ليبيا ... والإرهاب الجديد

تابعنا على:   15:40 2014-04-19

باسل ترجمان

قفزت الأوضاع في ليبيا خطوة بإتجاه المجهول، مع إنهيار أخر منظومة أمنية للحكومة الحالية وفقدانها السيطرة على معاقلها في طرابلس، التي اصبحت مرتعا للجماعات المسلحة المسيطرة على مفاصل المدينة والحكم فيها، بينما يبقى الوزراء والحكومة في مكاتبهم يراقبون بلا حول ولا قوة، وينتظرون معجزة تأتي من وراء الحدود لتنقذهم .

في انتظار فتح طرابلس على يد أنصار الشريعه وتحالف جماعات القاعدة المنتشرين في كامل المناطق الليبية، تتحرك الأوضاع على الأرض بشكل يوحي بتكرار تجربة سيطرة المحاكم الإسلامية على الحكم في الصومال قبل سنوات مضت، خاصة مع تراجع الإهتمام الدولي بما يجري هناك، لإن تسليط الأضواء على الحقائق المفزعة سيزيد من تعقيد الأوضاع في ساحات ما زال الرهان فيها على تكرار المشهد الليبي حاضرا في عقول الكثيرين .

إنهيار المنظومة الأمنية للحكم في ليبيا واضح ليس على مستوى الإعتداءات والفلتان الأمني، بل على مستوى فشل مؤسسة الحكم في حماية أعضائها مؤسساتها والسفارات الأجنبية فيها وعمليات خطف السفراء والدبلوماسيين والاعتداءات على السفارات صارت أمرا مألوفا، يعكس ما يجري على الأرض، والذي سيتجاوز قريبا حدودها ليهدد الأمن في حوض المتوسط .

الإحساس بامتلاك القوة لدى التنظيمات الإرهابية خلق حالة جديدة لم يسبق معرفتها في تاريخ هذه الجماعات، التي تمتلك السلاح بكميات كبيرة جدا، وعدد يصعب تقديره من المسلحين المدربين جيدا، وأموال يومية تتدفق عليهم من تجارة النفط في السوق السوداء وعائدات السيطرة على المعابر والموانئ التجارية، مما منحها منظومة متكاملة قادرة على نقل مشروعها إلى مستوى إقامة كيان أو دولة اسلامية.

ما يزيد من تعقيد الوضع أن الرهان الأمريكي مازال متجذرا بإتجاه من يعتبرونهم الوجه الشبيه \\\"بكرازي افغانستان\\\"، وهو ما يعكس الإصرار على الفشل خاصة وأمراء الحرب الليبين المراهن عليهم لقيادة مشروع ليبيا الجديدة، أما عاجزين عن تحقيق حد أدنى من الإستقرار لفقدهم الدعم القبلي ومساندة الجماعات المسلحة، أو هم ممن يوصفون بناقضي بيعة الجهاد في سبيل الله، بعد أن تفننوا في نقض كل من يبايعوه، فمرة يتبرأون من بيعتهم لتنظيم قاعدة الجهاد وزعيمها بن لادن، ثم يتبرأون من عهودهم لنظام العقيد القذافي وينقلبون عليه ويعودون لبيعة الجهاد الأولى والتي سرعان ما ينقضوها على أمل أن تمنحهم واشنطن صك غفران عما ارتكبوه من جرائم .

ليبيا تشهد حالة انتقال متسارعة نحو الفوضى تتابعها الأوساط الدولية بقلق متفاقم ودخول الطائرات بدون طيار ميدان المعركة قبل أيام قليلة، بقصف نفذته على مواقع في الصحراء الليبية لتنظيمات إرهابية سيزيد من تعميق الأزمة والدفع بتفجير حرب لا يعرف أين ستصل شظاياها .

دول الجوار وخاصة مصر وتونس لهما نصيب الأسد من تمدد الحالة الإرهابية وسيطرتها على الأوضاع في ليبيا، وتغيير أساليب عمليات التفجير التي تقوم بها الجماعات التكفيرية وفلول تنظيم الأخوان في مصر بمتفجرات غير محلية الصنع يعكس تنامي دور هذه المجموعات فيما تشهده مصر من عمليات ارهابية .

في تونس حيث تبدو عودة العمليات الأرهابية بعد فترة من الهدوء النسبي فرضها نجاح الأمن والجيش في معركتهم ضد الأرهاب أمرا غير مفهوم أو متوقع، وهذه العودة تحاول بالتزامن مع الأزمة التي تواجهها الحكومة في التخفيض من العجز الكبير للميزانية وتأمين أجور موظفيها، جر تونس لحرب استنزاف تعطل لإطول وقت ممكن خروجها من الأزمة وتسمح بانتشار حالة من الفوضى والشلل تستغلها هذه المجموعات لتوسيع دوائر نشاطها وتواجدها .

نجاح أنصار الشريعة والجماعات المسلحة في ليبيا بتحقيق نصر كبير على الأرض يمكنها من فرض رؤيتها على مستقبل ليبيا القادم، يؤكد انتقالها من السير لتكون صومال المتوسط الجديد، إلى حقيقة تجسيدها لهذا الدور بكل ما يحمله من كوارث ومأسي .

قريبا ستكون ليبيا واحدة من الدول القليلة التي تهجرها البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية لإن ذلك جزء من مخطط الجماعات الإرهابية لمنع مراقبة ومعرفة ما يجري على الأرض وأولى ثمار المشروع تحققت بوقت قياسي حيث فر السفير العراقي إلى تونس وخطف السفير الأردني وفقد أثر دبلوماسي تونسي مختطف منذ أكثر من شهر ليلتحق به دبلوماسي ثاني ليزيد تعميق الأزمة قبل أن تهاجم سفارة البرتغال في طرابلس .

من يتوهم أن الجماعات الإرهابية هدفها من خطف السفراء والدبلوماسيين مبادلتهم بعناصرها المعتقلة في بعض الدول يجانب الحقيقة، الهدف هو إغلاق السفارات وإخراجها بسرعة من ليبيا، وتفجير السفارة البرتغالية يعكس جانبا مما يتم التحضير له .

 

اخر الأخبار