أطفال المغراقة بين قصف السماء وبرد الشتاء!!

تابعنا على:   14:28 2014-04-08

أمد / غزة - تقرير باسم أبو جري : نوم الأطفال جنوب قرية المغراقة يشبه إلى حدٍ كبير الاسترخاء بجوار ثعبان حلّ ضيفاً على غير استئذان ؟! فلا عيونهم البريئة قادرة على الإقفال ولا أجسادهم اللينة تنال الراحة. هذا هو حال العائلات الفلسطينية التي تقطن قرب مجرى وادي غزة جنوب شرق القرية

هناك يتقاسم الاحتلال وقسوة الشتاء فصل المعاناة المستمر مع عائلات تكافح من اجل البقاء. قديماً قالوا: ثلاثة أشياء ليس لها أمان من بينها السيل، ولو قدر لصاحب هذه المقولة ان يحيا اليوم لأضاف شيئاً رابعاً وهو الطيران الحربي الإسرائيلي. لا ينام أطفال تلك المنطقة على بقايا قصة "سندريلا".. أو "أميرة البجع".. فهدير الطائرات الحربية الإسرائيلية يبشّر بغارات وشيكة قربهم، ومياه الوادي الصامتة قد تثور فتغرق فراشهم الدافئ في أي لحظة.

الحياة تتبدّل

. فئتين من العائلات تقطن هذه المنطقة، الأولى هي التي تعتمد في معيشتها على تربية الحيوانات والطيور، حيث حطت رحالها في هذه المنطقة بعد أن وجدت وفرة في المياه والكلأ، والفئة الثانية هم من دفعتهم أزمة السكن وأغراهم انخفاض أسعار الأراضي في المنطقة للإقامة فيها.

كانت المنطقة ملجأ للباحثين عن الهدوء والسكينة في الماضي، فعلى رماله النظيفة كان أطفال القرية والتجمعات المجاورة، يتقاذفون الكرة فيما بينهم و يتقاذفون معها ضحكاتهم، والطيور البرية تتمايل حولهم، ولم يدم هذا النعيم طويلاً، فتحولت هذه المحمية الطبيعية إلى كابوس بفعل العوامل البيئية والسياسية.

بعد انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من مستوطنة (نتساريم) الواقعة على تخوم القرية، تنفس السكان، وتلاشت مرحلة التوتر والقلق جراء التوغلات وإطلاق النار المتكرر على سكان القرية، ولم يدم هذا الحال طويلاً ليعود الاحتلال جواً عبر طائراته المحملة بالصواريخ الثقيلة التي يسقطها بين الفينة والأخرى على مواقع المقاومة والمنشآت الحيوية، والجسور.

ومن ناحية أخرى بعد غياب أطلت المنخفضات الجوية الشديدة التي تصاحبها العواصف والأمطار الغزيرة والفيضانات، برأسها من جديد وعادت لتشكل تحدياً لسكان القرية.

وشاءت الأقدار أن تتحالف الظروف المناخية مع التطورات السياسية ضد براءة الأطفال، مما أعاد الي السطح حكايات وقصص موجعة تستصرخ أصحاب الضمائر الحية.

يقول المواطن: سامي أبو عطيوي الذي يقطن على أحد جانبي الوادي: "ولدت في هذا المكان وأنشأت مسكناً متواضعاً، وأطفالي أعمارهم ما بين (10-14 سنة)، في المنخفض الجوي الأخير أغرقت المياه منزلي، وأتلفت محتوياته، وصحونا لنجد أنفسنا وكأنا في جزيرة لا نستطيع التواصل مع محيطنا الخارجي.

ويؤكد أن هذا أثّر بشكل كبير على الوضع النفسي لأطفاله وأصبحوا في كل منخفض جوي يترقبون ببالغ القلق الفيضانات لأنهم عاشوا تجربة صعبة جراء الفيضانات المتكررة.

ويضيف أن المعاناة لا تتوقف عند هذا الحد، فهجمات الطيران الإسرائيلي أشد قسوة على الأطفال، وكانت بداية أعمال القصف لمحطة توليد الكهرباء القائمة على بعد (300 متر)، في عام (2006). لتبقى قسوة التجرية محفورةً في أذهان اطفالي، يومها اصيب نجلي محمد بصدمة عصبية شديدة أثرت على سلوكه كثيراً وكان في لا تجاوز في ذلك الوقت السنة الرابعة من عمره، ولا تزال اثار هذه الصدمة حيث يعاني من التبول اللاإرادي، ولم يساعدنا في مشكلته سوى قسم التأهيل النفسي في المدرسة".

