الأردن بين التعقيد والبساطة

تابعنا على:   12:26 2018-01-07

خيرالله خيرالله

الأردن ليس دولة حديثة. تأسست المملكة في عشرينات القرن الماضي واستقلت في الاربعينات وهي من الدول السبع المؤسسة لجامعة الدول العربية (المملكة العربية السعودية، مصر، العراق، الاردن، سورية، لبنان، اليمن). على الرغم من ذلك، هناك من لا يعرف ما هو الأردن ولماذا استطاعت المملكة الأردنية الهاشمية تجاوز كلّ الصعوبات والازمات العميقة التي مرّت فيها منذ تأسيسها. وكانت هذه أزمات بكلّ معنى الكلمة طرحت خلالها مرارا مسألة وجود المملكة ومصيرها.
ليس الكلام الذي تروّج له أوساط معروفة، بل معروفة اكثر من اللزوم، عن مشاركة ثلاثة من الامراء في مؤامرة لقلب نظام الحكم سوى من نوع الكلام المضحك المبكي. هذا الكلام الذي نشرته مواقع معيّنة استحقّ نفيا من الديوان الملكي الهاشمي. نشرت بعد ذلك صورة للملك مع الامراء المعنيين اكّدت العلاقة المتينة بين عبدالله الثاني وشقيقه واخوته وابناء عمّيه، محمّد بن طلال والحسن بن طلال.
الامراء الثلاثة الذين تقاعدوا أخيرا، لديهم رتب عسكرية، وهم معروفون بولائهم المطلق للملك عبدالله الثاني، وذلك بغض النظر عما يدور بين ابناء العائلة الواحدة، وهي عائلة صغيرة لم يتعرّض تماسكها لهزّة قويّة في أي يوم. كيف يمكن لهؤلاء الامراء التآمر على انفسهم، أي على النظام القائم في الأردن الذي يُعتبرون جزءا لا يتجزّأ منه ومن تركيبته؟
ان ايّ امير من الامراء الثلاثة، على رأسهم الأمير فيصل وهو الشقيق الوحيد للملك عبدالله من والده وامّه، يعرف انّ هناك شيئا اسمه العائلة الأردنية الكبرى التي لا يمكن لايّ امير الاستغناء عنها. والعائلة الأردنية الكبرى ليست العائلة الهاشمية التي عدد افرادها صغير، بل هي العائلة التي تضمّ كلّ العشائر والفئات الأردنية التي ارتضت بالهاشميين حكّاما للاردن في ظل توازنات معروفة لم يتنكّر لها أي ملك من ملوك الأردن يوما.
على العكس من ذلك، كان ملوك الأردن في مقدّم الداعين الى قيام ملكية دستورية والى تشكيل أحزاب تلعب دورها في مجال توفير أجواء للعبة ديموقراطية سليمة تكون فيها موالاة ومعارضة تتولى محاسبة الحكومة في البرلمان.  الأكيد ان الملك ليس مسؤولا عن أي فشل على صعيد الممارسة الديموقراطية. المسؤول هو العجز عن انشاء أحزاب قادرة على ان تكون فعلا في مستوى التجربة الديموقراطية التي استعادت حيويتها في خريف العام 1989، عندما قرّر الملك حسين في وقت كان العالم يشهد تطورات كبيرة، من بينها سقوط جدران برلين، إعادة الحياة البرلمانية الى الاردن.
ليس الأردن وليد البارحة. استطاع الأردن مواجهة المدّ الجماهيري القائم على الجهل والغباء والامّية السياسية الذي قاده جمال عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي وستيناته. لم يترك عبد الناصر بذاءة الّا ووجهها للملك حسين. ماذا كانت النتيجة؟ صمد الأردن في وجه «معبود الجماهير العربية» الذي تسبب في نهاية المطاف في حرب 1967 وخسارة الضفّة الغربية والقدس التي بات الرئيس دونالد ترامب يعتبرها عاصمة لإسرائيل.
قبل ذلك، تعرّض الأردن لهجمات النظام السوري الذي فجّر مقرّ رئاسة الوزراء وقتل رئيس الحكومة هزّاع المجالي. من لا يعرف شيئا عن تلك السنوات التي مرّ فيها الأردن في ظروف اكثر من صعبة، يتذكّر حتما ما عانته المملكة الأردنية بعد هزيمة 1967 وإصرار الفصائل الفلسطينية على قلب النظام والتخلص من الملك حسين من منطلق ان طريق القدس تمرّ بعمّان!
