
الأسرى ... إرادة لن تُهزم
أحمد العجلة
يُحيي أبناء شعبنا الفلسطيني وشرفاء العالم في السابع عشر من نيسان كل عام ذكرى يوم الأسير الفلسطيني , وهو اليوم الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1974،باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال دورته العادية , يوماً وطنياً للوفاء للأسرى وتضحياتهم ، يوماً لتكريمهم و للوقوف بجانبهم وبجانب ذويهم ، يوماُ للوفاء لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة .
ومنذ ذلك التاريخ كان ولا يزال " يوم الأسير الفلسطيني " يوماً ساطعاً يحيه الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات سنوياً بوسائل وأشكال متعددة.
وتأتي ذكرى يوم الأسير الفلسطيني هذا العام في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي ومماطلته وتنصله من الالتزام في الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى الذين ما زالوا صامدين ثابتين صابرين يترقبون الحرية رغم قهر الاحتلال وفظاعة جرائمه وتصاعد انتهاكاته وممارساته اللا إنسانية بحقهم .
وقضية الأسرى اكبر من أن يختصرها مقال فهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني البطل ، الذي لم ولن يقبل بالظلم والاضطهاد ولا بسلب حقوقه الوطنية والإنسانية المشروعة ولا المساس بشرفه وكرامته الإنسانية.
وأن قضيتهم كانت وما زالت وستبقى هي قضية مركزية جامعة بالنسبة لشعبهم. فهم من ناضلوا وضحوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون من أجل فلسطين ومقدساتها , ومعاناتهم المستمرة لا تستطيع أبلغ العبارات أن تعبر عنها أو توفيها حقها, فعند الحديث عن الأسرى تجد نفسك أمام قضية متعددة الأوجه ، وتجربة بطولة بل تجربة حياة , ومعاناة فريدة ، وتاريخ نضالي كبير ، وواقع إنساني مرير ، وحقوق إنسانية ومعيشية مستباحة من قِبل السجان الظالم ، وهموم متشعبة لا تحصى ، بكل ما لذلك من استحقاقات سياسية فلسطينية و أخرى عربية ثقيلة تجعل من الكتابة عن هؤلاء المناضلين مخاطرة كبيرة , لأننا هنا لسنا أمام أناس عاديين أو مناضلي منابر أو كراسي , وإنما أمام مناضلين صنعوا البطولة والعزيمة من صخور جبال فلسطين لم ترهبهم عتمة السجون والزنازين , نحن أمام فرسان امتطوا صهوة النضال و شقوا غبار المعارك طواعية وما ترجلوا تَعباً أو هزيمة , مناضلين امتلئوا بالفداء والعطاء والإيثار وما انفكوا - رغم عقوبات وقسوة السجن والسجان على بشاعتها وأنواعها , صابرين شامخين لا تنحني لهم قامة , أمام رجال آمنوا بأنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم , بإيمانهم واجهوا جبروت المحتل الغاشم , فأصفاد الحديد في معاصمهم وأقدامهم لم تمنع من أن تبقى رؤوسهم شامخة وهاماتهم مرفوعة, فخلف القضبان أمل وطموح في مستقبل مشرق لشعب مناضل .معاناتهم الطويلة هي تجسيد لآلام شعب تجرع مرارة اللجوء والاحتلال ..
و خلف القضبان طفل وشاب ورجل وامرأة بل ونواب برلمان وقادة سياسيين وكذلك مرضى وجرحى ,عذاباتهم تختصر عذابات شعب كامل سلك درب الكفاح لتحرير الأرض والإنسان , وصبرهم الطويل تعبير واضح عن صبر الجماهير المتعطشة إلى الحرية والاستقلال .
وحينما نتحدث عن الأسرى ، فان حديثنا لا يقتصر على بضعة آلاف أسير يقبعون في سجون الاحتلال، وإنما نقصد قضية وانتماء ، ونتحدث عن تاريخ نضالي عريق ورافد أساسي من روافد الثورة الفلسطينية المباركة ، نتحدث عن تجارب فريدة من الصمود والثبات والتضحيات وفصول من العذابات والمعاناة والجرائم مورست وما تزال بحقهم من قبل السجان الإسرائيلي الظالم .
إن ما يؤلم هؤلاء الأبطال خلف القضبان ويزيد همومهم هو استمرار الانشقاق البغيض الحاصل بين شطري الوطن فالتسوية السياسية وصلت إلى طريق مسدود , والاحتلال الإسرائيلي مستمر في عدوانه على أبناء شعبنا دون تمييز , و تهويد القدس ومحاولات اقتحام الأقصى المبارك لا تتوقف وكذلك مصادرة أراضي المواطنين,والاستيطان في وتيرة متصاعدة ومتزايدة , ولطالما ناشد الأسرى جماهير شعبنا تجاوز الخلافات والتوحد وإنهاء الانقسام وتغليب المصلحة العامة على أي مصالح حزبية ضيقة , كانوا ومازالوا في كل مناسبة يؤكدون أن وحدة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة تساهم في وحدتهم وقوتهم وانتزاع حقوقهم المشروعة..
وعلي الجميع تحمل مسؤولياته الدينية والأخلاقية والإنسانية تجاه هؤلاء الفرسان والعمل على نصرتهم ومساندتهم والعمل لوقف الانتهاكات الخطيرة بحقهم ، والسعي بكل الوسائل المشروعة لضمان تحقيق حريتهم وعودتهم إلى بيوتهم وأحبتهم .