
فراعنة وأباطرة المال والبزنس في فلسطين
د.جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
في زمان أصبح فيه الحرام حلالاً، والحلالُ حراماً، والزكاة مغرمًا، ظهر تجار الدم وأباطرة البزنس والمال وفراعنة هذا العصر، بثوب الوطنية والوطن، من تجار الأنفاق سابقًا؛ حيث بدأت ظاهرة الأنفاق بعد حصار غزة في منطقة رفح الحدودية مع مصر عام 2006م/2007م وازدادت رويدًا رويدًا حتى بلغ عددها ما يزيد عن ألف ومئتي نفق، وبدأ تجار البزنس والفراعنة الصغار يكبرون ويكبرون، وتنتفخ عروشهم وكروشهم ليصبحوا أباطرة المال والسلطان، بعدما كان بعضهم فقيرًا لا يكاد يجد قوت يومهِ، وكان لتلك الأنفاق من خلال البضائع المهربة لقطاع غزة دور تدميري على الاقتصاد الوطني الفلسطيني برمتهِ؛ لأن تلك البضائع التي تدخل القطاع لا يتم فحصها إن كانت صالحة أم تالفة، ولا توجد رقابة رسمية على الأسعار، وكذلك إدخال المخدرات وحبوب الأترمال من خلال تلك الأنفاق كان له سيء الأثر على الشباب الفلسطيني العاطل عن العمل. ناهيكَّ عن كل ما ذكُر ظهور بعض الشركات الفلسطينية الكبرى تتغني وتتفاخر بصافي أرباحها السنوية بملايين الدولارات في نهاية العام، وتسمي أنفسها شركات وطنية تعمل لخدمة الوطن والمواطن!!! لكن المواطن المسكين البسيط بين سنديان الاحتلال ومطرقة غلاء المعيشة، من بعض التجار والشركات؛ يتجرع كؤوس الفقر والجوع والمرض ويئن كالمذبوحِ من الطير ولا سامع أو مُغيث لهُ؛ ويمر الشعب الفلسطيني الصامد الصابر فوق ترابهِ الوطني بظروف اقتصادية ومالية غاية في الصعوبة، والدقة والتعقيد، ويقع غالبيتهِ اليوم تحت خط الفقر، ويعاني وليات ونكبات متواصلة داخل الوطن أو خارج الوطن في مخيمات اللجوء في العالم العربي؛ وما مخيم اليرموك المحاصر الجائع عنكم ببعيد؛ ورحم الله الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز حينما لم يجد فقير في زمنهِ ففاض المال في بيت المال – أو وزارة المالية في لغة زماننا فأمر بتزويج من يريد الزواج، وبسد الدين عن المدِينين؛ وقال رضي الله عنه كذلك: أنثروا الحب على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في زمن عمر بن عبد العزيز!!! ولنا في حديث النبي صل الله عليه وسلم العظة والعبرة الحسنة،فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع". يعيش شباب فلسطين عمومًا، و شباب غزة خصوصَا ظروفًا صعبة ويعانون من البطالة، وهناك ما يزيد عن الخمسين ألف خريج جامعي يعانون البطالة والفقر، وكثرة حالات الطلاق في المحاكم الشرعية وهناك عنوسة زائدة، وضعف كبير في الاقبال عن الزواج – لا لرهبانيةٍ ابتدعُوها، أو كتبوها على أنفسهم، وإنما لأنهم لا يجدون المال، في وقت يكلف فيه الزواج ومستلزماتهِ، ما يقارب العشرة ألاف دينار أردني للعريس الواحد بغزة – ولقد ركبت مع سائق تاكسي فبدأ يشكو لي الوضع الاقتصادي وقال لي بلغت من العمر 36 سنة ولم أتزوج لأنني لا أجد المال، كما أن المهر للعروسة مرتفع يصل من أربعة ألاف إلى ستة ألاف دينا أردني، وهذه الشكوى تكررت من شباب كُثر؛ وبعض العائلات في غزة والضفة بالكاد يجدون لقمة العيش وربطة الخبز، والبعض منهم من أصبح يمدُ يديهِ للحصول عليها؛ بعد كل ما سبق نلقى نظرة على الشركات الفرعونية... أسف أخطأ لساني رُبما،،، بل ما تسمي الشركات والبنوك الوطنية، التي تعمل ليل نهار لخدمة الوطن والمواطن؛ وعلى سبيل المثال مرابح شركة مجموعة الاتصالات (بالتل) كما يلي: تمكنت مجموعة الاتصالات الفلسطينية خلال السنوات الماضية من تحقيق نمو متصاعد وثابت على صعيد صافي الايرادات وفيما يتعلق بجوهر الخدمات التي تقدمها لمشتركيها. وفيما يلي لمحة عن أداء المجموعة خلال عام 2013م حسب تقرير الشركة نفسها: "ارتفع صافي الإيرادات الموحّدة للعام 2013 بنسبة 2.6% ليصل إلى 529 مليون دولار أمريكي، إضافة إلى تحقيق مبلغ 129 مليون دولار أمريكي كصافي أرباح الدخل الموحّد، مرتفعاً عن عام 2012 بما نسبته 11.8% تقريبًا، وتعد تسعيرة الاتصالات في غزة الأغلى والأعلى نسبة عالميًا كما بلغت أرباح بنك فلسطين 40 مليون دولار أمريكي مع نهاية العام الماضي 2013؛ وأشارت البيانات الختامية الأولية إلى أن صافي أرباح شركة البنك الإسلامي الفلسطيني حتى نهاية 12/2013، بلغت 7.145 مليون دولار قبل الضريبة، مقارنة مع 5.023 مليون دولار نهاية عام 2011، بارتفاع بلغت نسبته 42.2 ٪؛ وكذلك بعض الشركات الكبرى المُحتكرة، والتي لها دور سلبي على الاقتصاد الفلسطيني؛ ومعظم تلك الأرباح للشركات من سكان قطاع غزة ؛ والذي تجاوز حاجز الفقر فيهِ نسبة ال50% تقريبًا؛ ومنهم من بالكاد يجد ما يسد بهِ رمق أطفالهِ؛ بينما يتقاضى أعضاء إدارة مجلس بعض البنوك 150 ألف دولار سنويًا، مقابل عشرة جلسات إدارية لهم وبواقع خمسة عشر ألف دولار لكل جلسة، وهذا الأمر يدق ناقوس خطر أمام السلطة الوطنية التي تعاني من الديون المتراكمة ومن أزمات اقتصادية ومالية كثيرة؛ وذلك يؤكد ضرورة إعادة رسم وتنظيم خطط سياسية اقتصادية وطنية، تراعي حاجات جميع المواطنين في الوطن، بما يكفل لهم الحياة الحرة الكريمة وحتي لا نكون شعبٌ يأّنُ، وأخُر يلعبُ؛؛ نحن لا ننكر على الشركات والبنوك وأصحاب الأسهم حقهم في الربح؛ ولكننا ما نلومهم عليه أن يوجد في فلسطين منّ شّابَ شّعُرهم، وانحنى ظهرهم، ويقفون على أبواب المساجد يسألون الناس إلحافًا، ويقفون على مفترقات الطرق، ناهيك عن عدد كبير من الأطفال مثلهم في الشوارع!! أين الضمير.. أين الإنسانية والشفقة والرحمة وأين هي الوطنية؟ وأين هنا دور تلك المؤسسات والشركات والبنوك التي تدعي الوطنية؟ ماذا سيحصل لو أن مجموعة شركة الاتصالات وبعض البنوك تبرعت بنسبة 20% من الربح وتبرعت ب 30 مليون دولار من صافي أرباحها السنوية البالغ 130 مليون دولار فقط لشركة الاتصالات، ووضعت ذلك المال لبناء المدارس والمستشفيات ولمساعدة الفقراء، والأيتام ولتشغيل جيش البطالة من الخريجين، وكذلك المساهمة في إقامة الأفراح الجماعية باسم تلك الشركات- ورصف الطرقات، ولماذا لا تقدم تلك الشركات الدعم اللازم من المال لتعزيز صمود الرئيس والسلطة الوطنية، في وجه الضغوط الاسرائيلية والأمريكية، والتلويح بالورقة الاقتصادية من أجل لي دراع المفاوض والمقاوم الفلسطيني،،، ويرحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما ولى عمرو بن العاص رضي الله عنه واليً وحاكمًا على مصر فقال له: " يا عمرو لو جاءك سارق ماذا تفعل بهِ؟ قال أقطع يدهُ، فقال له سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولو جاءني جائع قطعُت يدك" وقال لو كان الفقر رجُلاً لقتلتهُ، والقائل عجبتُ لمن لا يجد قوت يومهِ كيف لا يخرج شاهرًا سيفهُ!!! نحن نعيش في زمن الغربة.. زمن العجائب، والغرائب والتناقضات، والتحديات الكثيرة؛ زمن أصبح يموتُ فيهِ بعضُ الناس جوعًا، والبعضُ الآخر يأكل ما لذ وطاب من الطعام والشراب؛؛ إننا نخاطب تلك الشركات والبنوك ونناديهم نداء الصادق الأمين لهم والحريص عليهم، لنستنهض ضمائركم، وقلوبكم، بأن الشعب الفلسطيني وقيادتهِ في أشدّ وأمسّ الحاجة لكم ولوقفتكم الجادة والداعمة لهم، حتي فعلاً توسمون قولاً وفعلاً بالشركات والمؤسسات الوطنية التي سيُخلد الوطن والمواطن اسمها في صفحات وسجلات التاريخ الناصعة البيضاء وتكونوا خير الناس على ظهر الأرض... وإن لم تفعلوا ذلك!! وفضلتم أن تكونوا زملاء لفرعون وقارون، وأباطرة المال والسلطان، وجبابرة المال وغلاظ القلوب، فسيكتب الشعب والوطن عملكم في سجلاتهِ السوداء، وسيحفر الشعب في قلبهِ الحقد الدفين عليكم- وصدق الله العظيم القائل في كتابهِ الكريم:" فإنها لا تعمي الأبصار ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور"، وقولهِ تعالى: "أم على قُلوبٍ أقفالها"، ولقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تُنادى، وذو جهلٍ ينامُ على الحرير، وذو علمٍ ينامُ على التُرابِ؛ وليعلم الجميع من أصحاب تلك المؤسسات والشركات الكبيرة أن الدنيا زائلة ولن يكون لهم نصيب في الآخرة إلا العمل الصالح النافع، جاء في الحديث القدسي الشريف:" يقول ابن أدم مالي مالي: فيقول له رب العزة- يا ابن آدم هل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، ولبِستّ فأبليتّ، وتصدقتّ فأبقيت. وإن غياب الرقابة الذاتية وغير الذاتية والرقابة المالية، ووازع الضمير، وغياب الشركات المنافسة، وغياب سياسة اقتصادية وطنية، وكذلك تصرفات الاحتلال التدميرية المدروسة، أدت لنتائج كارثية ومأساوية على المواطن في فلسطين، نرجو أن تصل رسالتنا لكل مسئول، ولكل حريص على أمن الوطن وسلامتهِ؛ وإلا أكل بعضنا بعضًا عيانًا، في ظل فقرٍ مُدقع ووضع إنساني مأساوي يعيشهُ المواطن الفلسطيني.
مدير عام المركز القومي للبحوث
أخبار محلية

المنظمة العربية للتربية تعلن دعمها لحملة "لأجل فلسطين"
-
غنيم يبحث مع مدير بعثة البنك الدولي مستجدات مشاريع المياه والصرف الصحي
-
جيش الاحتلال يعتقل مُسنا ويستولي على جراره الزراعي في دير استيا
-
السفير الرويضي يقدم اوراق اعتماده للرئيس العراقي سفيراً مفوضاً فوق العادة لدولة فلسطين لدى العراق
-
وزير الاتصالات الفلسطيني يبحث مع وزير النقل والخدمات اللوجستية السعودي التعاون وتبادل الخبرات