عن الرئيس وآخرين

تابعنا على:   10:40 2014-02-26

محمد نجيب الشرافي

يتعرض الرئيس محمود عباس لانتقادات واسعة وعنيفة إسرائيليا ودوليا ومحليا, كلٌ له أسبابه التي يراها وجيهة. هذه الأطراف متصادمة أصلا لكنها تلتقي عند التعرض للرئيس تارة بالانتقاد وطوراً بالتخوين والتكفير وحتى التحريض بالقتل. رجل يقاتل على عدة جبهات. هجوم بعض أطرافها مبرر لأنهم أصلاً أعداءه وهو في حالة اشتباك دائم معهم بالطرق السياسية والدبلوماسية. وآخرون يظهرون حيادهم ونزاهتهم, يصفون أنفسهم بالوسطاء, فيما هم لا يستطيعون معاداة أعدائه. وثالث لا يملك إلا النقد والتجريح, لا يتورع أحيانا عن استخدام أقسى مفردات اللغة في التعامل مع الرئيس.

لا يتوقف الرئيس أمام ما يقوله الطرف الأول وان كان يقرأ في مواقفهم ما يفكرون, وهو معنيٌ إلى حد كبير فيما يطرحه الطرف الثاني. يحاول أن يوصل حجم المظالم التي يتعرض لها شعبه عله يكسب تعاطفهم وقرارتهم السياسية والاقتصادية.

أما الطرف الثالث فيبدو موقفه محيرا يبعث على الحسرة حيناً والإشفاق أحيانا. ليس لهم مطلب سوى وقف المفاوضات وعندها يرون – إذا كانوا يرون شيئا – أن كل القضايا قد حُلت: الانقسام وقد انتهى وتحققت المصالحة والوحدة الوطنية. الحصار وقد زال وتحقق الرغد والعيش والازدهار لغزة. المقاومة وقد انطلقت من جديد دون أن يكبلها أحد, المعارضة وقد أُذن لها أن تقول ما تشاء بلا رقيب. والمظاهرات السلمية تجوب الشوارع دون قمع أو إرهاب ودون اعتقال أو لعلعة رصاص وتلويح هراوات.. المعابر وقد فتحت على مصراعيها.. وشيخنا القرضاوي وقد غبرّ حذاءه بتراب القدس وغزة بعدما يطلق فتاوى النصر والتمكين. الانتخابات التشريعية تجري في موعدها ولا يتم التجديد تلقائيا لأعضائها فيما حكومة شطري الوطن تمارس مهامها بحرية..

لماذا يا سيادة الرئيس أوقفت كل هذه الانجازات وأوقفت حياتنا.!؟ أنت متهم.

نفس التهم, والأشخاص ذاتهم رفعوا عقيرتهم بالصراخ عندما قررت خوض المعركة الدبلوماسية لنيل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة, لدرجة أن أحداً ما لم يجد ما يقوله فأعلن تحفظه على الذهاب إلى الأمم المتحدة لأنها تقع في أمريكا وأن الأخيرة تسيطر عليها.!. وثمة من قال وأضاف واستطرد وتمرد حتى استنكرت البلابل ما قال واشمئزت مما قيل وقال, ولما أُعلنت نتيجة التصويت عدلوا موقفهم بخجل.

الرئيس يخوض معركة مصيرية ينتظر بعض الناس نجاحا ليقولوا إنّا كنا معكم, وينتظر آخرون فشلا ليقولوا إنما نحن مستهزئون وقد حذرنا من قبل !. كيف يمكن أن نشرح للعالم موقفنا ونحن مختلفون إلى هذه الدرجة؟ في رأيي, أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أحد أكثر الرجال حنكة وبصيرة عندما أعطى الرئيس فرصة أخرى لتجريب المفاوضات, علها تأتي بما يستعصي على المقاومة المسلحة. وإلا لماذا هو صامت, فيما حزبه لا ينام دون تفتيش في قواميس اللغة عن مفردة جديدة لم يطلقها على الرئيس؟ أهي عملية توزيع أدوار, أم أن الرجل يمتلك بصيرة يفتقدها الآخرون؟

 أيا ما كان الأمر, فان المفاوضات يمكن أن تكون سرية أو علنية, غير أن النتائج لا يمكن أن تكون سرية, وتطبيقها يحتاج إلى إجماعٍ شعبي علني, دونه السراب.

وفي رأيي, أن الحملة على الرئيس ظناً باحتمال موافقته على مقترحات كيري, قبل إعلانها, كمن طلب منه كتابة ملاحظات على مسرحية لم يشاهدها ولم يقرأ نصها. ولو شاهدها لقال عنزة ولو طارت !

عقلية المناكفات والعناد على رأي يحتمل الخطأ أكثر من اقترابة من الصواب لن تجلب خيراً لفلسطين, ولا مستقبلاً زاهراً لشعبها. هؤلاء أشبه برجل سئُل عن بحثه ليلا عن محفظة نقوده في مكان غير المكان الذي فقدها فيه فقال: لا يوجد ضؤ في ذلك المكان. أما هنا حيث أفتش فالضؤ موجود!

لا جدال في أن القول بعبثية المفاوضات يقلق الرئيس. قلقٌ يضاف إلى قلق صعوبة المفاوضات وإعيائها, كونها تتم تحت رعاية أمريكية وليست دولية, وما يرافقها من ضغط نفسي وتهديد اقتصادي وعسكري واستيطاني. إضافة إلى قلق غياب أو تغييب المصالحة الوطنية. ذلك أن صورة الفلسطيني المنقسم على نفسه

 لا تشجع العالم على التعامل مع إسرائيل بطريقة ترضي أحداً منا.

بصراحة أكثر, ما الذي نملكه بديلا عن المفاوضات؟ المقاومة المجمدة أم الانقسام الفصائلي الذي امتد إلى الشعب أم المقاومة الشعبية اللفظية. الخدمات المفقودة والحرية المعطلة أم طريقة الحكم الانفرادية؟ أم ماذا؟ المقاطعة الدولية لإسرائيل تؤلمها كما الحصار يؤلمنا, شريطة أن نحقق المصالحة ونجري الانتخابات. عندها يمكن أن نقوم بدور مهم في هذا المجال, ذلك أن ترتيب البيت الفلسطيني سوف يكون مدخلا لترتيب البيت العربي ونقل القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية بدل أن تظل محصورة في يد الحليف الأعمى لإسرائيل.

ربما تكون جهود وزير الخارجية الأمريكي هي الفرصة الأخيرة للتسوية قبل أن ينصرف الأمريكيون إلى قضايا أخرى يعج بها العالم, ويكون استحقاق الانتخابات الأمريكية قد حان, ونضطر للانتظار طويلا قبل أن يحدد الرئيس الأمريكي الجديد موقع القضية الفلسطينية على سلم أولوياته..

بعبارة أخرى, كيري وإدارته وحزبه الديمقراطي يريدون عمل شيئ ما يفاخرون به.

يؤمن الرئيس أن لا نهاية حاسمة وقريبة لصراعٍ في منطقة تلاقي الأديان والأطماع, لكنه يحاول أن يضع حدا لمعاناة شعبه .

في ظني, أن الرئيس ينتظر اتفاق كيري ويده على قلبه, ليس خوفا من إحراج أو إحباط بقدر ما هي رؤية, في أن يضع أحدٌ ما حدا لحياته السياسية, قبل أن يرى ما كان يحلم به الرئيس الشهيد ياسر عرفات. 

اخر الأخبار