مع ترامب: العلاقة الخاصة لا تكفى وحدها

تابعنا على:   14:10 2017-01-24

طارق حسن

قد يريحنا أن نحظى بعلاقة خاصة مع ترامب، أو أن ينظر لنا ترامب باعتبار خاص. لكن المشكلة المتعلقة بترامب نفسه ليست فى وجود علاقة خاصة معه. إنما فى البيئة المسمومة التى قد تفرزها مجمل أفكاره تجاه المنطقة، وعموم المسلمين . خذ عندك أولاً موقفه مما سماه الإسلام الراديكالى المتطرف واعتزامه أن يمسحه من على وجه الأرض. ولا تشغل بالك كثيرا بمسألة أن موقفة يشمل من داعش حتى الإخوان وما بينهما. ركز معى فى تطبيق الحرب على داعش وبقية فرق الإرهاب طوال الفترات الماضية، وكيف أن التلخيص الإجمالى لهذه الحرب حتى الآن هو هيمنة غير العرب على العرب وتدمير حواضر العرب، وقتل وتشريد وتهجير أهلها والاتفاق مع فرق العنف والإرهاب على إعادة الانتشار والتوزيع تحت مسمى مقاتلين ومجموعات مسلحة، واتفاق حلب مازال نموذجا. فماذا تعنى الحرب النهائية والقاضية التى يعتزم ترامب خوضها ضد الإسلام الراديكالى المتطرف؟

يخلط ترامب بين المسلمين والإسلام ومنظمات العنف والإرهاب وهذه فى حد ذاتها أكبر عبوة ناسفة لمزيد من الإرهاب، فضلا عن أن هذه النظرة واحدة من تطبيقات الصدام بين الحضارات، فماذا يعنى أن تكون منطقتنا ساحة رئيسية لمثل هذا الصدام، سوى مزيد من الإرهاب والعنف، والمزيد من عوامل الصراعات متعددة الأشكال والأساليب داخل مجتمعات وبلدان المنطقة، خاصة أنها منطقة تعانى من فراغ النموذج بعد موت كل الأيديولوجيات والعقائد السياسية الفكرية الدينية والقومية.

محاربة الإرهاب وحدها لا تكفى، ما لم تكن مقرونة بتصور سياسى يكون من شأنه إرساء قواعد السلام داخل المنطقة وفِى العلاقات معها، والقضاء على بيئة الاحتراب والخراب الوطنى السائدة الآن وتشكل أكبر منابع الوحشية والإرهاب والعنف المعاصر. محاربة الإرهاب تقتضى تسويات وطنية مرضية لعلاقات عرقية وطائفية، صارت أجسادا متصادمة ومتقطعة فى مجتمعات المنطقة، تسويات تضمن عدم تغليب أقلية على أغلبية، وعدم طغيان أغلبية على أقلية، وعدم تغليب غير العرب على كل العرب فى منطقة وأرض العرب.

محاربة الإرهاب تقتضى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام ٦٧، وعاصمتها القدس الشريف، لا نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وزيادة فرص الإرهاب.

محاربة الإرهاب تقتضى إنهاء كل مظاهر الهيمنة الحالية الدولية والإقليمية على العرب. وتقتضى أيضا إتاحة الفرصة كاملة أمام المجتمعات العربية على أنواعها فى بناء دولها الوطنية الحديثة كما هى دول العالم المتحضر.

لا يكفينى كمصرى مجرد العلاقة الخاصة مع ترامب، أريد أيضا أن أعيش فى منطقة تنعم بالسلام. ولو بقيت العلاقة الخاصة هى المعيار وحدها، لربما ظلت بحد ذاتها مصدرا جاذبا لإرهاب يعج به كل المحيط المباشر من حولنا. وبديهى أننا لا نستطيع إقناع ترامب ولا كل أمريكا بغير ما تقتنع وتؤمن، لكننا نستطيع أن نقول: هذه رؤيتنا. هذه مصلحتنا. نستطيع أن نعمل من أجل تحقيق مصلحتنا. من حقنا، إن لم يكن واجبا علينا، أن نعمل على تأمين أنفسنا من شرور ومضاعفات سياسات أمريكا وغيرها، وليس ترامب وحده فى المنطقة حتى فى حالة العلاقات الخاصة.

وصدقنى أن كل مناسبة يصلح فيها أن تقول إنه بات على مصر أن تنظر فى نفسها جيدا وتعطى أولوية لبناء دولة وطنية حديثة متكاملة الأركان بنظم إدارة شؤون السياسة والمجتمع الحديثة والمتعارف عليها فى كل مجتمعات التقدم والتحضر. ليس مثل مصر بإمكانه تقديم النموذج فى منطقة تعانى من فراغ النموذج الآن. ولا شىء يماثل الدولة النموذج والمجتمع النموذج فى القدرة على تأمين نفسها ومضاعفة القوة والموازنة مع هوس العظمة الأمريكية عند ترامب وسياساته تجاه منطقتنا خصوصا.

بات على مصر أيضا أن تنظر جيدا فى بناء جبهة سلام عربية تعمل على إرساء قواعد السلام فى عموم المنطقة. تسعى لكسب المواقف الدولية والإقليمية لصالح سلام المنطقة، الذى من شأن إقراره القضاء على أهم مراتع الإرهاب والعنف الذى نحيا.

يفيدنا أنه ليس بقدرة طرف أو بلد عربى واحد التعامل مع تداعيات مرحلة ترامب، وأنه يفيدنا بدرجة قصوى أن نتعامل ككتلة حتى لو التزم أغلب أطرافها بأدنى درجات التناغم والتناسق فيما بينها.

مصلحة مصر أن تكون الدولة النموذج والمجتمع النموذج بالمنطقة.

مصلحة مصر أن تكون مركز سلام المنطقة.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار