مستقبل الصراع بين فرنسا وتركيا

تابعنا على:   13:03 2014-04-10

عبداللطيف أبوضباع

في الحقيقة لايمكن لنا تحديد شكل الصراع أو تحديد طبيعة العلاقة في المستقبل بين فرنسا وتركيا ، وفي الوقت نفسه لا نستطيع ترجيح كفة "فوكوياما" أو" هنتنجتون" أو كلاهما معآ ، والسبب المتغيرات التي تحرك الثوابت .

بالنسبة للصراع التركي الفرنسي سابقآ والخلافات القديمة والعلاقات المتأرجحة والمتوترة بين البلدين في اعتقادي هي خلافات بسيطة لاترقى لدرجة التعقيد ، إذا ما تحدثنا عن الرفض الفرنسي لإنضمام تركيا للاتحاد الاوروبي ، أوقانون الابادة الأرمنية ، أو بعض الخلافات السياسية ،العسكرية ، الاقتصادية البسيطة هنا أو هناك .

استطاعت الدبلوماسية أن تخفف حدة التوترات بين البلدين ، في زيارة ودية سابقة للرئيس هولاند ، وهذا لايعني نهاية الصراع ، لكن السؤال الأهم ماهو شكل الصراع في المستقبل بين الأتراك والفرنسيين ، هل هو صراع حضارات ، صراع سياسي ، صراع ايدلوجيات ، صراع اقتصادي ، صراع عسكري ، أم صراع امبراطوريات استعمارية قديمة ..!!؟؟

 كما قلنا سابقآ ، لانستطيع ترجيح أي كفة ، وهنا لابد من العودة الى فوكوياما وهنتجتون والخلاف بينهما ،تمامآ كالحالة الضبابية التي نمر بها ، خلافهم كان بسبب تحديد نوع وشكل و طبيعة الصراع ..

فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ ) اختزل الصراع بين نظامين رأسمالي وشيوعي ، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقآ ،وأسترسل في الحديث عن الديمقراطية ومميزاتها ، وعن هيمنة الرأسمالية وتعميم الديمقراطية ، وأما صماويل هنتنجتون فكانت وجهة نظره أن الصراع هو (صدام الحضارات) كما ورد في كتابه وأشار الى الحضارة الصينية والفارسية والهندية والغربية والإسلامية ، وتحدث عن الشكل الخارجي للصراع ولم يتطرق الى الصدام الداخلي لأي من الحضارات ، فهل هو صراع حضارات" خارجي - داخلي" أم صراع بين القطبين (روسيا وأمريكا ) ..!!

وبالعودة للصراع الفرنسي التركي ، المدة الزمنية كانت قصيرة بين الانتخابات الفرنسية التي فاز بها اليمين المتطرف "الجبهة الوطنية " بزعامة ماري لوبن ، و الانتخابات التركية والتي فاز بها حزب العدالة والتنمية .

وبالنسبة لإستشراف المستقبل كمتابع ، اعتقد أن الصدام سيكون داخلي وخارجي لكلا الطرفين ، في تركيا سيكون الصدام الداخلي بين الطرف الفائز (العدالة والتنمية ) وبين عدة اطراف منها المعارضة الداخلية والعلمانية بمختلف تفرعاتها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية -الجيش - والصدام الخارجي سيكون مع عدة اطراف اقليمية ودولية وعلى رأسها فرنسا .

بالنسبة لفرنسا وصعود اليمين المتطرف في اعتقادي سيكون بداية لتفكك وتفسخ الاتحاد الاوروبي أولآ ، وسيكون الصدام الخارجي مع عدة أطراف ودول إسلامية ثانيآ .

وفي الداخل سيكون الصدام مع قيم ومبادئ الثورة الفرنسية في الحرية والمساواة ، أي مع العلمانية الفرنسية الركيزة الأساسية من ركائز الديمقراطية والنظام السياسي الفرنسي ، ويبدو أن الجبهة الوطنية الفرنسية تسعى الى تغيير بعض مواد الدستور وخصوصآ المادة الأولى والثانية ، التي تنص على (حرية ممارسة الشعائر الدينية ولكنها لاتعترف بأي من هذه الشعائر)

واعتقد أن التغيير سيكون بطرح قوانين تقيد حرية ممارسة الشعائر الدينية ،وبالذات للجاليات المسلمة ومن الممكن أن تطرح قوانين أكثر صرامة تطال كل ماهو إسلامي ، وذلك بعد أن فشلت الدولة الفرنسية في تطبيق سياسة الانصهار أو الاندماج المجتمعي ،وبعد أن تأكدت أن المسلمين في فرنسا لايمكن أن يمارسوا شعائرهم داخل الإطار الذي تحدده الدولة العلمانية ..

