المشهد الفلسطيني بين عام مضى وأخر قادم : التسويه والمصالحه و " تفاعلات " لم تكتمل

تابعنا على:   09:54 2018-01-21

عواد الاسطل

 في الوقت الذي كانت فيه المصالحه ومنذ فتره ليست بالقصيره تراوح مكانها، تمخضت تفاعلات العام 2016 في مجال التسويه والتي ارتبطت بالجهود التي قام بها وزير الخارجيه الامريكي السابق جون كيري حتى ذلك الحين ، عن تمرير القرار2334 المناهض للاستيطان في مجاس الامن ، بامتناع واشنطن عن استخدام حق الفيتو . ورغم ان هذا القرار يعتبر متخلفا عن قرارات سابقه ضد الاستيطان كانت اعتبرته جريمة حرب ومخالفا لاتفاقية جنيف الرابعه ، الا انه نظر اليه على ان من شأنه ان يعمل على تعزيز فكرة حل الدولتين ، ويضع العراقيل امام تنفيذ تعهدات الرئيس الامريكي المنتخب حديثا دونالد ترامب في حملته الانتخابيه الداعمه لاسرائيل ولتصوراتها لمستقبل العمليه السلميه . على خلفية ذلك ، وفي 20/1/2017 اعتلى الرئيس ترامب سدة الرئاسه في الاداره الامريكيه ، مثيرا الكثير من المخاوف والشكوك ، حول دور الاداره الجديده في عملية التسويه ، خاصة وانه عكف منذ وصوله الى تنفيذ متطلبات شعار " اميركا اولا " ، ولم يعط بالا ذا شأن الى تعيين اسخاص ذوي خبره وعلى اطلاع بشؤون الصراع العربي الاسرائيلي ، والاكثر من هذا بدا ان ادارة ترامب الجديده ادخلت تغيرات كبيره في تعامل الاداره الامريكيه مع الجانب الفلسطيني ، فقد امتنعت –على غير العاده - عن اجراء اتصالات ، ولم ترد على رسائل التهنئه ، وجمدت مبلغ 221 مليون دولار كان الرئيس السابق اوباما قد وعد بها قبل نهاية ولايته ، وامتنعت عن ادانة سلسله كبيره من مشاريع الاستيطان ، ولعل الاكثر من كل ذلك ، ما كشف عنه لقاء ترامب – نتنياهو (15/2/2017 ) ، من تأييد ترامب " العاطفي جدا " لاسرائيل ، والذي سبقه اعلان البيت الابيض " ان حل الدولتين لم يعد هو الخيار المطروح " 0 غير ان مكالمه للرئيس ترامب مع الرئيس عباس في 10 مارس 2017، ودعوته اياه لزيارة البيت الابيض ،ورغم انها جاءت متأخره ، لم تحيي فقط الامال بانخراط الاداره الامريكيه الجديده في عملية التسويه ، بل انها رفعت ايضا من اسهم الرئيس عباس وخاصة عند مصر ،التي كانت علاقاتها معه مرت بمرحلة من "الخلاف الصامت " ، بعد محولتها التوسط (هي والسعوديه والامارات والاردن )لاعادة محمد دحلان الى صفوف حركة فتح (التي كانت فصلته )، كمقدمه للمصالحه مع حماس 0وقد تجلى ذلك في ادراج القاهره ضمن جولة عباس الخارجيه، التي سبقت قمة عمان ( 29 مارس الماضي ) ، والتي كانت غير مدرجه في برنامح تلك الجوله ، بعد تلقيه دعوه من الرئيس السيسي. الى ذلك الحين ، كان العديد من القاده العرب ، قد زاروا واشنطن ، والتقوا ترامب واركان ادارته ، كما قام الاخير وعلى غير عادة الرؤساء الامريكيين الجدد، بجعل السعوديه القبله الاولى لاول جولة خارجية له (20-22/5/2017 ) ، حيث كشفت عن مدى عمق العلاقه بين المحور الذي تقوده السعوديه وبين ادارة ترامب ، وهو ما اتضح ليس فقط من خلال الحفاوه البالغه في الاستقبال ، وعقد قمه امريكيه عربيه اسلاميه بحضور 55 دوله كان عنوانها الاساسي محاربة الارهاب والتطرف ، والاتفاق في وجهات النظر حول