الدول العربية الكبرى مسؤولة... مع أوباما

تابعنا على:   09:34 2013-10-23

سركيس نعوم

ما تريده أميركا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضاً، يضيف المتابعون الجديون في واشنطن أنفسهم، هو التوقف عن دعم نظام سوريا وإعطاء التوجيهات لـ"حزب الله" اللبناني بالإنسحاب من الأراضي السورية. لكنهم يؤكدون ارتياحهم لما تحقق لغاية الآن إذ من شأنه تعزيز الأمل في متابعة التفاوض حتى الوصول إلى النتيجة المطلوبة. ويلفتون إلى اعتقادهم أن المسؤولين في طهران يشعرون أن الرئيس أوباما هو أفضل فرصة لإنجاز "تسوية سلمية" مُشرِّفة للدولتين ومفيدة للمنطقة والعالم. وإنجاز كهذا يتطلب ممارسة كل منهما الصدق مع الآخر رغم الشكوك المبرَّرة التي تساور الإثنتين. ويتطلب في الوقت نفسه اعتراف إيران بأن الرئيس الأميركي لا يحب الحروب والمغامرات، وأنه يتصرّف دائماً بحزم عندما تكون مصالح بلاده مهدّدة، وأن إيران النووية عسكرياً تهديدٌ لها. ويوافق معه على ذلك معاونوه كلهم. ويتطلّب أخيراً إقتناعاً إيرانياً بأن رئيس أميركا هو واضع سياستها، وبأن مهمة وزرائه هي تنفيذها بإشرافه.

هل من مجال لمقارنة النظرة السعودية إلى بدء الحوار التفاوضي الأميركي – الإيراني المعبّرة عن غضب وخوف ونظرة الأميركيين إليه؟ طبعاً متاح. وهي تشير إلى أن الغضب والخوف السعوديين يعكسان أمراً بالغ الأهمية هو "تزعزع" الثقة بين الرياض وواشنطن. وهذا خطير وخصوصاً إذا استمر التباين بينهما، وإذا تحوّل خلافاً شديداً، وإذا عجزت المجموعة العربية في الأمم المتحدة عن إقناعها بالعودة عن اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن. انطلاقاً من ذلك تشير المقارنة أيضاً إلى أن مبالغة سعودية قد حصلت أو ربما ظلماً قد وقع على أوباما جراء "اتهامه" إياه بالفشل أو بالعجز عن حل قضية شعب فلسطين، وعن وقف المجازر في حق الشعب السوري وعن التقارب المُقلق مع من يساعد مُرتكِبها، ومن يهدِّد حلفاء أميركا أي إيران.

طبعاً لا يعني وصف رد فعل السعودية على الحوار الأميركي - الإيراني عدم الاعتراف بصحة أسبابه الموجبة ودوافعه. فالإدارات الأميركية المتعاقبة إنحازت دائماً إلى إسرائيل حتى عندما كانت لبعضها مشاعر عادلة حيال شعب فلسطين. انحازت إليها في السلم وفي أثناء العملية السلمية، الأمر الذي جعلها تمنع تسوية عادلة "نسبياً" وافق عليها العرب. وانحازت إليها في الحرب فجعلتها متفوّقة دائماً عليهم عسكرياً، وإن كدول وليس كمقاومة. فالمقاومة (اللبنانية مثلاً) تحرر أرضاً احتلت على هامش الصراع الأساسي ولكنها لا تستطيع تحرير الأرض "المغتصبة" أو القسم الذي وافق العالم على دولة فلسطينية فيه. إلا أن ذلك يجب أن لا يحجب مسؤولية العرب ودولهم الكبار ومنها المملكة العربية السعودية عن المجازر في سوريا كما سمتها. فالرئيس أوباما انتخب عام 2008 لاعتبارات أهمها تعهده إخراج بلاده من تورطها العسكري في العراق وأفغانستان. وانتخب ثانية عام 2012 لتنفيذه قسماً من تعهده، ولعمله المستمر لتنفيذ الآخر ولرفضه الانجرار إلى أي تورط عسكري جديد ومباشر في المنطقة. وهذا يمكن أن يحصل في سوريا. كما انتخب لأنه أخرج بلاده من أزمة إقتصادية ضخمة. وهو ليس متردداً أو متخاذلاً كما يصفه البعض من العرب. فصلابته ظهرت يوم رفض المساومة مع الجمهوريين ومتطرفيهم على قانون الضمان الصحي رغم أخطار ذلك على مالية البلاد واقتصادها وعلى الاقتصاد العالمي. أما في سوريا فالتردد الذي وُصِف به كان مبالغة، علماً انه ليس "حربجياً"، لأن موقفه منها انطلق من مصالح أميركا، ومنها انطلق أيضاً موقفه "التصالحي" مع إيران.

في النهاية، لا يمكن إلا الإعتراف بأن مواقف إدارة أوباما أصابت غالبية العرب بصدمة بغض النظر عن صحة الدوافع. لكن لا يمكن في الوقت نفسه تجاهل مسؤولية دول عربية وأخرى اقليمية عن تطورات الوضع في سوريا وخصوصاً التي منها مؤيدة للثورة الشعبية على نظام الأسد. فهي انقسمت محاور وقسّمت المعارضة السورية المقيمة في الخارج معها أو عمّقت انقساماتها. كما لم تقم بما يجب لتوحيد معارضة الداخل السوري السلمية ثم المسلحة، وربما تكون زادت من الفرقة بين "جماعاتها". ولو تصرفت الدول المذكورة بحكمة ومسؤولية حيال ذلك كله لربما كان الوضع في سوريا اختلف إيجاباً، ولربما كان أوباما أقل تردّداً في المساعدة الفعلية وليس اللفظية.

 

[email protected]

اخر الأخبار