أميركا 2017 تشبه أميركا 1861

تابعنا على:   10:36 2017-02-06

زين الشامي

يخطئ من يعتقد بان ما تشهده الولايات المتحدة هذه الأيام مرتبط بوصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات على مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون. إن ما يجري اليوم هو أكبر تحدٍ تشهده الديموقراطية الأميركية والولايات المتحدة كدولة وولايات متحدة منذ الحرب الأهلية عام 1861.

ان المسألة ليست متعلقة بترامب وقراراته وسياسته التي تبدو للبعض استفزازية وعنصرية ومتسرعة وغيره. ان المسألة تتعلق بالصراع بين قيم الديموقراطية الأميركية، التي تبدو انها انهزمت، وبين مناخات التطرّف والعنصرية الناشئة والتي عبّرت عنها وعكستها نتائج الانتخابات الرئاسية.

إن نتائج الانتخابات عكست صعودا لليمين الأميركي بأبشع صوره وصيغه ممثلاً بترامب. وفي الوقت نفسه، تعكس الاحتجاجات في الكثير من المدن والولايات الأميركية، ومنذ اليوم الاول لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وحتى صدور آخر الأوامر التنفيذية من قبل البيت الأبيض وفريقه الجديد، حالة من الصدمة لدى قطاعات واسعة من الأميركيين ازاء ما حصل. هناك شرائح واسعة من الأميركيين تدرك اليوم فداحة استهتارها بالانتخابات وركونها لنتائج الاستطلاعات التي رجحت فوز هيلاري على ترامب، و«تعض أصابعها ندماً» لانها لم تذهب الى صناديق الاقتراع، مستسلمة لتلك الاستطلاعات معتقدة ان الرئاسة قاب قوسين او أدنى من المرشحة الديموقراطية.

لكن الذي حصل كان معاكسا لكل التوقعات، ولم تكن الا قلة قليلة تتوقع ان يفوز شخصاً مثل ترامب. نعم، لقد حصل ما لم يكن في الحسبان، واثبتت تطورات الأحداث منذ وصول ترامب الى الرئاسة، ان الولايات المتحدة نفسها والديموقراطية الأميركية في خطر محدق.

ما يحصل اليوم في المدن الأميركية وما يعيشه الشارع من انقسامات حادة، يذكّر بمراحل وأولى ارهاصات التغير التاريخية والمفصلية التي شهدتها بعض البلدان. يشبه لحظات ما قبل الحروب. يشبه اللحظات التي أتت بشخص مثل أدولف هتلر الى سدة الحكم في ألمانيا عبر صناديق الاقتراع! وما يحدث في الولايات المتحدة اليوم، وبعيداً عن المبالغة، يذكّر الى حد ما بلحظة ما قبل الحرب الأهلية عام 1861 حين كانت الولايات الأميركية آنذاك منقسمة بشكل حاد وصارخ على خلفية قضايا كثيرة، لعل ابرزها معارضة ولايات الجنوب، لتحرير العبيد. وهي قضية عكست صراعا بين قيم مختلفة ومتناقضة، قيم التحرر والمساواة والعدالة والحرية والديموقراطية للجميع، وقيم المحافظة وعدم المساواة واستمرار الرّق والعبودية لشرائح واسعة من الأميركيين من أصول أفريقية.

كذلك تذكّر اجواء التوتر والانقسام اليوم بأجواء أوائل ومنتصف الستينات من القرن الماضي حيث عاد الصراع بعد نحو مئة سنة من الحرب الأهلية ليعبر عن نفسه من خلال المصادمات التي ارتبطت بحركة التحرر التي قادها مارتن لوثر كينغ.

أميركا عام 1861 حيث الحرب الأهلية، واميركا منتصف ستينات القرن الماضي واميركا اليوم مع ترامب وصعود تيار للتطرف والانغلاق والعنصرية، تشبه بعضها الى حد ما، نقصد الانقسام الحاد داخل المجتمع الأميركي، وهو صراع بين قيم متناقضة ومختلفة: قيم الحرية والعدالة والمساواة، وقيم المحافظة والعنصرية والتشدد.

ورغم ان التيار المساند لترامب لم يخرج للشوارع ليعبر عن دعمه للتوجهات الجديدة للإدارة، فإن ذلك لا يعني أبداً انه سيبقى متفرجاً، انها مسألة وقت، فحين يشعر مؤيّدو ترامب بالخطر او انتصار الفريق الاخر، فقد يتحركون نحو الشوارع، وهو الامر الذي لا يمكن استبعاده، وهو ايضا الأمر الذي ستسعى «The Establishment» او المؤسسات ومراكز الدولة القوية، لمنع حصوله لإدراكها مدى خطورته على الولايات المتحدة كدولة عظمى ذاتها.

ان الأيام المقبلة ستكشف اذا كانت الديموقراطية الأميركية بخير، ام ان الولايات المتحدة دخلت في حقبة جديدة... حقبة من التوتر والانقسام لن تقتصر آثارها على الولايات المتحدة نفسها، ولن تبقى حبيسة حدود الجغرافية الأميركية...
عن الرأي الكويتية

اخر الأخبار