اوكرانيا : ثورة وأزمة ...

تابعنا على:   22:13 2014-03-14

د.خالد ممدوح العزي

ان انتفاضة الشعب الاوكراني تعود بالأساس الى الاخفاق في تحقيق أي انجاز من الانجازات الاقتصادية والاجتماعية وتفشي حالة الفقر المدقع الذي يعيشها الاوكران .لهذه الاسباب الشعب خرج بثورته الاولى عام 1991 ضد نظام الحكم السوفياتي ، وتظاهر في الثورة البرتقالية عام 2005، لكن المشكلة بأنه لم يحقق أي شيء . وبظل الاستياء الشعبي الكلي من سياسة القيادة الاوكرانية التي تسودها الرشوة والفساد، وطبعا المعترضة على السياسة الحالية ، وبظل فقدان مصداقية البرتقاليين والزرق في الشارع الشعبي بسبب الرشوة والفساد والسياسة الاقتصادية الفاشلة التي وضعت الدولة امام الافلاس. خرج الشعب الاوكراني للتظاهر من جديد والمطالبة بالتغيير وربما كان الشعب اكثر غضبا وتشددا من سياسة بوتين نفسه في تعامل روسيا بفوقية مع اوكرانيا وشعبها .

اوكرانيا عرضت نفسها للبيع وروسيا اشترت برضى الغرب، لقد دفع الروس 15 مليار دولار ثمن اوكرانيا وعقود تخفيضية لسعر الغاز. و كانت اوكرانيا قد طلبت سابقا من الغرب قرض ب20 مليار يورو، ورفض الغرب . لكن الاخفاق الروسي ساعد بتصعيد لهجة المعارضة وتحديد الجناح المتطرف فيها اذي وضع يده على زمام الامور في البلد.

اما على الصعيد العالمي فان الصعود الصاروخي للسياسة الروسية ومحاولتها الدائمة فقط تسجيل النقاط على الادارة الامريكية ساهم بتفاقم الازمة في اوكرانيا، فأوكرانيا وسوريا هما الملعب الجديد بين الثنائية الروسية والأمريكية لتسجيل النقاط في حربهما الباردة ـ

 إن خطورة الورقة الاوكرانية التي تلعبها امريكا وتضعها بوجه روسيا واجبر القادة الروس المعنيين بالدبلوماسية الروسية التفكير الجدي بمستقبل سياسة روسيا وأخذها نحو الواقعية والخروج من سياسة تسجيل النقاط . حيث الان بات دور امريكا في تسجيل النقاط على روسيا ، فهذه النكسة التي تلقتها روسيا في عقر دارها تضعها امام خيارات مفتوحة يصعب توقعها لان الدب الروسي جرحى في هذه المعركة . خسر ت روسيا المعركة بسبب عدم وجود قوة اوكرانية تبارز من خلالها الاطراف الاخرى اضافة الى موقف الجيش الاوكراني الذي رفض التدخل في الازمة الداخلية مما ساعد المعارضة على الانقضاض سريعا على الرئيس وانتزاع قرارات برلمانية قبل اية ردة فعل من الشارع وتحديدا روسيا،قبل اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في 25 ايار\ مايو القادم التي تصر روسيا على رفضها والعودة الى تطبيق اتفاق 21 فبراير والتي تمت رعايته اوروبيا .

وبسبب الغموض والضبابية التي تسيطر على المشهد الاوكراني لا يمكن ان يكون الغزلٌ كثيرٌ بيوليو تيموشينكو وضفائرها الشقراء بعدما أخرجتها الانتفاضة الأوكرانية من السجن . فان ما حدث ان سلطة المقربين من روسيا بوتين تتهاوى بقوة لكن أوكرانيا الجديدة لم تولد بعد كما لم تنتهِ مجهولات مستقبلها بما في ذلك احتمالات فدرلتها ودخولها في توترٍ أهلي ساخن وردود الفعل الروسية . على الرغم من كل هذه المجهولات فما جرى هو على المستوى الجيو-ستراتيجي هزيمة هامة لسياسة بوتين ومشروعاته ولمحاولاته احتلال مكانة الاتحاد السوفياتي في قطبية ثنائية مُجدَّدة.

اوكرانيا التي تنقسم بين مكونات مختلفة تسيطر عليها نزعات مذهبية من الارثوذكس والكاثوليك .فالأرثوذكس من الذي يؤيدون روسيا تاريخيا وقاتلوا الى جانبها في الحرب الوطنية العظمى ، والكاثوليك هم من قاتل ضد روسيا ووقف مع هتلر والنازية وعذب وقتل من الشرقيين لان انتصار روسيا منعت حدوث اعمال انتقامية لكن نار الحقد لا تزال تحت الرماد فالغربيين الذين يتوجوها دوما الى اوروبا وتحديا المانيا للحماية والانتماء ،عكس الشرقيين المرتبطين تاريخيا بروسيا والإمبراطورية الروسية ومنذ تأسيس دولة كييف-روس منذ اكثر من 1025 عام . فالغربيون يشكلون حوالي 23 % من سكان اوكرانيا وبالتالي يعيشون في مناطق الغرب القريبة من بولونيا والتشيك ،مناطق فقيرة تعتمد على الزراعة والصناعات الخفيفة .وبالتالي الغرب الذي كان يفكر بالتقسيم منذ عام 2004 لا يريد تحمل اعباء القسم الفقير من اوكرانيا وإعطاء روسيا القسم الغني الذي يملك قوة اقتصادية وصناعية ومعادن طبيعية ومنفذا على البحر الاسود بأسطول بحري عسكري وتجاري... ولهذه الاسباب تحاول روسيا التريث بالرد وربما قد نافجاء جميعنا برد فعل روسيا التي تبادر للمطالبة بإعادة جزيرة القرم التي اهدتها لأوكرانيا عام 1957 من اجل الترتيبات الادارية والتي لا تملك اي وثائق قانونية تخولها البقاء فيها لان العقد تم بين روسيا وتركيا التي انتصرت عليها وكذلك استعادة مدينة سيفاستوبل وبالتالي المدن والمحافظات الجنوبية والشرقية المطالبة بالذهاب نحو روسيا .ربما تدعوا المصالح الغربية الى اعاد تأسيس اوكرانيا بطريقة جديدة على طريق اتحاد فدرالي والذي يضمن من خلاله مصالح روسيا والغرب وينهي الازمات المتكررة .

الحرب خير ولكن هو خير خاسر للجميع وربما اوروبا لا تريد تكرار حرب اهلية على اراضيها تكون وقودا لحرب باردة قطبية .

أزمة أوكرانيا تنهك بوتين وتبيّن نقاط ضعف موسكو، وفي المقابل يستبعد أن تسجل واشنطن أو بروكسيل سبقا استراتيجيا. وربما يفتح اختبار القوة حول كييف مجالا لتليين مواقف موسكو من ملفات أخرى، وربما يؤدي ذلك إلى إصرار روسيا على مزيد من التعطيل في الملف السوري وسواه.

لكن يبقى الشيء المهم في حياة اوكرانيا القادمة من الذي سينقذ الاقتصاد الاوكراني المفلس ويتحمل اعباء المرحلة القادمة بظل الحالة الاقتصادية الاوروبية والعالمية . وهل اوروبا وتحديدا انغلى ميركيلي في المانيا حسمت امرها بان اوكرانيا وصراعها اهم من مصالحها مع موسكو فالأيام القادمة هي من التي تشرح الاتفاقيات والمحادثات السرية التي لم يعلن عنها من اجل تسير المصالح وليس الحرية والديمقراطية .

 

اخر الأخبار