لا حاجة للعودة الى احداث العام 1970 وإنقاذ الأردن المقاومة الفلسطينية من نفسها عندما تصدّى للهجمة التي استهدفت اسقاط النظام خدمة لإسرائيل التي كانت تفكّر وقتذاك في جعل الأردن «الوطن البديل». استطاع الأردن، الذي كان في طليعة الدول العربية التي دعمت العراق في حربه مع ايران في العام 1980، التصدّي باكرا للمشروع التوسّعي الايراني. لم يمنعه ذلك، بعد دفنه لفكرة «الوطن البديل»، من دعم القرار الفلسطيني المستقلّ ومساعدة الفلسطينيين في رسم حدود الدولة الفلسطينية المفترضة وذلك عندما اتخذ الملك حسين قرار فكّ الارتباط مع الضفّة الغربية صيف العام 1988.
تساعد هذه التواريخ المنتقاة في انعاش ذاكرة من يعتقدون ان الأردن دولة مصطنعة من السهل تناولها من خلال اخبار ملفّقة تتناول الامراء فيصل بن الحسين والعلي بن الحسين وطلال بن محمّد. الأردن قضيّة في غاية التعقيد، لكنّه في الوقت نفسه قضية في غاية البساطة. ما يدلّ على انّه قضية في غاية البساطة خلافة الملك عبدالله لوالده الملك حسين بمجرّد ان الأخير قرّر، وهو على فراش الموت، تغيير وليّ العهد. ماذا فعل الأمير الحسن بن طلال عندما قرّر الملك حسين ان يحلّ الامير عبدالله وليّا للعهد مكانه؟ امتثل الحسن لما قرّره شقيقه الأكبر واصبح عبدالله بن الحسين في 1999 ملكا بعد وفاة والده ذلك على الرغم من ان الحسن امضى خمسة وثلاثين عاما وليّا للعهد.
نعم، الأردن قضيّة معقّدة وبسيطة في آن. يمرّ الأردن حاليا في ازمة اقتصادية عميقة جعلته يعيد النظر في أمور كثيرة دفعته الى جعله يفكّر في كيفية الاعتماد على نفسه فقط وليس على أي طرف خارجي اعتاد مساعدته. تترافق هذه الازمة الاقتصادية، وهي من النوع الذي لا سابق له في تاريخ المملكة بتحدّيات ذات طابع اقليمي من نوع جديد. فرضت هذه التحديات، من بين ما فرضته إعادة هيكلة القوّات المسلّحة. من الطبيعي ان تشمل إعادة الهيكلة هذه إحالة ضباط على التقاعد، بما في ذلك امراء. هناك حاجة الى ان يكون الجيش الأردني اكثر فعالية والا يكون هناك ضباط يعملون من خلف مكاتبهم. الملك نفسه شارك أخيرا في مناورات بالذخيرة الحيّة واطلق النار من رشّاش وهو في طائرة هليكوبتر ثمّ قاد عملية اقتحام على الأرض.
ليس سرّا ان هناك صعودا لنجم الأمير حسين وليّ العهد الذي يتولّى حاليا جزءا من المهمات الملقاة على الملك. ليس سرّا أيضا ان الأمير راشد نجل الأمير الحسن لا يزال في الخدمة الفعلية في الجيش. وهذا يعني ان العلاقة بين الملك وعمّه اكثر من جيّدة.
دخل الأردن بكل بساطة مرحلة جديدة مختلفة في منطقة لم تعد فيها المعطيات القائمة على علاقة بالماضي. من كان يتصوّر مثلا ان يذهب الرئيس دونالد ترامب الى هذا الحدّ في قضيّة القدس التي تؤثّر مباشرة على الأردن. راهن الأردن دائما، خصوصا بعد توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل، على خيار الدولتين. من مصلحة الأردن التوصل الى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدل انسداد كلّ الآفاق التي يمكن ان تؤدي الى مثل هذه التسوية.
الثابت ان الأردن في وضع لا يحسد عليه. انّه وضع جديد كلّيا. الثابت ايضا انّ الأردن ليس في وضع ميؤوس منه. يعود ذلك اوّلا الى انّه ليس دولة مصطنعة بمقدار ما انّه حاجة إقليمية ودور في الوقت ذاته.
امتلك الأردن قدرة على التأقلم مع الصعوبات والتعايش معها بغض النظر عن طبيعتها. الم تكن العلاقة بين الأردن وإدارة جيمي كارتر في غاية السوء في مرحلة من المراحل، أي في منتصف سبعينات القرن الماضي، وذلك قبل ان تعيد تلك الإدارة النظر في موقفها وتكتشف ان لا غنى لها عن العلاقات مع عمّان؟ تبدو العودة الى بعض التواريخ ضرورية بين حين وآخر.

عن الرأي الكويتية

اخر الأخبار