"ضمير للإيجار "

تابعنا على:   21:10 2014-02-28

عبداللطيف أبوضباع

من خلال محاولاتنا الحثيثة لمعرفة وادراك خصائص السلوك البشري وتفرعاته كان لابد لنا أن نغوص في علوم النفس والاخلاق والضمير ،وكان لزامآ علينا كتابة هذه المقدمة لإلقاء الضوء على الخلفيات والأبعاد والدوافع الحقيقية للتعرف على حقيقة السلوك البشري والضمير الإنساني ..

تعددت الروايات التي تقدم تفسيرآ دقيقآ للضمير ، ولكن ببساطة نحن مع القول بأن الضمير هو التمييز بين الحق والباطل ، ومن هنا نقول بأن الضمير هو بحد ذاته" علم " بحاجة الى بحث ودراسة وتعمق في الافكار والقواعد وبحاجة الى تحديد وفهم وادراك الضوابط والنواهي ومعرفة الأسباب وتقييمها بطرق علمية ، وبما أن للنفس علمآ خاصآ بذاته ، أعتقد من الضروري وجود علم خاص بالضمير ، له فروعه واقسامه ، يمكن تسميته "علم الضمير " وبالتالي هذه دعوة الى تأسيس مدارس فكرية وأكاديمية خاصة بالضمير من أجل زيادة نسبة الوعي الإنساني بأهمية الضمير ودوره المحوري ، وارتباطه وعلاقته ببقية العناصر والمكونات الانسانية ، ومن أجل التصدي للإنحراف و محاربة دعاة التشويه والتلفيق والتزوير الفكري والاخلاقي ، ونشر ثقافة "الوقاية الفكرية" وغرسها في نفوس البشر وبالتالي حماية المجتمع من تسلل هذه الأمراض المزمنة التي تهدد أمن واستقرار المجتمع وافراده ،لذا علينا فصل "علم الضمير" عن باقي العلوم ، وعملية الفصل هذه ، في اعتقادي خدمة نستطيع الاستفادة منها مثل علم النفس وعلم الفلك وعلم السياسة و باقي العلوم الأخرى .

ولانستطيع الكلام عن الضمير دون الولوج الى خفايا النفس وارتباطها بالقيم والمبادئ الاخلاقية نظرآ للعلاقة التفاعلية بين النفس وبين الضمير والاخلاق ، قديمآ كان علم النفس له نظرياته وحقائقه القائمة على التأملات الذاتية والجدل المنطقي كما هو معروف ، وبعد ذلك تم تعريفه بالعلم الذي ينظر الى الإنسان نظرة علمية تستهدف الوصول الى القوانين الاساسية التي تنظم سلوكه ...

والسلوك هنا استجابة للمؤثرات الخارجية والداخلية وينقسم الى نوعين سلوك ظاهر وسلوك باطن ، وكل سلوك له آثاره وابعاده ، وبما أن الانسان يعيش وسط بيئة فكرية ، اجتماعية ، سياسية تفرض عليه المعايير والضوابط الاخلاقية التي تحدد سلوكه ، نرى البعض يسلك سلوكآ تبعآ لبيئته "النفسيه" أي البيئة كما يدركها أو كما يريدها ،وليست البيئة الواقعية ، وهنا يظهر دور الضمير "جهاز الرقابة " أو صمام الأمان ، أو صوت الحق ،أو جهاز التحكم ، الذي يضبط السلوك الشخصي بإرسال إشارات التنبيه والتحذير المدعومة بالمبادئ الاخلاقية والإنسانية والمتسقة مع مفاهيم الصدق والأمانة ..

الضمير يستمد تقييمه للأفعال من المكتسبات والمورثات والقيم الاخلاقية ،الثقافية ،الاجتماعية ،الدينية والتربوية ، والضمير الحي هو المحرض على الفكر الاصلاحي والسلوك السوي ، بعكس الضمير الميت الذي يستخدم معاول الهدم والتدمير وهو أحد الأسباب الرئيسية لسقوط وانهيار كل "المؤسسات " الإنسانية اذا صح التعبير..!!

وبالعودة الى موضوع "تأجير الضمير " نعم هناك من يبيع ومن يعرض ضميره للإيجار بثمن بخس ، صحيح أن كلها تجارة خاسرة ولكن هناك فرق بين البيع و التأجير ، سمعنا عن بندقية للإيجار ، وقلم للإيجار ، وبيت للإيجار ، وسيارة للإيجار ولكن ضمير للإيجار لمن يدفع أكثر..!! فتلك هي التجارة الفاسدة ، ولانستغرب من"الضمير المتنقل " بين حضن هذا القائد السياسي وذاك الزعيم "الوطني " وكل يوم هو في شأن ، وكل فترة له موقفآ بحسب "المبلغ المدفوع " أي -ضمير تحت الطلب- وقد قلنا سابقآ انها علاقة نفعية ،تبادلية ، انتهازية، وبحسب العرض والطلب تحول الضمير الى سلعة تجارية في أسواق السياسة السوداء لمن يدفع أكثر ..!؟؟

 ولكن مايثير الاستغراب أن المتلونين والمتحولين(المثليين السياسين) يوهمون أنفسهم بأن ارتهان ضمائرهم وتأجيرها "بمبالغ مالية "أنما هو شكل من اشكال الوطنية وخدمة للمشروع الوطني وللبرنامج السياسي وبالتالي هو موقف سياسي اخلاقي بحسب قولهم ..!!

ولايتورعون في الافصاح عن الخطط المرسومة والمدفوعة الثمن لهم سلفآ ، والترويج لأفكارهم السياسية "المضللة "ضاربين بعرض الحائط كل المبادئ والقواعدالمتعارف عليها ..

تسييس الضمير واخضاعه للإنتقائية والمزاجية بالتأكيد سيؤدي الى تدهور المعايير ، ولاشك أن كل هذا السلوك يدلل على وجود خلل في النظام البنيوي للنفس البشرية وصراع حقيقي للمكونات والعناصر الخفية ، وانعكاس طبيعي للمؤثرات الخارجية والداخلية ..

ومن يتابع مواقفهم أو يقرأ مقالاتهم وكتاباتهم أي -أصحاب الضمائرالمؤجرة - يلاحظ أن المبالغ المدفوعة تركت بصماتها الواضحة على الكلمات والحروف ، ونقشت عليها عبارات الخضوع والخنوع في لعبة "خداع الذات "

وخلاصة القول أن أصحاب الضمائر المؤجرة مرضى بحاجة الى علاج ، ومراجعة ، لتصحيح أوضاعهم وتغيير سلوكهم وتقويم ضمائرهم ، وباب التوبة مفتوح ، لأن الفطرة السليمة تنحاز دومآ الى مسالك الحق والخير ، وتلفظ نوازع الشر والباطل .

اخر الأخبار