الاتفاق الأخير والهتاف لسعادة لم تتحقق بعد

تابعنا على:   19:22 2014-04-27

د.خضر محجز

وأخيرا اتفقت فتح وحماس على إنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة كفاءات، خلال خمسة أسابيع. حسنا.. لقد أُحطنا علماً. لكن هناك تساؤلين حول هذا الاتفاق، الذي كان مستحيلا قبل أسابيع: لماذا الآن؟، وهل سينجح في تحقيق المعلن منه؟

أما لماذا تم الاتفاق الآن، بعد كل المحاولات الفاشلة السابقة لتحقيقه، فيمكن إرجاعه لسببين: أولهما: رغبة الرئيس عباس في التلويح لكل من إسرائيل وأمريكا، بوجود خيارات أخرى لديه، في حال فشل المفاوضات. وثانيهما: مصلحتا فتح وحماس.

فأما مصلحة فتح فتظهر في تأكيد (الاتفاق) على أن للفلسطينيين عنوانا موحدا، هو سلطة الرئيس محمود عباس، الذي مل من سماع الإسرائيليين الأمريكيين يتهمونه بأنه لا يمثل كل الفلسطينيين، بذريعة هذا الانقسام الذي سمحوا به وغضوا الطرف عنه، بل وشجعوه أحياناً. وأما مصلحة حماس، فالوصول إلى معبر رفح. فقد بدا واضحا، بعد كل ما حدث في مصر، أن حماس لن تصل إلى المعبر، إلا من خلال الرئيس محمود عباس.

فماذا يعني ذلك؟

لا شك أنه يعني أن الرئيس سوف يتخذ من هذا الاتفاق مرتكز قوة له، في رحلة المفاوضات الشاقة، التي لا يرى بديلا عنها في الأفق المنظور. وهناك في المقابل (لا شك) أخرى، تقول بأن حماس لم تكن لتقبل بهذا الاتفاق، لو أن معبر مصر كان مفتوحا أمامها.

والنتيجة من كل ذلك أن تقدم المفاوضات، واقترابها من حل ما، أو حتى تمديدها، سوف يضع حماس أمام خيارين: إما أن تدعم ذلك بالصمت، أو تقرر إعلان موقف مخالف يهدد بنسف الاتفاق الهش.

وثاني التساؤلين الذي يقول: هل سينجح الاتفاق في تحقيق المعلن منه؟ فجوابه ليس عسيراً، خصوصا حين نرى بعضا من الموانع، التي أهمها اعتراض حماس على التنسيق الأمني، وملاحقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في رام الله للعناصر النشطة المشكوك في ولائها للسلطة.

فهل تستطيع حماس أن تغض الطرف عن هذين العاملين الفاعلين؟ هل تستطيع حماس أن تصمت على اعتقال كوادرها في الضفة، الحريصين على إثبات لاجدوى منهج الرئيس عباس؟ أم هل يستطيع الرئيس عباس أن يطلق أيدي هذه الكوادر في العمل ضد كل ما يؤمن به، فيقع في نفس الورطة التي وقعها قبل الانقسام؟

إن حماس تريد أن تُطلق يدها في الضفة، وتتحرر من سجن غزة بفتح المعبر، ولو تحت سلطة رمزية لحرس الرئيس؟ وإن فتح تريد أن تُطلق يدها في المفاوضات، دونما اعتراض من حماس، تمهيدا لتوقيع اتفاق لا يمكن أن تقبل به حماس، دون هذه المصالحة الملغومة.

وعلى الجانب الآخر، يمكن القول بأن الرئيس عباس، بهذا الاتفاق، يضع في كفة الميزان التفاوضي ثقلا موازيا لثقل متشددي اليمين الإسرائيلي، كأنه يعطي نتانياهو قوة الحجة في الرد على خصومه في الحكومة، بوجود أمثالهم على الطرف الآخر، الذين يتفق الجميع على عدم منحهم حق الفيتو على قرارات الأغلبية، ويلجم أفواههم حين يقرر نتانياهو تقديم شيء من التنازلات، إنقاذا للمفاوضات التي كانوا هم أحد أسباب تعسرها.

لا يوجد فلسطيني واحد لا يبتهج بهذا الاتفاق. لكن الابتهاج شيء، والواقع شيء آخر. الابتهاج مصدره الأماني الصالحة لأناس طيبين، أما الواقع ففرضيات دنيوية واقعة على الأرض. حسنا لقد قررنا أن نبتهج. لكن هل يمنعنا ابتهاجنا من محاولة قراءة عقلانية للواقع؟ اللهم لا، إلا إذا كنا مجرد راغبين في مسايرة (الموضة)، والهتاف لسعادة لم تتحقق بعد.