إن الصعود الكارثي لليمين المتطرف بزعامة"ماري لوبن" ستكون نتيجته كارثيه على كل مسلم يعيش في فرنسا ، إما بسبب الشعائر الدينية، وإما بسبب الافضلية الوطنية-الفرنسية- ، وإما بسبب الهجرة والجنسية ، وإما لأسباب اقتصادية منها البطالة والأيدي العاملة وغيرها من المشاكل الداخلية ، وبالتالي اليمين الفرنسي المتطرف سينفض الغبار عن فجوة أو هوة "المساواة" النظرية والعملية .

وأما الصدام الخارجي -الفرنسي - بالتأكيد سيكون مع دول الاتحاد الاوروبي بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد وفي الإتحاد ، وبسبب عنصرية وتطرف الحزب الحاكم (الجبهة الوطنية ) فلايمكن للاتحاد الاوروبي التعايش مع الجمهورية التي تسعى لإعادة امجاد الامبراطورية ولايمكن لها أن تتأقلم مع شعارات العظمة القومية وفرنسا القديمة ، فهذه العقلية الجديدة- القديمة - ممثلة

( بالجبهة الوطنية ) هي التي ستحدد مستقبل العلاقة مع دول الإتحاد وهي التي تسعى للإنفصال عن الاتحاد الأوروبي وبالتالي لامستقبل للإتحاد بدون فرنسا .

إذن وبعد إفشال مشروع الاخوان المسلمين في الحكم في عدة دول ، ستكون تركيا هي النموذج السياسي الاسلامي" الناجح" أمام الشرق والغرب وخاصة فرنسا "الجديدة" المعادية لكل ماهو إسلامي ، ناهيك عن باقي الأطراف ، واعتقد أن الجبهة الوطنية الفرنسية وحلفائها( اسرائيل) واليمين المتطرف في المانيا وبلجيكا وايطاليا ،والجاليات الارمنية و القبرصية على الأراضي الفرنسية ، ستعمل على تشكيل (جبهة عنصرية ) ضد كل ما هو اسلامي وضد الدولة التركية بالذات ، التي تسعى بكل قوة للتمدد في اوروبا عبر بوابة الاتحاد ..

فرنسا استشعرت الخطر التركي الاسلامي وكانت من أشد المعارضين لدخول واندماج تركيا في الاتحاد الاوروبي ، وهو استشعار بالخطر من التمدد الاسلامي (بالنسبة لهم ) بمعنى دخول تركيا 75 مليون نسمة الى الاتحاد الاوروبي ، يعني دخول الاسلام الى القوانين والى الدساتير الاوروبية ، وبالتالي السيطرة على البرلمان وعلى معظم المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ايضآ ، وعلى ضوء كل ماسبق أعلن الطرف الفرنسي "المعتدل " رفضه للتمدد التركي ، فما بالك الآن بعد وصول الطرف اليميني العنصري "المتطرف" الى سدة الحكم ..!!؟

 ولاننسى ايضآ أن الطرف التركي يسعى لاستعادة امجاد الماضي وعظمة الامبراطورية العثمانية وأحفاد العثمانيين ، تمامآ كالطرف الفرنسي الفائز في الانتخابات الجديدة ..!

واذا جاز لي التعبير أقول ، الصراع يجب أن يكون "صراع التغيير" نعم ؛ تغيير النظرة التقليدية بين الغرب والشرق ..

الصدام والصراع التركي الفرنسي يطل برأسه على المدى القريب ، ولكن ماهية هذا الصراع وشكله هذا ما أجهله ، هل هو صراع حضارات ، هل هو صراع ايدلوجي ، هل هو صراع سياسي ، هل هو صراع اقتصادي ، هل هو صراع امبراطوريات، لا أعلم ..؟؟!!

ولكن ما أعلمه أن النزعة العنصرية والتعصب العرقي والاطماع المادية الاستعمارية لاتتفق مع الإيمان المطلق بإنسانية الإنسان ، ولا تتفق مع كل مبادئ وقيم الحرية والعدالة والمساواة ، وأن الحرية لايمكن اختزالها بمجموعة مفاهيم قاصرة ، وبالتالي تعاليم الدين الإسلامي لم ولا ولن تكون في أي يوم من الايام في صدام أو صراع مع حرية الأنسان ، والأصالة لاتتعارض مع قيم الحداثة وفق الضوابط والمعايير الاخلاقية للبشر .

اخر الأخبار