أريد حقي!!!

تابعنا على:   22:15 2014-02-22

رامي الغف

فليسمع الجميع ويعي جيدا أن الوطن ليس ملكاً لأحد، ولا وزاراته ومؤسساته وهيئاته إرثٌ لآخر, إن الوطن لنا وحدنا ولا سلطان علينا، كما أن لا هبة لأحد في ما لا يملك منذ الصغر وأنا أحلم كغيري باليوم الذي أكون فيه رجلا يشار له بالبنان "سفيرا أو ممثلا للجماهير في البرلمان أو حتى وزيرا في تخصصي الثقافي والإعلامي إلخ" حلم مشروع لي أليس كذلك أيها السادة ويا أيتها السيدات؟!.

بعد إكمالي الدراسة الجامعية إزداد طمعي وولعي، فلما لا أكون قيادياً أو مسؤولا كبيرا في وطني، أدافع عن آلام وأحلام وقضايا وشجون جماهيري؟ إلا أن الأمر حينها كان أشبه بدخول إبليس للجنة، لأني لم أكنٌ قريبا لإحدى الشخصيات المرموقة حزبيا، ولا ابنا أو شقيقا لمسؤول في تنظيم أو تكتل وطني، أو حتى نسيبا أو عديلا لرئيس حزب سياسي، وحتى الساعة هذه لا أفكر إلا في كسب قوتي والذي أبحث عنه بلا هوادة، وتنازلت حينها عن أحلامي العملاقة لأن المناصب المرموقة هذه الأيام أندر من الزئبق.

ولكن ما دعاني ان أكتب عن همومي وأشجاني وطموحاتي هو ما أشعر به كغيري من الشباب المبدع في الوطن الذين لم يأخذوا فرصا ولم يمنحوا إمتيازات لا من هنا ولا من هناك، ونعيش على الأحلام فقط.

فإن ما نشاهده وما نسمع عنه من إبداعات خلاقة في مختلف المجالات في الأوطان التي تحترم عقول أبناءها وشبابها المبدع، جاء نتيجة تخطيط ودراسة دقيقة مسبقة، لأن يأخذ أصحاب الكفاءات والإختصاصات مواقعهم الحقيقية في الوطن الذي ينتمون له، كما في وطننا الذي يزخر أيضاً بالكثير من الكفاءات والنخب الإبداعية الشابة في مختلف مجالاتها، ولكننا للأسف الشديد نرى تلك الطاقات الإبداعية قد عفا عليها الزمن وأكل الدهر عليها وشرب، والسبب هو إنهم لم يخوضوا المعترك السياسي، ولم ينضووا تحت أي غطاء أو مكون من المكونات والفصائل والتنظيمات والتجمعات الحزبية المشاركة في العملية السياسية في الوطن، فكان الثمن هو إستبعادها وحرمانها من أداء واجبها تجاه وطنها.

عندما ينتمي شعب من الناس لوطن واحد، بما يعنيه الوطن من حدود جغرافية، وكيان سياسي ونظام دولة قائم على مؤسسات مختلفة، فإن هذا الإنتماء يخلق بينهم عيشاً مشتركاً ومصلحة متداخلة مما يوجب وجود صيغة عادلة للتعايش والتعاون تتحقق بها المشاركة في المنافع والمكاسب، والوحدة أمام الأخطار والتحديات، ولكن الوطن يجب أن يبقى إطاراً جامعاً لكل أبنائه الشابة والغير شابة بمختلف إنتماءاتهم، وذلك يستدعي منهم الإعتراف المتبادل بين الجميع بالشراكة والتساوي في حقوق المواطنة وواجباتها، أما أذا أختلت هذه الشراكة وحدث شئ من الإستئثار بالسلطة أو بالثروات أو التمييز بين أبناء الوطن الواحد، بسبب تنوع التوجهات وإختلاف وجهات النظر أو تقاطع البرامج فإن ذلك يهدد وحدة الوطن وأمن المجتمع وإستقراره، كما تدل على ذلك أحداث التاريخ وتجاربه في الماضي والحاضر، فإن أخطر شيء على وحدة الأوطان ومصالحها هو أن تتضخم الإنتماءات على حساب الإنتماء للوطن فتنظر كل جهة للجهات الأخرى عبر دائرة إنتمائها الخاص، وهنا تضيع المصلحة العامة وتضعف وحدة الوطن وإستقراره!

وعندما يكون الوطن بيت للجميع، فعلى الجميع أن يدرك بأنه مسؤول وفقاً لمصالح الوطن وليس على أساس ما تقتضيه حاجته هو شخصياً، فالشعور بالوطن والإحساس به طابع إجتماعي وروحاني يحدد خطوات الإنسان وتوجهاته ونظرته للأمور، وفي زخمِ وكثرةِ صخب التيارات الفكرية المعاصرة والمتصارعة والمحتدمة بوجودها وآيديولوجياتها يكاد الخطاب الذي يتبناه شبابنا، يتجه نحو ضياع الذات والهوية والإنتماء، ولعلّ هذا يحمل في طياته الكثير من الحقائق الدامغة التي يتجاهلها صناع القرار والمهتمين بالشأن الفكري والعملي والإبداعي لشريحة لشبابنا التي تعاني من غربة الإنتماء وإستلاب الذات المغيّبة وسط ركام الأفكار الوافدة.

