ما الذي تريده تركيا الاسلامية

تابعنا على:   21:08 2018-01-29

د. عز الدين حسين أبو صفية

بعد أن ساهمت تركيا بالسماح بدخول مقاتلين من مختلف دول العالم عبر أراضيها وحدودها مع سوريا للقتال ضد النظام, ضمن تشكيلات بمسميات مختلفة وكان على رأسها تنظيم داعش, وتلقىٰ كافة تلك التنظيمات مساعدات عسكرية ومالية كبيرة ، واختلاف اللعبة السياسية في كل من العراق وسوريا وتراجع تنظيم داعش وانحسار فكره حول إقامة دولته في بلاد الشام والعراق.

تتجه تركيا الآن إلى تحويل حلمها القديم إلى واقع وبقوة السلاح ، حلمها بعد أن قامت و بمساعدة الاستعمار البريطاني والفرنسي باقتطاع لواء الاسكندرونة من الأراضي السورية وضمه الى بلاد الخلافة متخلية بذلك عن كل ولاياتها الإسلامية بما فيها الوطن العربي بالكامل لتتقاسمه دولتا الاستعمار، ولما كانت دولة الخلافة في حالة من الضعف ، ووفق اتفاقياتها مع دول الاستعمار وافقت على التنازل عن كل شيء على أن لا يتم منح الأكراد المتواجدين في شمال العراق وسوريا وشرق ايران وجنوب شرق تركيا أي كيان سياسي أو حتى دولة مستقلة مقابل تنازل تركيا أيضا عن الموصل الغنية بالبترول على أن تبقى تركيا تستفيد من بترولها مدى الحياة ، وهذا الأمر لم يستمرفي ظل الحلم التركي باقتطاع الشمال السوري وضمه إلى أراضيها تحت ذريعة عدم تمكين الأكراد من انشاء كيانهم السياسي ودولتهم.

والآن و في ظل إنتهاء لعبة إسقاط النظام السوري المدعوم عسكرياً ولوجستيا من قبل روسيا ودخول الولايات المتحدة على خطٍ يحفظ مصالحها أو يمكنها من انتزاع مصالح جديدة لها في المنطقة ، فعمدت الى دعم الأكراد في الشمال السوري لتحقيق هدف تقسيم سوريا ، ولم تكترث كثيراً لما تتطلع اليه تركيا من أطماع في الشمال السوري أو اإفساد أيّ مخططات كردية لإقامة كيان سياسي لهم يرقى لمستوى الدولة ، و في ظل هذا تقوم أمريكا بارسال تطمينات للاكراد بأنها ستعترف وستمارس ضغوطها على كثير من الدول للاعتراف بهذا الكيان الكردي وذلك بهدف استخدامهم وظيفيا لفصل الشمال السوري عن البنية الجغرافية السورية كما حدث في الجنوب السوري الذي تم تهيئته بشكل أو باخر وبالتعاون مع بعض فصائل المعارضة ، كجزء منفصل عن سوريا ، وهذا يصب في مصلحة اسرائيل لسببين :

الأول : إضعاف البنية العسكرية والإقتصادية السورية .

الثاني : إشغال الجيش السوري في حروب داخلية لا تنتهي ، مع حرب طويلة الامد مع تركيا الساعية الي إقتطاع شريط من شمال الأراضي السورية .

ومن هنا بدأت لعبة الخداع تأخذ طريقاً عمليياً لتنفيذ المخططات الأمريكية التركية الإسرائيلية ، وأن ما يدور من حديث عن إحتمالية الاشتباك بين الجيش التركي الذي بدأ غزوه للشمال السوري مع الوحدات العسكرية الأمريكية المتواجدة أيضا هناك كداعم للأكراد ، فهذا على ما يبدو أمراً متفقا عليه لذر الرماد في العيون حتى يستكمل المخطط التركي والذي أعلن عنه الرئيس التركي بأنه هدف تركيا لن يكون ( مقاطعة ععفرين السورية ) بل أنه سيمتد الى طول الشريط الحدودي شمال سوريا وبعمق يتماثل مع عمق لواء الاسكندرونة تقريباً ، وهو الشريط الغني بالنفط والغاز والمياه مما سيحرم سوريا منها ، وذلك توجها نحو خطة إضعافها واشغالها بحرب مفتوحة مع تركيا تستنزف كل طاقاتها الاقتصادية والعسكرية ، في ظل إشغال النظام السوري أيضاً في حروب ومناوشات داخلية من قبل تنظيمات وفصائل تحركها الايادي الأمريكية والتركية وإسرائيل وبعض الأنظمت العربية الدئرة في فلك السياسة الأمريكية .

ومن هنا لا يمكن لأمريكا ان تُضحي بمصالحها مع تركيا لصالح علاقاتها العابرة مع أكراد الشمال السوري لان تركيا تشارك أمريكا في عضوية حلف الناتو، كما ان للولايات المتحدة قاعدتان عسكريتان عملاقتان تشكلان صمام الأمان لها ولأوروبا في نزعتهم العدائية لروسيا لا سيما وأن القاعدة الاولى ( قاعدة إنجرلك ) والتي تحتوي على أكبر مخزون إستراتيجي من السلاح النووي لامريكا ولحلف الناتو بالاضافة الى العديد من القوات العسكرية المتنوعة والمطارات الحربية وذلك كرادع لروسا .

والقاعدة الثانية والتي يتواجد بها نظام السيطرة و التحكم والتنصت والإتصالات و الرادارات بكافة أنواعها واستخدماتها وكذلك أنظمة التحكم بالسلاح النووي وتوجيهه ، مع وجود مراكز القيادة الرئيسية لحلف االناتو .

ومن هنا فإن أمريكا لا تُظهر تأييدها للسلوك التركي في الشمال السوري إلا انها تباركه وتتفهمه ، وهذا من وجهة نظرها لا يتعارض بالمطلق مع أدائها بدعم الأكراد في الشمال السوري للمساهمة في تقسيم سوريا وإنتزاع الشمال الشرقي من أراضيها ومنحه للاكراد ككيان سياسي يتمتع بحكم ذاتي ، ولا تكترث امريكا إن كان هذا الكيان بحكمه الذاتي سيتبع النظام السوري أو يبقى ضمن الشريط الحدوي في الشمال السوري والمنوي إقتطاعه من قبل تركيا لتضمة إليها بشكلٍ أو بآخر .

ومن هنا يمكننا القول بأن ما يدور الآن في تلك الساحة هو أن تركيا بدأت بالخطوات العملية لتحقق حلمها القديم بأقتطاع ذاك الشريط الحدودي من شمال الأراضي السورية وضمه لأراضيها بذريعة حماية حدودها الجنوبية من الارهاب ، في حين أنها لا زالت تدعم بعض الفصائل التي تحارب النظام والجيش السوري والمصنفة دولياً بتنظيمات إرهابية ، كما تقوم باجبار النازحين السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء على أراضيها للقتال معها ضد الأكراد للاستيلاء على الشمال السوري ضمن وعود غير واقعية ستحققها لهم.

اخر الأخبار