خطاب هنيه فعلاً كان مهم ....

تابعنا على:   18:56 2013-10-20

ريهام عودة

بالرغم من الأسلوب التقليدي الذي بدأ به هنيه خطابه السياسي المؤرخ بتاريخ 19\10\ 2013 في مركز رشاد الشوا الثقافي بغزة ، حيث افتتح هنيه خطابه بالسلام الوطني الفلسطيني و ذلك تأكيداً منه على انتماء حكومة غزة و بالأخص حركة حماس لمشروع الدولة الفلسطينية و ليس كما يصور البعض بأن حماس تنتمي فقط لمشروع الاخوان المسلمين العالمي الذي لا ينحصر بحدود الدولة وينشد فقط لتأسيس إمارة إسلامية بغزة .

إلا أنه من الصعب جداً إنكار أن خطاب اسماعيل هنيه كان بالفعل مهم جداُ خاصةً في هذا التوقيت بالذات ، الذي يمر به قطاع غزة بمشاكل اقتصادية جمة و حصار أمني و أزمة انسانية خطيرة تهدد سكان قطاع غزة بسبب الاغلاق المتكرر لمعبر رفح البري.

إن من يستمع لخطاب هنيه بشكل سريع و سطحي يظن للوهلة الأولى أنه خطاب إنشائي طويل لا مغذى منه و قد لا يلتقط البعض منه سوى تعبيرات اللغة العربية الجمالية و الشعارات الوطنية التحفيزية و جمل بلاغية طويلة في مدح قدرات الشعب الفلسطيني على الصمود و التزام المقاومة على الإيفاء بوعودها ، الأمر الذي يجعل البعض يشعر أن الخطاب لا أهمية له.

لكن من يتمعن جيداً في التعبيرات الغير لفظيه لإسماعيل هنيه و هو يُلقي بكلماته أمام الحضور و من يقرأ بحذر فيما بين السطور لخطابه السياسي ، سيدرك جيداً أن الخطاب يحمل الكثير و الكثير من الخطط المستقبلية لحركة حماس ، من تهديدات جدية لإسرائيل ومن بعض الوعود الضمنية للجيش المصري بالإضافة الي بعض التأكيدات على تماسك و وحدة حركة حماس بالداخل و الخارج .

و من أجل أن يتم تحليل الخطاب بشكل موضوعي ومهني يجب أن يتم التخلي عن أية أحكام مسبقة حول طبيعة الخطاب و مجرياته وكيفية اعداده ، فعلى الرغم من اختلاف البعض أو الكثير مع سياسة حركة حماس في الحكم و كيفية اداراتها للأمور بقطاع غزة ،إلا أن هذا لا يمنع بأن يتم الأخذ بجدية التصريحات التي أكد عليها هنيه من خلال خطابه أمام حضور متنوع يشمل قادة بعض الأحزاب و الحركات السياسية و رموز إعلامية و فئات شبابية ناشطة في قطاع غزة مع بعض الممثلين للمؤسسات الغير حكومية و مؤسسات حقوق الانسان.

إن من أهم الاستنتاجات التي استخلصتها من هذا الخطاب ،أن هنية يتحدى بقوة الكيان الاسرائيلي حيث يبعث له برسالة مباشرة تؤكد بأن حماس مازالت مستمرة في مشروع المقاومة و تحرير الأسرى بالرغم من اكتشاف اسرائيل للنفق الكبير الذي حفرته المقاومة على حدود قطاع غزة ، إلا أن ذلك لم يثبط الروح المعنوية للمقاومة ، وهنا يؤكد هنيه استمرار حماس بحفرها المزيد من الأنفاق بقوله بأننا "سوف نقاوم من تحت الأرض و من فوق الارض أيضاً " لذلك أرى هنا اشارة تحدي كبيرة من قبل حماس للجيش الاسرائيلي نفسه.

أما الاستنتاج الثاني فأجده عبارة عن تلميح مباشر من حماس للدول الاسلامية و العربية بأنها سوف تستعد لانتفاضة كبيرة جدا و سوف تطلق عليها مسمى "انتفاضة الأقصى الكبرى " و ذلك من أجل تعديل بوصلة السياسة الفلسطينية من اتجاه التفاوض مع اسرائيل تحت اشراف الادارة الأمريكية إلي اتجاه المقاومة الشعبية، الأمر الذي سوف يجعل حماس تقلب الطاولة و تخلط الاوراق السياسية أمام السلطة الفلسطينية برام الله بحيث يصبح الطريق الوحيد أمام الفلسطينيين هو فقط طريق الانتفاضة و ليس التفاوض، ونجد تلك الرسالة واضحة بشدة عندما قال هنيه بصوت مرتفع إنها "الانتفاضة ... انتفاضة الأقصى الكبرى ".

لكن في نفس الوقت لمح هنيه بأن التفاوض ليس مستبعدا مع اسرائيل في حال كان تفاوض مبنياً على أساس القوة أي مثلما حدث عندما تفاوضت حماس مع اسرائيل أثناء صفقة شاليط من أجل تحرير الأسرى.

أما الاستنتاج الثالث ، فإن ما فهمته من الخطاب أن حماس تحاول أن ترسل رسالة غير مباشرة لسوريا و إيران و لبنان و إن لم يتم ذكر أسماء تلك الدول حرفياً، لكن من يتعمق أكثر في معاني كلمات الخطاب يفهم عندئذ أن حماس تريد أن تقنع تلك الدول بأنها لا تتدخل بالصراع الداخلي لسوريا و لا تنحاز لأي جهة سواء المعارضة السورية أو نظام الأسد نفسه.

أما الاستنتاج الأخير والأهم ، وهو أن حماس وحكومتها بغزة ترسل رسائل طمأنه ووعود جدية وضمانات للحكومة المصرية الحالية و جيشها بأنها لن تتدخل بالشأن المصري الداخلي و أنها تسعى فقط لفتح معبر رفح البري الذي يشكل أزمة انسانية كبيرة لسكان قطاع غزة، و بأن حماس تؤيد الجيش المصري بالإجراءات الأمنية التي يتبعها من أجل حماية الأمن القومي المصري لكنها في نفس الوقت لن تسمح لأي تدخل أجنبي في القطاع.

هذا بالفعل ما فهمته من خطاب هنية الغير تلقائي وذلك من خلال متابعتي له عبر شاشة التلفاز و أعتقد أن هذا الخطاب يرسم خطوط المرحلة السياسية القادمة لحماس في غزة و القدس و الضفة الغربية و التي يُستبعد أن يكون فيها اجراء انتخابات فلسطينية جديدة أو إنهاء فعلي للانقسام الفلسطيني ، فالأمور تتجه إلي تحقيق أهداف أكثر تعقيداً و خطورة قد تكون مشروع انتفاضة كبير على مستوى الضفة الغربية و قطاع غزة أو إعداد لعملية عسكرية نوعية ضد اسرائيل من أجل تحرير مزيد من الأسرى أو ربما يبقى الحال كما هو عليه بشكله الضبابي الغامض.

اخر الأخبار