الخطر الايراني ، بل وايضا وربما هذا هو الاهم ، من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات الامنيه والاقتصاديه ، والتي بلغت قيمتها مئات مليارات الدولارات ، وهو ما صب في التحليل الاخير في تقوية موقف ترامب الذي كان يواجه عدة تحديات داخلية، رفع بعضها صوت المناداة بعزله. على اثر ذلك بات واضحا بعض الشيء ان محاربة ان شعار محاربة الارهاب والتطرف ، الذي رفعه المحور السعودي المتقارب مع امريكيا ، يحتاج فيما يحتاج اليه ، الى حل ما للمشكله الفلسطينيه و للصراع العربي الاسرائيلي 0 وفي هذا الخصوص اخذ ترامب الذي تتحكم بلاده في ادارة عملية التسويه للصراع العربي الاسرائلي منذ قيامها ، يردد مصطلحا جديدا في هذا المجال : " صفقة القرن " 0 فهو أي ترامب ، وكرجل اعمال يؤمن بعقد الصفقات ، لا بالدخول في عمليات ، ولهذا اخذ على سابقيه من الرؤساء الامريكيين اخفاقهم في حل الصراع العربي الاسرائيلي ، واخذ يبشر بقدرته على اتمام صفقه تنهي المشكله الفلسطينيه ، في اطار حل شامل للصراع. الى ذلك باتت الحاجه ملحه لاتمام مصالحه فلسطينية، حتى لا يكون الانقسام ذريعة لعدم اتمام الصفقه التي يبشر بها الرئيس ترامب 0 وفي هذا السياق كانت حماس قد انهت انتخاباتها الداخليه واعلنت عن قياده جديده لها ، من بينها رموز – قيل انها - لا تعاني من عقدة الانقسام لانها لم تشارك فيه حيث كانت انذاك رهن الاعتقال ومن بينها يحيى السنوار قائد الحركه الجديد في قطاع غزه ، كما كانت اصدرت وثيقتها السياسيه الجديده ، والتي تتماهى كثيرا مع برنامج فتح و (م0ت0ف) بخصوص التسوية. وحتى الان ، وفي هذا السياق ، لا يوجد ما يدحض ، بان هناك علاقه ما بين عدم اتمام وفد حماس برئاسة السنوارجولته الخارجيه ( التي كان مقررا لها ان تشمل قطر وايران وتركيا ) وبين اعلان كل من مصر والسعوديه والامارات والبحرين قطع علاقاتها واغلاق حدودها مع قطر فجر 5/6/2017 ، غداة وصول وفد حماس الى القاهره في طريقه الى جولته الخارجيه المعلنه 0 وعلى ما بدا فلربما استعيض عن تلك الجوله بقيام الوفد باجراء مباحثات ليس فقط مع المخابرات المصريه بل وايضا مع تيار دحلان ، اعلن على اثرها عن التوصل الى تفاهمات مصريه مع حماس حول ضبط الحدود في منطقة رفح ، وتفاهمات مع تيار دحلان حول الوضع في قطاع غزه الذي عانى كثيرا من الانقسام 0ولعل هذه التفاهمات ، كانت حافزا لنشيط جهود عملية المصالحه بين فتح وحماس التي اشرفت عليها المخابرات المصريه ، والتي توجت بالاعلان عن نجاحها في 17/9/2017 ،وبتوقيع الفصائل على اتفاقها في 12/10/2017 في القاهرة. ولكن سرعان ما اتضح وتأكد ، وجود علافة ما بين استمرار امتلاك عملية المصالحه قوة اندفاعها الذاتي ،والتي انطلقت بوصول حكومة الوفاق الى قطاع غزه ، في الثاني من اكتوبر، وبين الامور المرتبطه بصفقة القرن ، خاصة بعد ما بدا ان هناك غموضا في الموقف الامريكي من تلك الصفقه ، تمثل في الاعلان تارة عن نية الاداره الامريكيه طرح خطتها وتصورها للتسويه ، وتارة عن تاجيل ذلك ، الامر الذي انعكس في تباطؤعملية المصالحه وانحصار الامال التي كانت انتعشت منذ ذلك الحين 0 فلربما كان الجانب الفلسطيني يخشى من تعرضه لضغوطات بان