
المعنى الحقيقي للنظافة في الاسلام
محمد جهاد القطراوي
كان مما أثار استغرابي وأنا أتصفح كتاب “عوائق النهضة الاسلامية” للمفكر الكبير علي عزت بيجوفيتش , ذكره لعدم الحفاظ على النظافة في حياة المسلمين في العصر الحديث كعامل مهم في معرض تفسيره لسبب قدرة الأعداء على الحفاظ على الأساطير التي تقدم الاسلام في صورة دين التطرف والجهل والطغيان بالإضافة للفقر المدقع !!!
تساءلت في نفسي كثيرا كيف أن الرجل ترك كل ما نظنه سببا لتخلف أمتنا وذكر النظافة !!
الاهتمام بالنظافة ؟؟! وأين ضعف الانفاق على التعليم والاهتمام بمراكزه ورعاية أهله ؟ أين الصحة التي هي مؤشر مهم على رقي المجتمع وارتياح افراده ؟؟ أين الحرية التي توفر حق المشاركة السياسية للجميع دون ملاحقة بما ينعكس على قوة المجتمع وتماسكه وعدم حرمانه من أي طاقة من طاقات أبنائه يمكن أن تبنيه وتعمره وتساعد في رقيه ؟؟ أين احترام السلطة للشعب على أساس المواطنة واعلاء كلمة القانون ونشر العدل ؟؟!
أليست هذه مرتكزات مهمة لقيام الحضارات وتفوق الشعوب ؟!!!
ثم ما لبث اندهاشي أن زال بعد قليل من التفكير بكلام الرجل وطرحه الجميل .
النظافة ,, نعم النظافة التي ما أن تنتشر في مجتمع من المجتمعات حتى تعطيك كثيرا من المؤشرات التي تدلل على أن هذا المجتمع في طريقه للتحرر الفكري والنهوض الحضاري واثبات الذات ونشر الرسالة التي يؤمن بها ويتبناها .
وجدت أن النظافة مؤشرا مهما في الأمة على مدى ارتياح الأفراد نفسيا ورضاهم عن الأحوال العامة التي تشعرهم بالانتماء للمجتمع ما يولد لديهم عاطفة داخلية تدفعهم للحفاظ عليه ومراعاة شكله العام أمام باقي المجتمعات . النظافة بمفهومها الواسع هي مرتكز أساسي من المرتكزات الحضارية للدين الاسلامي والتي تقدمه كدين يراعي فطرة الانسان ويحافظ على بيئته في سياق الدعوة اليه وترغيب الناس به .
والأهم أن نعلم أنَّ النظافة المقصودة هنا لا تقتصر على الاهتمام بنظافة الشوارع من القاذورات ورتابة البيوت والأماكن العامة , بل هي أوسع من ذلك بكثير .
النظافة التي يريدها الاسلام –والتي يقصدها الكاتب- هي نظافة القلوب من كل الشوائب الدنيوية الكفيلة بالقضاء على وحدة المجتمع وتآلف طبقاته وقوة نسيجه , هي النظافة التي أول ما سعى النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- الى غرسها في المجتمع الاسلامي بدابة تأسيسه عندما آخى بين الأنصار والمهاجرين , في خطوة تعطي انطباعا عن نقاء القلوب وصفائها وارتباطها وخلوها من المنغصات الحياتية .
وجدت أن النظافة في الاسلام تعني نظافة القلب من العبودية الا لله , ومن التعلق بأحد غير الله , ومن الاطمئنان لأحد لا يأتمر بأمر الله , ما يعطيها قوة وحضورا تشعرها بالعزة والأنفة وتمنعها من الخضوع لحاكم فاسق أو ظالم متكبر .