دعونا نتأمل الموانع التي تعترض تنفيذ هذا الاتفاق:

1ـ التنسيق الأمني: وهو الذي تعتبره إسرائيل جزءا لا يتجزأ من اتفاقيات، سبق للفلسطينيين أن وقعوا عليها، وعليهم الوفاء بها؛ فيما تراه حماس مجرد تعاون أمني يخدم إسرائيل فقط، ويشكل خطرا مميتا على المقاومة، التي تقول بأنها تمثلها.

2ــ مبدأ استمرار المفاوضات كخيار استراتيجي للقيادة الفلسطينية، لا ترى بديلا عنه في الأفق المنظور، فيما تحاول حماس إيقافه، تمهيدا لإسقاط كل ما يمثله. ودعونا نتذكر هنا بأن اتفاق أوسلو نفسه هو نتيجة لهذه المفاوضات.

3ــ الصراع على اقتناص منظمة التحرير الفلسطينية، بما يعنيه ذلك من امتلاك سلطة التمثيل العليا للشعب الفلسطيني، تلك السلطة التي وقعت اتفاق أوسلو من قبل وأقامت السلطة، وبإمكانها وحدها الآن الحكم على مصيرها.

أما البندان الأول والثاني، فلا يمكن للرئيس عباس أن يتراجع عنهما، إلا في حالة ذهابه إلى حل كيان السلطة الفلسطينية. ولأن الرئيس لا يرجح هذا الاحتمال الآن ــ وإن كان لا يستبعده في المستقبل ــ فإنه لن يوافق على التراجع عن أي منهما، مما سيغضب حماس ولا شك، ويفتح لها المجال لاتهامه بخرق روح الاتفاق، الموقع قبل أيام.

أما البند الثالث، وهو الصراع على اقتناص منظمة التحرير؛ فهو أخطر ما يواجه فتح والرئيس والسلطة الفلسطينية: فغني عن البيان أن حل السلطة ، في الوقت الحالي، سوف لن يدع فتح معلقة في الهواء، لأنها ستظل ممسكة بقيادة المنظمة، ومعلنة بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. كما لن تسمح فتح بإعادة هيكلة منظمة التحرير، بما يضمن سيطرة حماس عليها، لأنها الكيان الوحيد الذي سوف تلجأ فتح إليه حين يتم حل السلطة.

وإنه لمن البديهي أن حل السلطة، إنما يعني حل الكيان الإداري للسلطة في الضفة الغربية فقط، وتسليم مفاتيحها للاحتلال مرة أخرى، فيما يتبقى كيان غزة بقيادة حماس قائما، يعلن أنه القطعة الوحيدة المحررة من فلسطين، وبالتالي فهو الكيان السلطوي الشرعي الوحيد.

إذن ففي حالة حل السلطة اليوم، سيصبح لنا كيانان سياسيان، واحد في غزة، تقوده حماس، وآخر في الخارج تقوده فتح وفصائل المنظمة الأخرى. وسيواصل هذان الكيانان صراعهما على تمثيل الشعب الفلسطيني، فيما تواصل إسرائيل شعورها بالراحة.

أما إذا تم تنفيذ الاتفاق، كما تقرؤه حماس، فلن ترى حماس بأسا في تسليم سلطة غزة للرئيس عباس، لأنها ستتسلم بدلا من ذلك زعامة الجسم الأم منظمة التحرير. وحينها تذهب كل من فتح والرئيس عباس إلى حيث نعلم جميعا، ويصبح حل السلطة في الضفة وغزة مسألة وقت فقط.

يتبقى لنا سيناريو آخر: أن تقبل حماس بكل ما يفاوض بشأنه الرئيس عباس، فتتخفى وراءه، وتسمح له بالتنازل عما لا تستطيع التنازل عنه، وتلحق جميع أجهزتها بسلطته. ورغم أن هذا هو ما يوقعه المبتهجون، إلا أنني لا أتوقعه، لأنني أعلم أن حماس ترى في ذلك المسمار الأخير في نعش كينونتها، مسمار سياسي ولا شك، ولكنه مسمار تراه أعين قيادات حماس بوضوح.

لكل ما مضى، ولأن كلا الفصيلين ــ فتح وحماس ــ يعرف ما أقول، بل يسبقني إلى قراءته، فإنني لا أتوقع أن يجد هذا الاتفاق طريقه للوقوف على قدميه.

اللهم اجعل تحليلي هذا خاطئا، وارزقنا تطبيقا أمينا لما تم الاتفاق عليه.

ملاحظة أخيرة:

ستشهد الأسابيع القليلة القادمة كثيرا من المستوزرين، من المثقفين وكتاب المقالات المبتهجين، الذين سيقولون الشيء ونقيضه معا، بهدف إرضاء كلا الفصيلين. فلعل وعسى.

اخر الأخبار