الاستهبال باسم الدّين مرّة أخرى

تابعنا على:   10:52 2017-01-20

جميل السلحوت

يقول ابن خلدون في "المقدّمة": أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينيّة من نبوّة أو ولاية، أو أثر عظيم من الدّين على الجملة" وما يهمّنا هنا هو أنّ العرب يخضعون باسم الدّين، ولذلك نجد من تلفّعوا بعباءة الدّين، ونصبوا واحتالوا على الآخرين مستغلّين الإيمان الدّينيّ الفطريّ عند العامّة، فيحرّفون الفهم الصّحيح للدّين، تحت شعارات دينيّة يبتدعونها، مستغلّين الجهل السّائد عند البعض في الدّين والدّنيا، فينصبون ويحتالون وينشرون خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، فمثلا: في بدايات تسعينات القرن العشرين أشاع أحد المشايخ الذي ينحدر من أصول فلسطينيّة، ويعيش في عمّان، أنّ القيامة ستقوم في شهر حدّده لهم، وأنّ الأرض ستغرق بطوفان عظيم لن ينجو منه إلا من يسكنون إحدى ضواحي عمّان الجنوبيّة، والويل والثّبور وعظائم الأمور سيكون مصير من يمتلكون مالا أو أثاثا فاخرا ولم يتخلّصوا منه قبل اليوم الموعود، والذي يريد النّجاة بنفسه وعياله ما عليه سوى أن يتبرّع بأمواله في صندوق وضعه لهم في المسجد الذي يؤمّ النّاس للصّلاة فيه، وأن يضعوا أثاثهم الفاخر في مكان حدّده لهم، ولمّا مرّ الشّهر المحدّد ولم تقم القيامة! وفقد من استهبلهم أملاكهم، تبيّن أنّ "الشّيخ" قد بنى إسكانا بمالهم في المنطقة التي قال أنّ الطوفان لن يصلها، وفرشه بأثاثهم، وتركهم نهبا للفقر والحاجة التي أوصلت البعض إلى درجة المجاعة؛ لأنّه فقد كلّ شيء، وقد برّأ القضاء الشّيخ من التّهم الموجّهة إليه، لعدم ثبوت الأدلّة؛ لأنه لم يستلم منهم مالا بطريقة مباشرة، وأنّ الذي يطالبون به مجرّد "تبرّعات" قدّموها لصندوق المسجد، أو أثاث ألقوا به في العراء! وقد وصل الهبل مداه عند أحدهم عندما هدّد بطلاق زوجته التي رفضت تسليمه مصاغها الذّهبيّ والأوراق النّقديّة التي يملكها، بناء على نصيحة من أخيها الحاذق الذي حذّر من ألاعيب الشّيخ! لكنّها أصبحت ذات حظوة عند زوجها بعد انكشاف الخديعة.

والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان باستطاعة ذلك المحتال أن يستهبل ضحاياه، لو لم يتدثّر بعباءة الدّين؟ ولا يفهمنّ أحد أنّ الدّين يدعو إلى هكذا جرائم، بل العكس هو الصّحيح، فالدين يحارب هكذا أمور، والويل والثّبور وعظائم الأمور في انتظار مرتكبيها.

واستهبال النّاس باسم الدّين ليس حكرا على المسلمين وحدهم، بل هو عند أتباع الدّيانات الأخرى أيضا، فهناك من يزعمون أنّ تماثيل حجريّة ومعدنيّة للعذراء تدمع زيتا! وفي تسعينات القرن العشرين أيضا ظهرت إشاعات تفيد بأنّ النّاس يرون العذراء على جدار بئر خَرِب في بيت ساحور قرب بيت لحم، وتوافد الآلاف من المسيحيّين والمسلمين لرؤية "المعجزة"إ وأغلقت السّيارات التي تقلّهم شوارع المدينة، وشوارع في المناطق المجاورة، واستمرّ الوضع أسابيع إلى أن نزل شابّ في البئر، فوجد أحدهم قد حفر رسما لرجل وامرأة متحابّين وبدون رؤوس على جدار البئر الكلسيّ الذي تساقت القصارة عنه.

وفي الدّيانة اليهوديّة أيضا هناك حاخامات زعموا أنّ المسيح المنتظر قادم "لإقامة مملكة يهودا" وحدّدوا تواريخ لذلك، وجمعوا تبرّعات مالية، والتفّ حولهم أتباع، وأخذوا طابع القداسة، فانتشرت صورهم على لوحات الاعلانات وغيرها، وعاشوا وماتوا وأتباعهم يقدّسونهم. وقد ألقت الشّرطة الاسرائيليّة القبض على أكثر من حاخام ممّن يتلفّعون بعباءة الدّين، وصدرت بحقّهم أحكام بتهمة استغلال أطفال جنسيّا!

وبهذا فإنّ الجهل في أمور الدّين والدّنيا يقود بعض "المحتالين" إلى التّظاهر بالورع والتّقوى، فيستهبلون البعض لمآرب تصل حدّ الجريمة، وليس عجيبا أن ينقاد الضّحايا إلى حتفهم ظنّا منهم أنّهم يعبدون الله.

اخر الأخبار