ويتابع: لعل ما يزيد الطين بلة هو الهجمات المتكررة من الطيران الحربي الاسرائيلي التي يشنها على مواقع تابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية، التي لا يبعد أحدها سوى (200 متر) عن مسكنه حتى أن هذا الموقع قصف (20) مرة خلال الاعوام الماضية. ومع كل غارة يدوي صوت انفجار شديد يعقبه تناثر للشظايا التي تطال منزله بحيث سقطت مؤخراً شظية وزنها (7 كيلو) على المنزل، ومن نافل القول أن الهجمات تثير الرعب والخوف في قلوب الاطفال كونها تأتي على حين غرة.

وأشار أنه بسبب تكرار التجربة الصادمة. فقد أثرت نفسياً بشكل كبير على الاطفال، ناهيكم عن الاضرار التي تلحق بالمنازل جراء كل غارة جديدة. ويقول أبو عطيوي: "وادي غزة يتلوى مثل الأفعى ولا تعرف متى يجتاحك الفيضان فهل يمكن لك أن تذوق للنوم طعماً والخطر متربص بك على هذا النحو؟! هذا هو حالنا، وحال جيراني في القرية تلوث وأمراض.

تلوت وأمراض

الحكاية الثانية هي لبهجت ابو دلال هو أيضاً من سكان المنطقة, نجله مجدي (5 سنوات)، يعاني من نزلة معوية وقد أكد له الأطباء أن منطقتهم الريفية التي تنتشر فيها فضلات الحيوانات تحركها الفيضانات مما يزيد من درجة خطورتها لاسيما على الأطفال.

وأوضح أبو دلال، أن الخوف يلازم أطفاله, ففي مطلع العام قصفت طائرات الاحتلال موقع المقاومة القريب من منطقة سكناه وتصادف أنه كان يقف على باب البقالة لشراء قطع الحلوى برفقة أولاده، فأصيب نجله محمد وأكتوى بنار القصف قبل أن يتذوق طعم الحلوى .

حال السيدة نوال التتر، ليس افضل حالاً حيث تزوجت وانجبت أولادها في حي الشجاعية المكتظ بالسكان، وكانت لها ذكريات جميلة هناك، علماً بأن الاحتلال أفقدها ابنها احمد في عام (2003) وهو لم يتجاوز ال (13) ربيعاً، ودفعتها ظروف مسكنها الصعبة لاسيما ضيقه للبحث عن مسكن أوسع بعد أن بلغ عدد أولادها وأحفادها (40 فرداً)، ووجدت في قرية المغراقة ضالتها حيث تتناسب اسعار الاراضي مع قدرتها الشرائية، وأقامت مسكن لا يبعد سوى (150 متر) عن مجرى وادي غزة،

وواصلت التتر حديثها وبدا صوتها متحشرجاً وهي تصف فصول معاناتها وأطفالها عندما يحل فصل الشتاء حيث تجتاحهم مياه الفيضانات التي غمرت طابقهم الارضي اكثر من مرة على مدى السنوات الماضية. حيث يحاصرون في منازلهم ويلحق اضرار ببعض مقتنياتهم واثاثهم.

وتضيف السيدة ام يونس التتر: ما يضاعف من معاناة الاطفال ايضاً هو استمرار الهجمات الجوية التي تشنها قوات الإحتلال على المنطقة، ففي الرابع من ابريل هذا العام على سبيل المثال، أيقظني انفجار شديد هز أركان منزلي، كنت مفزوعة وارتجفت وكان الظلام حالكاً، وبعد أن اشعلت الأنوار وتفقدت المنزل فوجئت أن ابني شادي (30 عاماً)، وحفيدي محمد (4 شهور)، اصيبوا وتضررت نوافذ منزلنا.

وتضيف التتر أن أربعة من أحفادي يعانوا من التبول اللاإرادي بسبب القلق والخوف، وتشاهد الخوف في وجوههم خاصة مع حلول الظلام ويضاعفه اصوات الطائرات الحربية، نحن نعيش بدون دعم واهتمام كافي من المؤسسات الخدماتية، وجيش البعوض يؤرق حياتنا في فصل الصيف بسبب المياه الراكدة في الوادي.

معاناة متجددة.

من جانبه أكد مدير بلدية المغراقة المهندس عبدالله مشمش أن حوالي ( 3000نسمة) يقطنون على ضفتي وادي غزة، في المنخفض الأخير – اليكسا- (49 عائلة) قوامها (365 فرد)، لجأت إلى مراكز الإيواء بعد أن دمرت الفيضانات ما يقارب من (153) منزل ما بين كلي وجزئي.

ويضيف أن المغراقة سميت بهذا الاسم نسبة للغرق حيث أنها ارض مقعرة ويحيط بها من الاربع جهات مناطق مرتفعة مثل منطقة الزهراء، والنصيرات، ومحررة (نتساريم) وقرية وادي غزة (جحر الديك).

يقول الأستاذ كمال أحد المعلمين البارزين في القرية: "أن المستوى الدراسي لتلاميذ المنطقة متدني جداً، مقارنة مع مستوى المنطقة التعليمية، وأن الفرق بين تلاميذ القرية وبين نظرائهم في المناطق المجاورة سلبي.

واعتبر أن الظروف المعيشية والبيئية للأهالي أثرت سلباً من الناحية الأكاديمية على تلاميذ المنطقة، واوضح أن انقطاع الطلاب عن الدراسة في أوقات جريان المياه في الوادي، وهشاشة المساكن التي لا تقوى على حمايتهم خلال المنخفضات الجوية، اضافة لأن المنطقة مفتوحة وعرضة للقصف المتكرر، هذه العوامل أفقدت الطلاب القدرة على التركيز في مناهجهم الدراسية وبالتالي تحصيلهم العلمي أصبح متدني.

الدكتور ظاهر العبويني، من سكان المنطقة ورئيس جمعية التجمع الفلسطيني للمعطلين عن العمل، اوضح أن عدة امراض يصاب بها الاطفال في هذه المنطقة، منها الطفح الجلدي، وضيق النفس، والتلوث المعوي، والملاريا،

وارجع السبب للوضع البيئي، حيث ان مجري الوادي تقلص عرضه وهو غير معبد بالتالي تتجمع المياه وتصبح هناك برك تعشش فيها الحشرات وتنبعث منها الروائح الكريهة.

واضاف العبويني أن القلق النفسي للأطفال ناتج عن عوامل كثيرة ولها تأثير كبير على صحتهم وسلوكهم، وقال: أن الجهود المبذولة من الجمعية على هذا الصعيد تتمثل في عقد لقاءات مع الاهالي لتوعيتهم وحثهم على حماية الاطفال ومراعاة ظروفهم. واكد ان هناك قصور واضح من السلطات في الماضي والحاضر فمشروع تعبيد الوادي وبناء جدار اسمنتي لمجرى الواد سيساعد على استمرار حركة المياه وعدم تجميعها في برك.

كما أضاف أن الأهالي ارسلوا المناشدات وأوضحوا خطورة الاوضاع دون استجابة فاعلة. وأكد ان الفيضانات في مجرى الوادي تجلب القاذورات وعندما يلعب بها الاطفال يصابوا بالأمراض.

وأختتم العبويني قائلا: أن منزله يبعد عن مجرى الوادي (500 متر)، وكبار السن يعانوا من الاوضاع البيئية والامنية للوادي فما بالك بالأطفال الذين يقدر عددهم ب(800-1000طفل)؟.

ففي يوم الطفل الفلسطيني الذي يوافق الخامس من نيسان/أبريل من كل عام، تأتي هذه المناسبة في ظل تزايد أعداد الأطفال الذين يتعرضون للأذى في الاراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة جراء الحصار المشدد والانتهاكات المتواصلة،

لقد أثبتت الدراسات أن الطفل الذي ينمو في أمان وتصان حقوقه ليعيش في بيئة تناسب عمره يصبح في المستقبل مبدعا ومشاركا فعال في المجتمع، وهذا المبدأ دفع المنظمة الأممية لوضع اتفاقية حقوق الطفل، التي تعتبر الصك القانوني الذي يفرض على الحكومات سلسلة من الواجبات كي يتمتع الاطفال بالحماية والرعاية المناسبة، وتتلخص هذه الاتفاقية في حماية حقوق الأطفال في البقاء والنماء، والتطور والنمو إلى أقصى حد، وتحميهم من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال،

وتحث الاتفاقية على عدم التمييز ومراعاة المصالح الفضلى للأطفال، ووضع المعايير المناسبة لضمان الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية والقانونية للطفل.

وفي الختام ننتهز مناسبة يوم الطفل الفلسطيني لحث وتذكير كافة الأجسام الفاعلة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، بضرورة مساندة قضايا الأطفال لأن أمام هذا المشهد وما يتعرض له الأطفال من أوضاع مأساوية، ثمة سؤال يبقى يلاحقنا متى سيتمتع هؤلاء بدفء الشتاء، وصفاء السماء؟!

اخر الأخبار