يوافق على ما لا يلبي فقط الطموحات الفلسطينيه في هذه المرحله ، بل وايضا على ما يضع سقفا منيعا لها في المستقبل 0وقد ترافق ذلك مع تسريب انباء غير ساره ، بعضها عن طريق الجانب الاسرائيلي وبعضها عبر اطراف عربيه ، عن فحوى صفقة القرن الامريكيه ، التي تقترح على الفلسطينين اقل من دوله ،وتاجيل بحث القضايا الاساسيه الى المستقبل ، وبعد بدء عملية التطبيع العربي مع اسرائيل 0 وفي الوقت الذي بدت فيه عملية المصالحه انها قد دخلت في نفق مظلم ، وهو ما عبر عنه البعض تعليقا على بيان الفصائل الفلسطينيه التي كانت اجتمعت في القاهره (21-22 اكتوبر) لتقييم عملية المصالحه , وفق ما نص عليه اتفاق 12 اكتوبر ، بدأت التقارير تتوارد من العاصمه الامريكيه وغيرها عن مشاعر الثقه التي كانت اغرت الرئيس ترامب بسهولة حل الصراع الذي دام 70 عاما ، مطلقا شعار صفقة القرن ، وسرعان ما تبين لهصعوبة وتعقد ذلك الصراع ، فشرع بالحديث عن خطه لحل الصراع ليتضح لاحقا انها لا تزيد عن مشروع انشاء كيان منقوص السياده ، وذهب بعيدا اكثر من ذلك بمحاولته ابعاد اخطر قضيه وهي القدس عن طاولة المفاوضات ، فأعلن في 6 ديسمبر ، وعبر عمليه دراماتيكيه ، اعترافه بالقدس عاصمه لاسرائيل ، وبقرارنقل السفاره الامريكيه اليها 0 ومما لا شك فيه ، ان اعلان ترامب المشار اليه ادى الى عملية "خلط اوراق " جديده في المنطقه وعلى ساحة المسار الفلسطيني بصفة خاصه ، فالجانب الفلسطيني راى فيه انحيازا سافرا لاسرائيل ، اخرج الاداره الامريكيه من دور الوسيط في عملية التسويه والراعي لها ، وهو ما تم التعبر عنه في الخطاب الذي القاه الرئيس عباس امام الدوره 28 للمجلس المركزي (14-15 يناير الجاري ) ، وفي مقررات تلك الدوره 0 ومن جانب اخر فأن التعاطي مع اعلان ترامب شكل عاملا جديدا من عوامل الخلاف الذي تغذي استمرار حالة الانقسام الفلسطيني ، الامر الذي وجد تعبيرا له في حملات التراشق الاعلامي والاختلاف في الرؤى والمواقف التي ارتبطت بعقد دورة المجلس المركزي الاخيره 0 ولعل الاكثر من كل هذا في مجال المصالحه ، فأن اعلان ترامب الذي يبدو انه سيدخل عملية التسويه في طور من الجمود ، افقد المصالحه الكثير من قوة دفعها الذاتي ، فمصالحه على ماذا ان لم تكن هناك تسويه ؟ ولعل الوضع الذي تدخل فيه عملية التسويه في جمود ، سيؤدي الى ازدياد نقاط الخلاف حول التعاطي مع هذا الوضع الذي سيؤثر على التطور الفلسطيني برمته حتى في ادق التفاصيل 0 واذا كانت عملية التسويه ستدخل في مرحة جمود ، لان الجانب الفلسطيني لاتوجد لديه خيارات غير التراجع عن اعلان ترامب او تعديله ، ولان أي حل يحتاج الى القبول الفلسطيني ، فأن الوضع على مسار المصالحه ، وبناء على ما انجز منها واتطلاقا من الحساسيه التي ترتبط بها ، مرشح والحال كذلك الى وضع " اللامصالحه والاانقسام " ، ولعل الخروج من هذا الوضع واعادة عملية التسويه الى مسارها الطبيعي ، يحتاج في هذه الظروف الى ما يشبه المعجزه ، ولعل السؤال الذي سيبقى مطروحا في هذا الخصوص هو : هل ان حربا جديده او جولة اخرى من العنف ، يمكن لها ان تكسر دائرة الازمة التي تمر بها عملية التسوية وما قد يرتبط بها من انجاز المصالحة؟.

اخر الأخبار