
هل يقبل عباس الخضوع والقبول برشوة مقابل تمديد المفاوضات؟
داليا العفيفي
ضمن لعبة عض الأصابع بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل يأتي التصريح الخطير الذي أدلى به وزير الاقتصاد الإسرائيلي المدعو "نفتالي بينيت" مساء الأحد على القناة العبرية قائلا : " لا يوجد اقتصاد لأبو مازن، كما أنه لا وجود أمني له في الضفة، ولا يملك أي سيادة على الأرض، ولن يستطيع البقاء أكثر من دقيقة ونصف في حال انسحب الجيش من الضفة".
كما تساءل بينيت في تصريحه: "هل يظن أبو مازن أنه يقدِّم لنا معروفاً أو يسدي لنا جميلاً بعدم ذهابه للأمم المتحدة ؟ فليذهب الآن وليفعل ما يحلو له". أذاً العدو يضمن تماماً النتائج سلفاً في حال توجه محمود عباس إلى خيار التوجه إلى الأمم المتحدة، بمعنى آخر أن هذا الخيار أيضاٍ فاشل ولا يجدي لنا أي مصلحة أو مكسب ، إذا لماذا يلوِّح به ؟!!! ولا يضع خيارات أخرى ولازال يرفض الخيار الناجح والمضمون وهو خيار المقاومة ؟!!!
هذا وأكد "بينيت" في تصريحه أيضا على أن أبو مازن سيكون المتضرر الأول من ذهابه للأمم المتحدة قائلاً: "أبو مازن يعلم كم لائحة اتهام ستوجه ضد قيادة فتح في حال توجه لهناك ؟ أنصحه بعدم التهديد، فلديه مصلحة في استمرار المحادثات أكثر منا".
وتطرق بينت إلى الأنباء التي راجت عن اتفاق يشمل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى بالإضافة لـ 400 أسير فلسطيني آخرين وذلك مقابل تمديد المحادثات قائلاً: "إن هذا الخبر يستبق موعده فلسنا في الأول من نيسان – في إشارة إلى كذبة نيسان -.وأضاف أن هذا لن يحصل ولن يمرر في الحكومة منوهاً إلى أنه ليس ضد المحادثات إلا أنه ضد دفع الثمن لقاءها.
ومع ما يحمله من خطورة هذا التصريح الناري الصادر عن الوزير بينت الشريك الأساسي في الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل فهو لا شك يحاكي الحقيقة المرة للسلطة الفلسطينية التي تخلت طواعية عن كل خيارات المواجهة ميدانياً مع الاحتلال في ظل الخلل الفاضح في موازين القوى القائم بين الجانبين الذي لم يكن عائقاً في ممارسة النضال الفلسطيني وتطويره ليكون قادراً على إيذاء الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه على مدار المسيرة الكفاحية لشعبنا ، كما يعبر هذا التوجه المغامر عن طبيعة العقلية الإسرائيلية والنظرة العنصرية والاستعلائية التي يقودها اليمين الفاشي من غلاة المستوطنين وأنصارهم وقدرتهم على حسم الأمور على مستوى حكومة نتنياهو التي يمثلون فيها غالبية مؤثرة ، وكذلك ما يتمتعون به من دعم مفتوح لتنفيذ البرامج والخطط الاستيطانية على الأرض التي لم تتوقف للحظة بل تتزايد بصورة متسارعة .
غير أن ما يدور في كواليس المفاوضات الجارية في الخفاء يؤكد بأن إسرائيل معنية بقوة في استمرار متاهة المفاوضات ، ولكنها سوف تراوغ حتى النهاية حتى لا تدفع ثمناً لذلك وستمارس كل الضغوط الممكنة لابتزاز الطرف الفلسطيني، وهى تدرك بأن عدم الوفاء بالالتزام بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى هو خرق فاضح لتعهدات سابقة تم التوافق عليها برعاية أمريكية ولا علاقة لها بموضوع تمديد المهلة الزمنية المحددة لعملية التفاوض التي تنتهي في 29 إبريل / نيسان الحالي ،ومع هذا فإن الطرف الإسرائيلي يسعى لتحقيق مكاسب مجانية وعدم دفع الاستحقاقات المطلوبة ولو بحدها الأدنى للجانب الفلسطيني ، كما تدرك جيداً بأن الذهاب إلى المؤسسات الدولية والانضمام لها فلسطينياً سيحملها استحقاقات لا قبل لها ، وليس كما يتندر الوزير بينت وقادة اليمين الإسرائيلي ..
لكن الرئيس عباس حسب كل التقديرات السياسية لن يذهب حالياً للهيئات والمنظمات الدولية وسيظل محتفظاً بهذا السلاح ، وفي نفس الوقت يسعى من أجل الوصول إلى صيغة صفقة أولية يستطيع من خلالها تمرير مسألة تمديد المهلة الزمنية للتفاوض حتى نهاية العام الحالي كما يرغب الطرف الإسرائيلي والراعي الأميركي ، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر على القضية الفلسطينية ومنح إسرائيل الفرصة الكاملة لتنفيذ مخططاتها الاستيطانية وفرض وقائع جديدة على الأرض ، دون أن تضطر لمواجهة تصاعد المواقف على مستوى المجتمع الدولي الرافضة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي وما يمثله من نموذج عنصري أكثر فظاعة وبشاعة من نظام الأبارتهيد السابق في جنوب إفريقيا ، علماً بأن الحراك الدولي في هذا الاتجاه بدأ فعلياً من خلال القرار الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية ، وكذلك اتساع دائرة المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية على مستوى العالم ، والتهديدات والمخاوف بإلقاء القبض على قيادات عسكرية وسياسية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين .
من هنا فإن هذه الغطرسة والعنجهية بقدر ما فيها من اعتماد على منطق القوة فإن فيها من عوامل الضعف غير المستغلة ، لذلك فإن الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري لن تتوقف في محاولة الوصول إلى صيغة تفاهمات تجنب جهوده الفشل ويقف على رأس أولوياته تأمين المصالح الإسرائيلية حتى لو أدى الأمر إلى ممارسة كل الضغوط ضد الجانب الفلسطيني ، لكن السؤال المصيري هل يقبل عباس الخضوع والقبول برشوة / صفقة من التسهيلات الحياتية المختلفة في الضفة الغربية مقابل تمديد المفاوضات والتنكر لتعهداته والتزاماته المعلنة بعدم تمديد المفاوضات دون وقف كامل للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة على الأقل ؟ وللأسف هذا ما تقود إليه التسريبات المصاحبة للجولات التفاوضية الجارية في اللحظات الأخيرة ، أو ما يقال عنه من اتفاق للإطار لا يحمل أي مكسب للقضية الوطنية وفيه من الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية ، ولن تبتعد مقاربات أي صفقة عما جاء فيها لاحقاً خاصة إذا عرفنا بأن سقف المطالب الفلسطينية هو :
-الإفراج عن الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى فوراً ، بمن فيهم أسرى فلسطينيين من سكان الـ 48.
- الإفراج عن ما يقل عن 1000 أسير وعلى رأسهم قيادات تاريخية والنساء والأطفال ، وأن تتم عملية الإفراج قبل نهاية العام ، وللسلطة دور في اختيار أسماء الأسرى المطلوب الإفراج عنهم .
- تجميد الاستيطان بشكل فعلي في الضفة الغربية والقدس.
- الموافقة على طلبات لم شمل 500 عائلة فلسطينية المقدمة من السلطة الوطنية لإسرائيل.
- تسهيل حركة مرور الفلسطينيين في الضفة الغربية بتخفيف الحواجز الأمنية.
- وقف حملات الاعتقالات والمداهمات للقرى والمدن الفلسطينية ووقف عمليات الاغتيال.
إن تضحيات الشعب الفلسطيني العظيمة ونضاله الوطني لم تكن يوماً من أجل تحسين الحياة في ظل الاحتلال وتجميل وجهه البشع ، بل من أجل كنس الاحتلال ومستوطنيه ، وتحرير الأرض والإنسان والإرادة الوطنية على ألا تكون واحدة على حساب الأخرى ، وبناءاً عليه فإن تحرير الأسرى البواسل مقابل غض النظر عن غول الاستيطان الذي يلتهم الأرض الفلسطينية ليل نهار لا يمثل إنجازاً مع كل التقدير والإكبار ولا ننكر حقهم الأصيل في نيل حريتهم والوفاء لتضحياتهم المقدسة التي بذلوها في الأساس من أجل تحرير الأرض وليس مقايضتها بحريتهم ، أو مقابل رفع حاجز هنا أوهناك ، أو الحصول على بعض طلبات جمع الشمل التي كان ينجزها أحد المخاتير المحسوبين على الحكم العسكري أو الإدارة المدنية قبل قيام السلطة .