
سلبية المثقف الإسرائيلي
جبر شعث
سألزم نفسي بداية ، بعدم ذكر أسماء مثقفين إسرائيليين محسوبين – أو هكذا نتوهم ويتوهمون – على اليسار التقدمي أو على التيار الليبرالي الذي يدَّعي الانفتاح على الآخر ؛ ذلك لاقتناعي بأن مشهدهم ككل ؛ أسماءً ونتاجاً أدبياً وفنياً مستغرقٌ في السلبية والتردد والهرب من اتخاذ المواقف . تجلى ذلك في سنوات الانتفاضة الأولى سنة 1987والانتفاضة الثانية ( انتفاضة الأقصى ) سنة 2000م ، وما رافقهما من تدمير لكل مقومات الحياة الفلسطينية ومن الممارسات القمعية اليومية بحق الفلسطينيين والجرائم المبرمجة التي يجد
لها المثقفون الإسرائيليون تبريرات ومسوغات، تنسجم مع قناعاتهم المعلنة والمبطنة ؛كجدار الفصل العنصري ، والاستيطان المستمر الذي يقضم الأرض الفلسطينية والاعتقالات والاقتحامات والاغتيالات والاجراءات اللاإنسانية كالمنع من السفر والحصار المفروض على غزة منذ نحو ثماني سنوات . وهم بهذا تراجعوا عن مواقف سياسية وثقافية وإنسانية كانوا قد عبروا عنها في مقالات وحوارات أجريت معهم في منابر اعلامية مختلفة .
إن المثقفين اليساريين والليبراليين الفلسطينيين أعلنوا بكل مسؤولية – وما زالوا عند موقفهم – ومن منطلق إنساني بحت عن مواقفهم في كثير من القضايا مثل : العمليات التفجيرية التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين في وسائل تنقلهم وبيوتهم وأسواقهم وملاهيهم
كان الموقف واضحاً لا لبس فيه ولا مواربة ؛ رفض واستنكار مثل هذه العمليات ضد المدنيين
في إسرائيل وخارجها ،على الرغم من الوحشية العسكرية الاسرائيلية التي لم تفرق بين المدنيين الفلسطينيين العزل الآمنين ، والمقاومين المسلحين واتبعت حكومات إسرائيل كافة سواء كانت يمينية أو يسارية أو مختلطة ،سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني؛ في الضفة الفلسطينية وغزة والقدس و أهلنا المتشبثين بهويتهم الوطنية والقومية في المناطق المحتلة عام 1948 . كذلك وقف المثقفون الفلسطينيون ضد كل أشكال التحريض على اليهود كشعب واليهودية كدين ، وضد التشكيك بمآسيهم التي نزلت بهم على أيدي النازيين في ألمانيا وغيرها من دول أوروبا ، في حين أننا لم نسمع عن موقف سياسي أو إنساني جاد وقوي صدر من مثقف إسرائيلي واحد من أولئك الذين نعنيهم ، حين كان جيشهم يلقمنا للمحرقة التي أُعد وقودها من اللحم الفلسطيني وسائر الكائنات الفلسطينية النابضة . كذلك لم نسمع منهم عن موقف مشرف أو رأي جريء ، حين وُصفنا بالحشرات والأفاعي من بعض حاخاماتهم . إنني لا أتزيد في الكلام ولا أتجنى ، لكنه الواقع الذي لا يمكن أن ينكر أو يُجمل ببعض الكلمات من هنا أو هناك . إنه الواقع المحزن المخزي اللاإنساني الذي يؤشر على عنصرية مقيتة وعلى إيمان بالترهات والخرافات . إنه الواقع الذي نرجو أن يخرج منه المثقف الإسرائيلي ، ولن يتأتى له هذا إلا إذا خرج من ازدواجيته وتردده وسلبيته ورواسبه الأيديولوجية .