هو قرأ العالم ونحن ردحنا له

تابعنا على:   10:06 2017-02-05

سمير عطا الله

انقسم العالم حول كتاب «صدام الحضارات» لصامويل هانتنغتون إلى قسمين: المجادلون، ونحن. المجادلون، أو المناقشون، أو الدارسون، قرأوا الكتاب أولاً في صيغة مقال نشرته «فورين أفيرز»، فقام حوله جدل استمر ثلاث سنوات، وضجّة لم تعرفها المجلة منذ الأربعينات، مما دفع المؤلف إلى التوسع في بحثه وإصداره، في كتاب أثار نقاشًا عالميًا حوله لأكثر من ثلاث سنوات، هو أيضًا.
نحن، اعتبرنا الكتاب ردحًا، لا دراسة، فخرجنا إلى الشرفات، وردحنا، ثم «عمّرنا» نارجيلة «طهمازية» وجلسنا نرتاح ونؤركل ونكرر ونقرقر. وانتهى الأمر. ولما كنا في عجلة من أمرنا، لأسباب تتعلق بطعم التنباك، نسينا، أو لم نعتبر ضروريًا، استكمال عنوان الكتاب وهو «صراع الحضارات وإعادة تكوين النظام العالمي». فالمقال ظهر أولاً عام 1993، والدراسة كانت في ضوء سقوط الاتحاد السوفياتي، وانتهاء شيء اسمه الحرب الباردة.
ماذا كان رد فعلنا على التحولين التاريخيين؟ طلب العراق من سفرائه في أوروبا الشرقية وضع دراسة حول مدى تأثير ذلك على الأنظمة العربية. وجاء التقرير، طبعًا، كما يُشتهى، لا كما يُرى. وانتهى الأمر. وعدنا إلى استئناف الأركلة. توفي صامويل هانتنغتون عام 2008 وراح صراع الحضارات يزداد اشتعالاً وحدّة. وكثيرون منا اعتبروا أن المسؤول عن ذلك هو هانتنغتون، وليس التاريخ، ولا الحضارات، ولا المتفجرات الكامنة فيها منذ آلاف السنين. قدّرنا أنه مقالان وبضع شتائم وعشر أراكيل، وينتهي الأمر.
لكن تجنب صراع وصدام الحضارات يحتاج إلى أكثر من شتيمتين بقليل. الشتائم لا تغير أكثر مما تغيره الأراكيل. ولقد طَمَرَنا فائضها منذ 1967 إلى اليوم، في حين أن المطلوب مثلاً إقفال مستوطنة، ورد التهويد عن القدس والضفة، وإذا تعذر كل ذلك، إقناع حماس والسلطة بالمصالحة، أو إقناع أشرار سيناء بأن رجال الشرطة أهل وأبناء وطن.
إذا كانت رئاسة ترمب قد أعادتنا إلى شيء، فإلى «صراع الحضارات وإعادة تكوين النظام العالمي». فمن بعده تفجر البلقان تمامًا، وعام 1994 رفع 70 ألف مكسيكي في لوس أنجليس علم «بلادهم»، أي المكسيك، معترضين على... قانون الهجرة. وبعد 1993، لم تعد الصراعات العالمية اقتصادية أو سياسية أو آيديولوجية، بل «ثقافية». صدام «هويات قاتلة»، كما سماها أمين معلوف، متأثرًا بنظرية هانتنغتون، عندما قرأه جيدًا بدل أن يردح له.
عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار