلسطينى يعانى الحصار والمعاناة اليومية ، فالإنقسام ، ولا المصالحة مجرد حكومة ، او إجراء إنتخابات لنستبدل قوة بأخرى ، المصالحة أعمق وأشمل من ذلك ، المصالحة تعنى مصالحة القيم ، وألأهداف وألأولويات ، والخيارات ، وكل هذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التوافق أولا حول نظام سياسى توافقى ، وثانيا من خلال تجديد فعالية وشرعية مؤسسات منظمة التحريرالتى عليها دورا مهما في المرحلة الإنتقالية مرحلة بناء الدولة الفلسطينية . وثالثا هى مصالحة مع الغير ، لأن القضية الفسطينية وبطبيعة مكوناتها تتطلب الإبتعاد عن سياسات التدخل والإنغماس الخارجية ، ورابعا المصالحة تعنى إستعادة عناصر القوة الفلسطينية أى أن المصالحة لها مفهوم إقتصادى وإجتماعى وثقافى وتكنولوجى وعلمى وأمنى وحتى عسكرى ، اى المصالحة قد ترادف كلمة القوة الفلسطينية بمعناها الشامل. ، وخامسا مصالحة وطنية تستعيد وحدة الشعب الفلسطينى في الداخل والخارج، وأخيرا المصالحة هى الطريق لقيام الدولة الفلسطينية ، وتحقيق الخيارت الفلسطينية . وفى هذا السياق لا خوف من عودة الإنقسام ثانية .

 

اخر الأخبار