تأثير الحصار وإغلاق المعابر على الوضع الاقتصادي لقطاع غزة بعد سبع سنوات

تابعنا على:   11:15 2013-10-04

رائد محمد حلس

إن الاقتصاد الفلسطيني يعاني أزمة متفاقمة جراء استمرار فرض الحصار المحكم على قطاع غزة، والمتمثل بإغلاق كافة المعابر التجارية، ومعابر الأفراد، منذ منتصف حزيران/ يونيو 2007 بعد سيطرة حركة حماس على القطاع, إذ أغلقت كافة المعابر بالكامل, وأعلن عن القطاع كيانًا معاديًا, ولم يدخل إلى القطاع أية مواد خام سواء للبناء أو الصناعات المحلية, كذلك منعت سلطات الاحتلال إدخال العملات المختلفة إلى القطاع وخاصة الشيكل, وأوقفت استيراد أكثر من 4000 سلعة كانت تستورد قبل الإغلاق الكامل للمعابر, مما أثَر على كل مقومات الحياة الاقتصادية في قطاع غزة, وفاقم من الأزمة الإنسانية, وزاد من الإحباط لدى المواطن في القطاع, وكان للحصار تأثيره المباشر على القطاعات الاقتصادية في مختلف مناحيها التجارية والصناعية والزراعية والصيد البحري وحركة التجار والاستثمار والبناء. إذ بلغت الخسائر المباشرة بحوالي 48 مليون دولار شهريًا (منذ منتصف حزيران 2007) وتتوزع على قطاع الصناعة بمعدل 16 مليون دولار بنسبة 23%, وعلى قطاع الزراعة بمعدل 12 مليون دولار بنسبة 25%, وعلى القطاعات الأخرى: التجارة والإنشاءات والخدمات والصيد بمعدل 20 مليون دولار بنسبة42 %. بالإضافة إلى النتائج الكارثية على العاملين في القطاعات الاقتصادية عمومًا وقطاعي الصناعة والزراعة خصوصًا, حيث أغلق 89 منشأة صناعية بسبب الحصار وعدم توفر المواد الخام وتوقف فرص المبيعات والتصدير. ويضاف إلى نتائج الحصار الارتفاع المذهل في أسعار العديد من السلع والمواد الغذائية والضرورية ارتباطًا بتحديد العرض من جهة وبالسوق السوداء أو الاحتكار من بعض تجار الأنفاق والقطاع الخاص الذين لا همَ لهم سوى الربح من جهة ثانية.
لقد أثر الإغلاق طويل المدى على بنية الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة, الضعيف أصلاً, ورغم أن الحصار والإغلاق يؤثر بشكل مباشر على البطالة والتجارة, إلا أن الأثر الأكثر ضررًا يبدو أنه أصاب فرص النمو الاقتصادي من خلال إضعاف قدرة القطاع الخاص على النمو ومن ثم على خلق فرص العمل.
ويشير البنك الدولي في تقرير له عن آثار الحصار والإغلاق, أن رأس المال الصناعي والبشري يواصل تآكله, وكل شهر يمر في ظل استمرار الوضع كما هو عليه, يجعل انتعاش الاقتصاد واسترداده لعافيته في نهاية المطاف أكثر صعوبة من ذي قبل, وهذا يضعف ويعيق الآفاق التنافسية طويلة الأجل للاقتصاد الفلسطيني, حيث تقلص إجمالي الاستثمار في الأراضي الفلسطينية من حوالي 105 مليار دولار عام 1999 إلى 140 مليون دولار فقط عام 2006, ووفقًا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد: 2008" فإن اقتصاد الأراضي الفلسطينية المحتلة يعمل الآن بما يقل عن ثُلثي رأس المال ( القاعدة الإنتاجية) لعام 1998.
ومن العوامل التي أدت إلى تفاقم الحصار أيضًا, تزامنه مع الانقسام السياسي عام 2007, حيث تخضع الأراضي الفلسطينية منذ ذلك الوقت لإدارة حكومتين, واحدة في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة, مما ترتب على استمرار الانقسام تداعيات خطيرة طالت مختلف شؤون الحياة في المناطق الفلسطينية, وخلق وقائع جديدة على الأرض ساهمت في تعميق الهوة بين المتخاصمين, وشكلت الأعباء المالية على موازنة السلطة, وانحسار التبادل التجاري بين الضفة وغزة, والازدواجية الإدارية بين المنطقتين وتأثر البيئة الاستثمارية في غزة.
على مدار سبع سنوات مر قطاع غزة بالعديد من مراحل الحصار التي من أصعبها الثمانية أشهر الأولى من الحصار التي بدأت من منتصف حزيران 2007, حيث سمحت إسرائيل بدخول ما لا يزيد عن 20 سلعة من المواد الأساسية بدلاً من 9000 سلعة كانت تدخل إلى قطاع غزة قبل الحصار وبمعدل 20 شاحنة في اليوم بدلاً من 600 شاحنة كانت تدخل عبر معبر المنطار (كارني).
وخلاصة لما سبق يمكن القول أن سياسة الحصار والإغلاق بصفة خاصة هي سياسة إسرائيلية ممنهجة ولا تعتمد على ردات الفعل كما تحاول سلطات الاحتلال الإيحاء بذلك دائمًا, وهذه السياسة تأتي في لب الإستراتيجية الإسرائيلية للتعامل مع قطاع غزة, والتي تعتمد الحصار الجزئي والشامل والمتعدد الأوجه والأشكال كمحور أساسي لتحقيق سيطرتها على الحيز بإمكانياته وموارده ومنع أي تطور فلسطيني بعيدًا عن التصور والرؤية الإسرائيلية.
وبعد مرور سبع أعوام من حصار قطاع غزة والذي يعتبر أسوء وأطول حصار يشهده العالم, مطلوب فلسطينيًا إتمام عملية المصالحة وإنهاء حالة الانقسام والإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إصلاح الأضرار التي خلفها الحصار والإغلاق وإعادة بناء المؤسسات وإيجاد حلول مشاكل الكهرباء , وتحسين مستوى المعيشة, ومطلوب من المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بممارسة الضغط على إسرائيل من أجل فتح كافة المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع والعمل على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة دون تحديد الكم والنوع وتصدير كافة المنتجات الصناعية والزراعية من قطاع غزة للضفة الغربية والعالم الخارجي, لتجنيب قطاع غزة من كارثة اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية.

*باحث اقتصادي.. فلسطين 

اخر الأخبار