غزة .. اشكاليات متراكمة ونخب منحرفه

تابعنا على:   17:27 2014-03-02

عبدالله جمال أبو الهنود

وغزة مزيج من دموع الأنبياء ودم الصغار، هي تتحول شيئا فشيئا إلى معول كبير يكسر أحلام وقلوب سكانها، تخطف أمنيات من له باقي أمنياتٍ، مجتمع غزّاوي...؟ نعم ويمكن أن أحلم أنا أيضاً بمجتمع لكنه مجتمع القاع ، العنف ،الضَّياع، تتخلله بعض ساعات من الفرح تصنعها فقط لعبة الشدة علي المقاهي وفي المنازل عادة يومية لمن لا عادة أخرى له ، كأن يجلس وحيدا أو يفكر أو يقول بصوت أعلى قليلا فيما يشبه التمتمة أريد شيئا ما ؟؟ شيئا يعبر عن حياة أريدها...

العجز... نعم العجز... عجز الفصائل... عجز الحكومات... عجز القمح عن النمو داخل الحلق المسكون غصَّة...غزة تعم برعاية ربانية لا مشاكل فيها ، فقط بها : بطالة، فقر وبؤس يتعالى فوق الرؤوس ويدفن كل ما عداه من حياة وحب وتسامح... مدينة تتقلص مساحتها وتضيق بأصحابها يختفي اخضرارها ومساحات الزراعة فيها وما يرتفع فيها هو عدد البشر الذين يأتون إلى الحياة إمّا خطأً أو بفعل أشخاص يائسين ...

الأسمنت الغليظ القلب يأكل بلا رحمة قطعة الارض الباقية ويتكاثر البناء العشوائي للفقراء والأغنياء على حد سواء، فالفقراء يبحثون عن سقف ويبحث الأغنياء عن تبرئة أرض وتملكها بالتقادم هكذا هي القوانين في الهامش... أرض يعاني باطنها مثل سطحها تماما وينضب قلبها ويجف محتواها من المياه الجوفية الصالحة للاستهلاك البشري ... ما هذه الارض التي تنضب هواءً، ماءً وترابا؟ المبيدات الزراعية، عدم الرقابة علي المنتجات المستوردة، خدمات الصحة والتعليم الخوض فيها مر جداً...، كل مؤشرات الموت والتطرف اجتمعت في هذه القطعة الجغرافية المتخمة بالسكان دون الإنسان... في الجهة الأخرى للمشهد يظهر بشكل واضح عجز الأكاديمين الفلسطينين عن التغير أو التأثير بل أصبح المثقف والأكاديمي النخبوي في برج عاجي يستخدم المفردات المنمقة، والتعابير التي لا يفهمها إلّا هو وإذا سألته يقول لك هذه لا تفهم إلا إذا... إلا إذا ماذا؟ لا جواب على إنعدام الفكرة هذه هي المشكلة لغة دون فكرة، وربطة عنق مدحرجة، كل همه كيف يحضر نفسه لتراه عين شاشات التلفزة بأحلى عين، يفرد لها التحليل والتشخيص ليشرح للمواطن قدرا لا يقتنع به هو... هذه النخبة شبه المثقفة ذات البريق الخادع هدفها غالبا بعض الشهرة وبعض المال من أصحاب السعادة، وأحيانا أصحاب الجلالة، معالي الزعيم، أو أي صاحب لقب مهما دنى شأنه... أي نخبوي هذا؟ وأي مثقف؟ وأي أكاديمي هذا الذي يعجز عن التأثير حتي في جناح بعوضة في غزة؟ ولن أخوض في حاله داخل الفضاءات المغلقة التي يثرثر فيها بعكس ما يثرثره اعلاميا وفي المقالات يقول ما لا يعتقد ويفعل ما لا يفكر ويجلس بكل الوضعيات حتى وإن كانت بين مقعدين... أي إنسان هذا؟ وأي مرحلة تلك التي أوصلونا إليها هذه النخبة الثقافية والأكاديمية والسياسية. فما يحدث من مشاكل وازمات اقتصادية واجتماعية وقانونية وصحية وتعليمية وانسانية وحيوانية ... هو حصاد ما زرعته هذة النخب الفلسطينية المختلفة والأحزاب الحاكمة فيها الآن.

فمن ينظر ويثقف ويؤهل المواطن في وقت الازمة ويعبأ ويقوي هو النخبوي والمحلل والمثقف وغزة في مسلسل ازمات وانتكاسات لا تنتهي فاين هؤلاء النخب؟ وأين تأثيرهم؟ وماذا يفعلون؟ وكم منهم خرج او دعي للخروج لقول لا لنشر الظلام في غزة او صبغ غزة بلون لم يكن لونها، او وقف في وجه هذا المد المتطرف للافكار الدينية؟ من منهم حاول ان يغير سياسة الإغراق والضياع والتشرذم التي تحياها الثورة؟ أين هي الثورة ؟ من حاول ان يقاوم القتل العمد تحت مسمي الشرف؟ أو الخروج للمطالبة بسن قوانين تحمي الأضعف من الأكثر قوة دون شرط أو قيد؟ من منهم وضع حلول خلاقة لوقف مهازل العنف ضد المرأة (والغريب ان معظمهم يقدمون انفسهم بانهم ليبرالين ومع حرية المرأة وفي منازلهم اكثر تشددا وسلفية من السلفيين أنفسهم؟ ولا اعتقد انني سأخطئ إن قلت يقينا ان الأوبئة السياسية والإجتماعية والثقافية والاقتصادية التي انتشرت ومازالت تنتشر كالطاعون في غزة المغلقة على نفسِها وتزداد انغلاقا سببه هؤلاء النخب المستوزرة واشباه المثقفين الذي اصبح الاعلام ملعبهم وشاشات التلفزة مصدر رزقهم ومقالاتهم اليومية او الاسبوعية مكان للتفاخر ولزيادة منسوب الأنا عندهم.. هم الجناة، وقتلة بشكل ما ، هم شركاء الساسة الفسدة والاحتلال بشكل ما، فالمعرفة الفاسدة هي وسيلة قتل لا تختلف عن السكين أو الرصاصة ولكن مفعولها أقوى لأنه بطئ يقتل الروح والعقل دون الجسد... هم من ساعد علي نشر السموم في المجتمع بمعرفة فاسدة والمساعدة على اعدام الحياة في غزة، ما فعلته النخبة طوال الفترة السابقة كان أشبه بتراكم كرة النارـ وليس الثلج لتحرق تلك الكرة الأخضر واليابس.

أخيرا اعتقد أنه على كل أكاديمي واعلامي فلسطيني ان يعيد ما يقرأ ولمن يقرأ ويعيد جدولة أولويات اهتماماته ويعيد تعريف النخبه التي ينتمي لها ضمن ما قالة باربتو في تعريف النخبة: "هم أولئك الذين يتفوقون في مجالات عملهم في (صراع الحياة ) بحيث تصبح لهم قدرة توجيهية"، وهم في هذا التعريف يكونون طبقة فاعلة داخل المجتمع تصبح قادرة علي الفعل والتغيير والتوجيه. لذلك وكما لكل طبقة محددة او سياسة او ايدلوجية نخبتها يجب أن يكون في الجهة الأخرى نخبة مستقلة حرة نزيهة لها القدرة علي التأثير الحقيقي في التأصيل المعتقدي والمفاهيمي عند أفراد المجتمع بشتى انتمائاتهم وألوانهم لأنها في نظرهم تمثل الحرية في أسمى معانيها حر رغم مرارة الحق.

اخر الأخبار