فالشباب وبعيداً عن لغة الإنشاءات والخطابة والشعارات الرنانة والاستعارة والبلاغة، هم الرافد والمحور الذي تقوم وترتكز عليه وطننا، وبهم يكون ولوج مستقبله، والحفاظ عليهم هو حفاظ على جوهر الوطن وسرّ بقاءه وديمومته وتقدمه ورقيه ونماءه، ولكي لا أتهم بأني أهيم بالأحلام فقط أقول إنّ الأوطان التي تفسح الحرية لأبنائها، وتهتم بهم وتمنحهم كلّ سُبل العيش الرغيد والكريم واحترام ذاتهم هي من تتولى ريادة الآخرين. إلا نحنُ، ونحنُ (ضمير الجمع) لا دخل ولا عَلاقة (بفتح العين) لنا بالآخرين، فتاريخنا المشرف وإرثنا الفكري المبدع حافل وثري بقصص التغييب لوعي الآخر وعدم إحترام ذاته وماهيته وخلق الأجيال المحطمة من الداخل والتي تكون في جل وعيها تؤمن بثقافة الخوف والماورائيات وقصص البطولة وتبجيل التاريخ وعدم إبداء الرأي وإحترام الرأي الآخر.

بإيجاز نحنُ أمة تنتشي بقتل مُبدعيها ومثقفيها وأبنائها وشبابنا، فذقنا كلّ المرارات بسبب مراحل الحكم تلو الحكم، وما تبعته من مخاضات عسيرة ولدت عنده ردة فعل وشعور بالإحباط واليأس.

دعوة إلى أصحاب القرار القائمين على الشأن المعرفي والفكري والإبداعي ومن يهمهم شأن الشباب وطموحاتهم وآمالهم وتطلعاتهم وآفاقهم، بأن يكونوا حضناً دافئاً يحتوي أبناءه الضائعين، ويداً تمتدُ نحو الشباب المغيّب وسط زخم الصراع الفكري لتنقذ آخر ما تبقى من هؤلاء الذين ظلموا من قبل ومن بعد، وذلك عِبرَ توسيع دائرة المؤسسات التعليميّة والفكرية والثقافيّة التي تأخذ على عاتقها إنشاء برامج وخطاب توعوي يرجع للشباب مكانته ومحوريته وثقته بذاته، والتركيز على إنضاج الخطاب الإعلامي بطرح المفاهيم التي تنبع من وسط هموم الشارع الشبابي ومعالجتها واستحداث لغة جديدة ونمط خطابي يُركز على النوع لا الكم، بغية تهيئة الأرضيّة المناسبة للانفتاح على ذات الشاب وفهم ما تحتاجه هذه الذات وما يكمن في أغوارها، وبالتالي ننشأ منظومة معرفيّة متكاملة تتيح لنا أنّ يفهم كلانا الآخر.

إن فهم الآخر هي أهم المراحل التي ينبغي أنّ تترجم على أرض الواقع، وبالتالي فالحكومة اليوم بالذات مطالبة وبشدة بأن تسعى لحل جزءاً يسيراً من مشاكل وهموم الشباب وفي مقدمة تلك المشاكل مشكلة البطالة التي أصبحت حجراً عاثراً أمام أحلام الشباب البريئة وأمنياتهم وتطلعاتهم، وكذلك المؤسسات الأهلية والفكرية والمعرفيّة والثقافية فهي اليوم مسؤولة أمام الله وأنفسها برعاية هذه الأمانة التي من شأنها أنّ تنهض بواقع البلد لو أتيح لها إثبات ذاتها المحطمة، وحل مشكلاتهم التي من المعيب التحدث عنها والمطالبة بحلها ونحنُ أمام تجارب فريدة ونوعية وبإمكانيات مادية وفكرية أقل منا بكثير، إذن دعونا من تخمة الخطابات وسبك العبارات وتنميق المصطلحات، فجلّ ما نريده ونبتغيه هو ضميرٌ يقض وناصع بالحبّ يفهم المشكلة ويشخص مكامن المرض، ويبحث عن العلاج، والعلاج ليس عسيراً هو خطاب ينبثق من طُهر الماضي ويناغم أفكار الحاضر ويعيد وعي الذات المهشمة، ويبحث عن الأخطاء المستقبلية ويحذر منها، ويبتكر آليات منطقية لمواجهة الأفكار التي تستلب منا النفس وتقتل الروح ولا تبقي ولا تذر

• نقطة ضوء:

• الغباء ألا نعرف ما نريد ونقتل أنفسنا لتحقيقه.

 

اخر الأخبار