
أمريكا محبطة وإسرائيل لاتزال تتمنع
جمال ابو لاشين
في الثلاثة عقود السابقة أكدت أمريكا مرارا على تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ، وعندما كان معظم الرؤساء العرب يتسابقون لإرضاء الأمريكان ويعجبون من حجم الرضا الامريكى عن إسرائيل كانوا يتلقون الإجابة عن تساؤلاتهم بالرد الامريكى الذي يقول لهم انتم صديق يحتاجنا دوما لنحارب قضاياه حتى في صغائر الأمور أما إسرائيل فتنفذ ماعليها ثم يبلغوننا إنهم أصدقاء يمكن الاعتماد عليهم .
فما الذي قامت به إسرائيل وسكت عنه الأمريكان اعتمادا على صديقتهم منذ أن بدأ وزير الخارجية الامريكى جون كيري جولاته المكوكية ، لقد تغاضوا عن كل الانتهاكات الإسرائيلية على المستوى السياسي والشخصي بانتظار الوصول لنتائج ، لقد سكت الأمريكان عن الإضعاف المتواصل للسلطة الفلسطينية من خلال حمى الاستيطان التي تضاعفت في الستة أشهر الأخيرة بنسبة 123% أو بزيادة أعداد الشهداء فترة المفاوضات عنها في الأشهر التي سبقتها ، وقد بلغت حصيلتها للعام 2013 في الضفة الغربية 81.3% بينما في قطاع غزة 18.7% ومنذ بداية العام 2014 تساوت النسب حتى اللحظة تقريبا بين الضفة والقطاع هذا فيما بلغت في قطاع غزة في العام 2012 ما نسبته 95%من مجموع الشهداء بسبب الحرب على غزة ،أما حالات الاعتقال فقد سجلت زيادة قدرها 90 أسيرا عنه في العام 2013 ،أما أعمال التجريف فتزايدت بشكل مضطرد منذ أبريل 2013 ففي حين سجل شهر يناير 625 حالة اقتلاع أشجار ،وشهر فبراير 291 ومارس 980 نلاحظ أن ابريل قفز ل 2700 حالة ومايو 1900حالة وظلت الأمور تتدحرج على هذا المنوال من التصعيد حتى تاريخه ، كذلك الأمر فيما يتعلق بانتهاك المقدسات فبعد أن كانت تتم بشكل متفرق أصبحت منذ ابريل 2013 تتم بشكل يومي وممنهج تسابق فيه إسرائيل الزمن ، هذا بالإضافة لسيل القرارات من الضم والتوسع التي أكدت للجميع صعوبة التوصل مع إسرائيل لأي حل .
كل تلك المؤشرات كانت تفيد أين يذهب الإسرائيليون ، فكعادتهم لم يكونوا جادين في الدخول لاى ملف من الملفات الهامة ، وكانوا على الدوام يسربون ما يدلل على تصلبهم في المفاوضات ، وعن تنازلات فلسطينية محتملة ، لقد أرادوا تقوية وضعهم الداخلي على حساب الوضع الفلسطيني الذي يدركون تعقيداته واختلاف مشاربه ، واليأس الفلسطيني من التوصل لحل عبر المفاوضات ، لقد حاولوا تفجير الوضع في الضفة الغربية وعلى نفس المسار لم تنقطع تهديداتهم لقطاع غزة ، يضغطون الجميع ، ويبحثون عن تهم جاهزة ففي المفاوضات لايوجد شريك ، وفى القطاع المقاومة إرهاب .
الفلسطينيون تعاملوا مع الوضع بذكاء وتحركوا ضمن هامش محدود حتى لاتنفجر الأمور التي تريد إسرائيل أن تخلق منها مبررا للعدوان أو الانسحاب من التفاوض أمام العالم .
والأمريكيون ورغم كل مابذلوه من جهود بانتظار أن يؤتى الضغط الاسرائيلى ثماره اصطدموا في النهاية بحائط ولم يتمكنوا من إحداث اختراق وباتوا أمام الجميع بلا حول أو قوة فالوضع الاقليمى والدولي يتعقد وكل خططهم تنساب واحدة تلو الأخرى من بين أصابعهم ولم يعد في الوضع الفلسطيني يهمهم حسم النتائج بقدر مايهمهم تمديد المفاوضات وإسرائيل تتمنع وهى تلقن الأمريكان درسا ، لقد ظهر نتنياهو وكأنه ينتقم من الرئيس اوباما سواء فيما يخص الملف الايرانى الذي لم يسمح لإسرائيل بالتدخل فيه أو الحرب الثانية على غزة التي ترك فيها اوباما نتنياهو تحت وابل الصواريخ لعدة أيام وسافر حينها لشرق آسيا فالأخير لم يدعمه في الانتخابات الأمريكية .
نتنياهو بدوره يغازل حكومته ويدعى أن الرئيس أبو مازن أنقذها من الانهيار ، وان تعنته في الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى و"المتفق عليها مسبقا " تثبت انه لم يقدم تنازلات ، الكل يعلم أنه يكذب وهو يريد أن يواصل لعبته السياسية بدون أن يخسر شيئا بالمقابل وهو يتطلع لتمديد المفاوضات بإخراج الدفعة الرابعة من الأسرى وكأنه يريد أن يبيعنا بضاعته مرتين ، الأمريكيون يعلمون ذلك ويفكرون بحفظ ماء وجههم على الأقل أمام العالم فجاءوا على قضية الجاسوس الامريكى لإسرائيل بولا رد وتطييب خاطر إسرائيل به ، والفلسطينيون يرون هذه التمثيلية ويعتبرونها قفزة في الهواء تفيد كل الأطراف باستثنائهم ، لذلك وقع الرئيس أبو مازن على الانضمام إلى 15 منظمة دولية ، ويطالب بإخراج الدفعة الرابعة مع 400 أسير وعلى رأسهم عدد من القادة .
الأمريكيون يدركون أن الأمور لم تتدهور إلى هذا الحد ويلجئون مع الفلسطينيين لأسلوب أشبه بالقضاء العشائري ويغيبون القرارات الدولية عن حل الصراع ، ويبدو الرئيس اوباما غير قلق على مستقبله الانتخابي ، ولا يضغط بالشكل الكافي ، فقط الخارجية الأمريكية تشعر بحالة من الحصار نتيجة تأزم الصراع الدولي لذلك ترغب بالوصول لنتائج تساعد في إثبات الزعامة والقدرة الأمريكية لذلك إسرائيل تجد نفسها غير ملزمة بدفع ثمن للفلسطينيين وتمرغ انف اوباما في التراب .
وفى النهاية هذا ما سكت عنه الأمريكان طوال فترة المفاوضات وما جنوه من مدللتهم إسرائيل التي تتمنع حكومتها بامتياز ، وبالتالي على الفلسطينيين أن يقووا جبهتهم الداخلية بانتظار جولات كثيرة قادمة، فالضغوط الإسرائيلية ستزداد أكثر على الفلسطينيين .